أعترف أنه لا معلومات لدي عمّا سيفعله الرئيس بايدن بشأن سورية، وأن الجهل بنواياه وخططه يشمل اليوم معظم من يدّعون المعرفة به وبما سيفعله، من الذين يتحدّثون وكأنهم أعضاء في إدارته، يشاركون في اجتماعاتها ويعرفون أسرارها، مع أنهم ليسوا غالبا من أصدقائنا الأميركيين/ السوريين، الأقدر على تخمين وتوقع ما قد يفعله، أو يدور في خلد مساعديه. لكنني أعرف أن بايدن ليس في عجلة من أمره، لثقته بنفوذ واشنطن وحضورها في سورية وحولها، وبأن جيش بلاده يستطيع تنفيذ ما يصدر إليه من أوامر، انطلاقا من قواعده السورية، وتلك المتناثرة بكثافة في العالم، والتي يمنحه دورها ما يريد من وقت للتفكير بما عليه اتخاذه من خطوات، ولا سيما أن مصالحه السورية مضمونة تماما، وليس هناك من يمكنه تحدّيها أو تقليصها، فهي حصة نهائية، فلماذا يتعجّل ويجعل للمسألة السورية أولوية على القضايا الأخرى التي لا يسعه تجميدها كالقضية السورية، بما أنها تستدعي تدخلا عاجلا منه.
تُمسك واشنطن بأوراق الحل السوري الذي أعتقد أنها قرّرت تجميده إلى زمان يعرفه دهاقنتها المتحكّمون، بهذه الدرجة أو تلك، بمواقف من ترابط جيوشهم في بلادنا، وخصوصا منهم إيران، الجهة التي يكيل لها محتل الأرض السورية الآخر، إسرائيل، ضرباتٍ متتابعةً قد يكون بين أهدافها منع إيران من ممارسة دور متفوق على دور روسيا السوري، والإعداد للضربة الأكبر، في حال قرّرت واشنطن إخراجها من مستعمرتها الأسدية بالقوة، بموافقة موسكو، الحائرة بسبب قلة خبرتها في المجال الدولي، وفشل استئثارها بسورية، والذي تحدّى قدراتها، فأخفقت في بلوغ الهدف الذي حدّده الرئيس بوتين لغزوها، ويتلخص في الانفراد بموقعها الاستراتيجي، وتحويله إلى منطقة عبور تستعيد، انطلاقا منها، ما كان للسوفييت من حضور ونفوذ في الوطن العربي، وها هي تجد نفسها عالقةً بين خطوط واشنطن وطهران وإسطنبول وتل أبيب والأسد الحمراء، وعازفة، أو عاجزة، عن تصحيح غلطةٍ خطيرةٍ جسّدها دفاعها عن عصابة أسدية حاكمة، يرفضها شعبها، وشنّها حربا ظالمة عليه، مع أنه لم يكن يوما عدوا لها، أو يستخف بعلاقاته معها، كما فعل النظام الأسدي في مناسبات عديدة، منها غزوه لبنان بطلب من واشنطن وتل أبيب، والقتال إلى جانب الجيش الأميركي الذي دمر العراق وأسقط نظامه، وتقاسمه مع إيران!
جمدت واشنطن الوضع السوري، واستخفت بـ”انتصار” موسكو التي رفضت القرارات الدولية بشأن الحل السياسي في سورية، لاعتقادها أن فوزها بالغنيمة السورية يتطلّب رفضه تطبيقها، وها هي تجد نفسها عاجزةً عن إكمال الحسم العسكري، وأعجز من عاجزة عن الانفراد بحل سياسي، كثيرا ما حلم الرئيس بوتين به، بينما يُمسك صاحب البيت الأبيض أوراق الحل، وينظر بارتياح إلى الغارق في ما سماه جيمس جيفري، ممثل مكتب الأمن القومي الأميركي السابق في سورية، “المستنقع السوري”، ويتابع بارتياح فشل غريمه الروسي في القضاء على السلاح الذي يقاتل غاصب السلطة في دمشق، كما كان قد وعد مرارا وتكرارا، وتقليص حضور إيران في سورية، بينما خرج صفر اليدين سياسيا من تفاهمه العسكري مع واشنطن، وأخفق، أخيرا، في تدبير رؤوس أموال تمكّنه من إعادة إعمار سورية وابتلاعها وثرواتها، أو إيقاف عميله بشار ولو على ركبتيه، ومنعه من اللعب بورقة طهران، ضده. ليس بايدن مستعجلا على إخراج بوتين من المستنقع، أو على حل مشكلاته مع تركيا وإيران. ولذلك، ليس مستعجلا على حل.
هل هذا ما يفكر ساكن البيت الأبيض الجديد به؟ أعتقد أن هذا ما يجب أن يستنتجه كل من يتأمل كيف تحاصص الغزاة سورية، قبل الحل، وكيف أجلوه بدورهم، لأنه يرجّح أن يكون موضوع نزاع بينهم. ترى، لماذا يجعل بايدن الحل من أولوياته، في ظروف مريحة له كهذه؟
ميشيل كيلو
العربي الجديد