إيران والعودة الأميركية المؤجلة

إيران والعودة الأميركية المؤجلة

يبدو أن المسؤولين في النظام والحكومة في إيران، يقتربون من الاقتناع بصعوبة الحصول على موقف من الادارة الأميركية بإمكانية العودة السريعة إلى الاتفاق النووي، وأن هذه العودة ايضاً فيها الكثير من المعوقات والعراقيل التي لا يمكن للرئيس الأميركي جو بايدن تخطيها أو تجاوزها بسهولة، حتى ولو كانت لديه رغبة في اتخاذ هذه الخطوة.

إحراج وإرباك

هذه الحقائق بوضوحها، باتت تشكل إحراجاً، حتى لا يقال إرباكاً، للقيادة الإيرانية العليا منها والدبلوماسية والسياسية، خصوصاً بعد أن رفعت سقف توقعتها وشروطها أمام الادارة الأميركية على طريق العودة إلى الاتفاق النووي، وباتت تدرك جيداً أن في تحقيق شرط رفع كل العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب بعد الانسحاب من الاتفاق النووي غير ممكن، أو ميسّر للرئيس الجديد المحكوم بآليات قانونية ودستورية بالدرجة الأولى، تعيق أي خطوة بهذا الاتجاه، فضلاً عن حاجته لهذه العقوبات من أجل التفاوض حولها ومساومة النظام الإيراني في ملفات أخرى تحتل حيّزاً استراتيجياً في الاهتمامات الأميركية المتعقلة بمنطقة غرب آسيا، وتحديدا منطقة الشرق الاوسط، من دون أن يتعارض ذلك مع قناعة هذه الادارة بأهمية وضرورة التوصل إلى تفاهم مع إيران حول كل الملفات بما يساعد في استقرار هذه المنطقة وتخفيف حجم التوتر فيها.

الرهان الأوروبي، خصوصاً لدى دول الترويكا (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) للحفاظ على مستوى من التهدئة للأجواء السياسية التي تسمح لها بالبحث عن السبل التي تساعد في إيجاد حلّ للمفاوضات، دفعها إلى الطلب من إيران التخلي عن أي خطوة تفاقم المسائل المتعلقة بالاتفاق النووي سوءاً، خصوصاً ما يتعلق بالكشف عن قيام طهران بإنتاج معدن اليورانيوم لاستخدامه في تطوير عمل المفاعل العلمي للتحقيقات، وأنها، أي هذه الدول، رحبت بالنية الأميركية الجدية للعودة إلى المسار الدبلوماسي لحلّ الازمة النووية، التي قد تمهّد الطريق أمام عودة واشنطن إلى الاتفاق.

طريق مسدود

الأزمة بين طهران وواشنطن حول من يتخذ الخطوة الاولى بدأت تتجه إلى طريق مسدود مع اقتراب انتهاء المهلة الزمنية التي حددتها طهران كموعد لدخول خطوة تعليق العمل ببرتوكول التفتيش المباغت، ودخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 21 فبراير (شباط)، 2021، والتي من المحتمل أن تتحول إلى معضلة للنظام والدبلوماسية الايرانية على حدّ سواء، ولن تنفع معها المواقف التي أطلقها وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي تخلى عن دبلوماسيته المعهودة ومحاولات تدوير الزوايا رداً على مواقف البيت الأبيض،” قبل الإكثار من الكلام عليكم الالتزام بتعهداتكم”.
وهذا الخروج لظريف عن السياقات الدبلوماسية في الخطاب، يكشف حجم الأزمة التي يعاني منها النظام، وما ينتظره من مصاعب جراء فشله في الخروج من الضغوط الداخلية نتيجة العقوبات التي أوصلت الاقتصاد والأوضاع الاجتماعية والمعيشية في إيران إلى حافة الانهيار والانفجار، وتراجع القدرة على الاستمرار في الصمود أمام الازمات المتزايدة، الامر الذي فتح النقاش واسعاً داخل النظام والقوى السياسية حول الجدوى من القانون الذي أقره البرلمان في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 وتحوله إلى عائق أمام الحلول السياسية والتفاوضية، لأنه ألزم الحكومة بتوقيتات لتنفيذ خطوات تقليص الالتزامات النووية وصولاً إلى الانسحاب من الاتفاق برمته، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن على القيادة الإيرانية، ما هي الخطوة الإيرانية التالية إذا لم تستجب الادارة الأميركية للسقف والشرط الذي وضعه المرشد الأعلى؟ والمهلة التي حددها القانون في ما يتعلق بالعقوبات وعمل متفشي الوكالة الدولية؟ وما الذي يمكن أن تفعله أو تقوم به إيران لمواجهة هذا الامر؟

خياران

هذه الاسئلة والتحديات تضع النظام الإيراني بكل مؤسساته أمام اللجوء الى واحد من خيارين، وكلاهما لن يكون سهلاً في التداعيات السياسية والاجتماعية والامنية والاقتصادية.

الخيار الاول في أن يبتلع الموقف المتشدد للإدارة الأميركية، وأن يتخلى عملياً عن الشروط التي وضعها مع الاحتفاظ بالخطاب التصعيدي والاستمرار في تطبيق القانون النووي، وهذا الخيار سيتحول إلى ذريعة أميركية لممارسة مزيد من التشدد في استغلال العقوبات التي ورثتها عن الادارة السابقة، مع اعتماد سياسة تنفيس الاحتقان من خلال اتباع سياسة مقننة في التعامل مع الازمة الاقتصادية عبر العودة إلى سياسة الاعفاءات النفطية المحدودة، والمقيّدة، والتي لا تسمح للنظام في الحصول مباشرة على عائدات النفط، بل في تسهيل عمليات شراء الحاجيات الأساسية التي لا تدخل في إطار العقوبات، وفي الوقت نفسه، ترك الباب مفتوحاً أمام مفاوضات سرية أو بعيدة عن الاضواء تجبر الجانب الإيراني على الاستجابة للمخاوف والمطالب الأميركية التي لا تقتصر على البعد النووي بل تشمل كل الملفات، بما فيها الصاروخي والنفوذ الإقليمي، وبالتالي سيكون النظام حينها أمام معضلة وأزمة أخلاقية وشعبية نتيجة فشل ما يعتقده بسياسة الضغوط التي لجأ إليها عبر البرلمان الذي لم يضع في اعتباراته إمكانية أن يواجه مثل هذا التحدي وآليات التعامل معه.

اما الخيار الثاني، في ذهاب النظام إلى خيار استخدام القدرات العسكرية لرفع العقوبات أو توقيفها، وهو ما بدأ يتوضح من خلال تقرير مفتشي الوكالة الدولية الذي كشف عن قيام طهران بإنتاج معدن اليورانيوم، ويرجح البعض أن إيران تعمدت تسهيل عملية اكتشاف المفتشين له لإيصال رسالة بانها قادرة على عسكرة برنامجها النووي والذهاب إلى خيار إنتاج السلاح، وأن يكون توقيت الكشف عنه ايضاً لدفع الدول الشريكة في الاتفاق النووي لممارسة الضغط على واشنطن لتسريع قرار عودتها الى الاتفاق النووي قبل انتهاء المهلة الإيرانية، خصوصاً وأن ما قاله وزير الأمن الإيراني محمود علوي في لقائه مع التلفزيون الرسمي إنه “إذا رأيتم أن إيران ذهبت لخيار انتاج السلاح النووي، فاعلموا أنكم أنتم من يتحمل المسؤولية لأنكم دفعتم إيران للذهاب إلى هذا الخيار”، وهذا الموقف لوزير الامن يتزامن مع تصاعد المواقف العسكرية لقائد حرس الثورة الجنرال حسين سلامي الذي دعا الاعداء “للاعتبار من القدرات النارية للحرس”، وأنهم ” ليسوا غافلين للحظة للدفاع عن وحدة الأراضي الإيرانية ولن يترددوا في ذلك، لأن روح القوة والدفاع والصمود والهجوم على أعداء البلاد متحفزة دائما”، وأن المناورات التي يقوم بها الحرس لإيصال رسالة إلى أميركا وحلفائها في المنطقة بأنهم على استعداد للمواجهة، ما يعني أن القيادة الإيرانية تدرك أن الذهاب إلى خيار التصنيع العسكري النووي يعني أنها ستكون في مواجهة المجتمع الدولي بأكمله الذي لن يسمح لها بهذا الأمر، ما يرفع إمكانية المواجهة العسكرية وتعرضها لضربات تستهدف منشآتها النووي بهدف القضاء على البرنامج أو تعويقه وتأخيره، وبالتالي يجبرها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات من دون أي شروط مسبقة.

دور الوسيط

هذا التشدد من كلا الطرفين، الأميركي والإيراني، جعل طهران في وضع لا تحسد عليه، خصوصاً وألا مؤشرات تبدو في الافق تساعدها في تحقيق ما تريد، الأمر الذي دفع اطرافاً كثيرة لإعلان استعدادها للعب دور الوسيط بين طهران وواشنطن، في وقت لا تتردد أصوات في الداخل الإيراني في الدعوة للعودة إلى طريق الحوار، وأن تذهب بإرادتها وقرارها المستقل بعيداً عن الوسطاء للحوار مع الدولة الاولى التي تمتلك مفاتيح العقوبات، وبالتالي تعمل من أجل الحفاظ على موقعها ودورها بالتفاهم مع واشنطن. ولعلّ كلام نائب رئيس البرلمان السابق علي مطهري بأن “أميركا لم تسع يوماً إلى القضاء على إيران، وعلى إيران أن تبدي تعاوناً مع هذه الدولة خطوة بخطوة”، قد يشكل صورة عن هذه المواقف التي تجد في هذه الخطوة مسوغاً منطقياً وعقلانياً يساعد طهران على الخروج من أزماتها وأن تعود للعب دورها الطبيعي في المنطقة والعالم.

حسن فحص

اندبندت عربي