بعد هجوم أربيل.. هل يواجه “الناتو” حلفاء إيران في العراق؟

بعد هجوم أربيل.. هل يواجه “الناتو” حلفاء إيران في العراق؟

حمّلت قيادات كردية فصائل من “الحشد الشعبي” الشيعي مسؤولية هجوم 15 فبراير/ شباط الجاري على أربيل، عاصمة إقليم كردستان شمالي العراق، بصواريخ انطلقت نحو قاعدة أمريكية ضمن مطار أربيل الدولي من خارج الحدود الإدارية للإقليم.

وهو ما رفضته الحكومة الاتحادية في بغداد، وتحدثت عن أن الهجوم كان من داخل الإقليم، ودعت حكومة أربيل إلى معالجة هذا “الخرق الأمني”.

من السابق لأوانه استباق نتائج التحقيقات التي تجريها الحكومة الاتحادية، بالتنسيق مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي وحكومة الإقليم، لتحديد منطقة إطلاق الصواريخ ومسؤولية الجهة التي تسيطر عليها أمنيا، سواء أكانت حكومة الإقليم أو الاتحادية.

كما يشارك خبراء أمريكيون في التحقيقات مع حكومتي بغداد وأربيل.

وتحدثت وسائل إعلام عن العثور على منصتي إطلاق صواريخ، الأولى بعيدة عن مطار أربيل من منطقة “الكوير” التابعة لمحافظة نينوى (شمال)، ضمن منطقة سيطرة القوات الأمنية التابعة للحكومة الاتحادية وفصائل مسلحة تابعة لهيئة “الحشد الشعبي”.

أما المنصة الأخرى فقريبة من المطار، ضمن مناطق سيطرة قوات حرس الإقليم، التابعة لحكومة أربيل.

وفي روايتين متناقضتين عكستا حالة غياب التنسيق العسكري والأمني بين حكومتي بغداد وأربيل، قال المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة الاتحادية إن الصواريخ أُطلقت من داخل الحدود الإدارية لإقليم كردستان، وعلى المنظومة الأمنية في الإقليم مراجعة “الخرق الأمني”.

بينما تحدثت سلطات الإقليم عن أن الصواريخ أُطلقت من منطقة “الكوير” في نينوى المجاورة للإقليم.

وتسعى حكومة الإقليم إلى استثمار هجوم أربيل بإعادة تفعيل المادة 140 من الدستور العراقي، المتعلقة بما يُعرف بالمناطق “المُتنازع عليها”.

وهي مناطق مُختلف على عائديتها بين حكومتي بغداد وأربيل، وظلت لسنوات تحت سيطرة حرس الإقليم وقوات “البيشمركة” الكردية، قبل أن تعيد القوات الأمنية الاتحادية و”الحشد الشعبي” السيطرة عليها في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، بقرار من رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي، بعد نحو شهر ونصف من إجراء حكومة أربيل استفتاء شعبيا على انفصال الإقليم عن العراق.

وتشهد المناطق المتنازع عليها فراغا أمنيا تستغله بعض المجموعات الشيعية المسلحة لشن هجمات على الإقليم.

كما أن المنطقة أصبحت ملاذا آمنا لمجموعات مسلحة تابعة لتنظيم الدولة الاسلامية “داعش” تنطلق منها لتنفيذ هجمات تستهدف القوات الأمنية والحشدين الشعبي والعشائري.

لذلك، من المحتمل أن يعزز هجوم أربيل التنسيق بين حكومتي أربيل وبغداد على المستويين الأمني والعسكري.

وهذا هو الهجوم الصاروخي الثالث من نوعه بعد هجوم 30 سبتمبر/ أيلول 2020، وهجوم نفذته إيران بصواريخ بالستية على مطار أربيل، بعد أيام من اغتيال قائد “فيلق القدس” الإيراني قاسم سليماني، بضربة جوية أمريكية قرب مطار بغداد الدولي في 3 يناير/ كانون الثاني 2020.

ولم تعلن الجهات العراقية المسؤولة نتائج التحقيقات والجهة المسؤولة عن تنفيذ الهجوم بستة صواريخ “كاتيوشا” على القاعدة الأمريكية ضمن مطار أربيل، حيث يتواجد جنود أجانب، بينهم أمريكيون، نهاية سبتمبر الماضي.

وأُطلقت الصواريخ من نينوى، ضمن حدود مناطق سيطرة “اللواء 30” للحشد الشعبي، حشد الشبك، حسب بيان لوزارة داخلية الإقليم.

واكتفت الجهات المسؤولة بتوقيف آمر “اللواء 30” للحشد الشعبي وعزله من منصبه، من دون الإعلان عن نتائج التحقيقات.

وأسفر الهجوم الصاروخي، منتصف فبراير الجاري، عن مقتل متعاقد أجنبي يعمل مع قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة “داعش” بقيادة الولايات المتحدة، وإصابة ثمانية آخرين، بينهم أربعة أمريكيين، وجرح نحو عشرة مدنيين من سكان أحياء أربيل القريبة من قاعدة “حرير”، توفي أحدهم متأثرا بإصابته.

وكانت سياسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب (2017 – 2021)، تقوم على اتخاذ قرارات سريعة بالرد على مواقع الفصائل المسلحة، بعد أي هجوم يسفر عن مقتل أمريكيين.

لكن إدارة الرئيس الحالي جو بايدن تعاملت مع الهجوم الأخير بسياسة مغايرة، حيث ركزت على محاسبة المسؤولين عن الهجوم بعد توفر الأدلة القطعية من لجان التحقيق.

ووضعت وزارة الدفاع الأمريكية أمام بايدن خيارات عديدة للرد، لكنها لم تفصح عن طبيعة الرد على الهجوم الذي تسبب بأضرار مادية بالغة في القاعدة الأمريكية من دون أن يسفر عن مقتل أي أمريكي.

وأعلنت “سرايا أولياء الدم” أنها نفذت الهجوم بأربعة وعشرين صاروخا من مسافة قريبة تصل إلى سبعة كيلومترات عن القاعدة الأمريكية.

بينما أعلن التحالف الدولي أن هجوم أربيل نُفذ بـ14 صاروخا، وتسبب بمقتل مدني وإصابة تسعة آخرين.

وتتبنى فصائل مسلحة من هيئة “الحشد الشعبي”، حليفة لإيران، مثل كتائب “حزب الله” العراقية و”عصائب أهل الحق” و”حركة النجباء” و”سرايا الخراساني” وغيرها، الخيار العسكري لإخراج القوات الأمريكية والأجنبية عامة من العراق، بعد مقتل كل من سليماني ونائب رئيس هيئة “الحشد الشعبي، في الغارة الجوية الأمريكية.

وبأغلبيته الشيعية ومقاطعة من ممثلي الكتل السياسية الكردية والسنية، مرر مجلس النواب العراقي في 5 يناير 2020، مشروع قرار يوصي الحكومة بأن تطلب من الولايات المتحدة وبقية دول التحالف الدولي إخراج جميع قواتها من العراق، وذلك ردا على اغتيال سليماني والمهندس.

وتحجم الحكومة العراقية عن الإعلان رسميا عن أسماء الفصائل أو المجموعات المسلحة التي تستهدف البعثات الدبلوماسية وأرتال الدعم اللوجستي وقواعد عراقية تستضيف جنودا أمريكيين، مكتفية بتسميتها بالمجموعات “الخارجة على القانون”.

ويُعتقد على نطاق واسع أن “سرايا أولياء الدم” هي مجموعة شيعية مسلحة تعمل كواجهة لأحد فصائل “الحشد الشعبي”، المقربة من إيران، مثل “كتائب حزب الله” و”عصائب أهل الحق” و”حركة النجباء”، وهي فصائل لها نفوذ واسع وسيطرة أمنية وانتشار عسكري في مناطق سهل نينوى والمدن التابعة للمحافظة المجاورة للإقليم.

يُعتقد على نطاق واسع أن “سرايا أولياء الدم” هي مجموعة شيعية مسلحة تعمل كواجهة لأحد فصائل “الحشد الشعبي” المقربة من إيران

وتبنت هذه السرايا عمليات مسلحة استهدفت أرتال الدعم اللوجستي أو قوات أمريكية على الطرق الرئيسية أثناء انسحابها من قواعدها إلى قواعد أخرى قررت واشنطن التمركز فيها بشكل رئيسي، مثل قاعدتي “عين الأسد” في الأنبار (غرب) وقاعدة “حرير” في أربيل (شمال).

وهذه المجموعات صغيرة نسبيا، فقد لا يصل عدد منتسبيها إلى 100 شخص، وهي تعتمد على قيادة جماعية من عدة أشخاص، وتضم في صفوفها نخبة منتقاة من مقاتلي الفصائل المسلحة المعروفة وخبراء ورجال دين وأمنيين وفنيين وغيرهم، وفق متابعين.

وهناك ما لا يقل عن عشر مجموعات مسلحة بأسماء جديدة تتبنى عمليات استهداف المصالح والبعثات الأجنبية بالعراق.

ويُعتقد أن “سرايا أولياء الدم” نفذت الهجوم الصاروخي على القاعدة الأمريكية في كركوك لممارسة مزيد من الضغط على إدارة بايدن فيما يتعلق بمفاوضات مرتقبة بين إيران ومجموعة العمل المشتركة، دول “الخمسة زائد واحد”.

وتضم هذه المجموعة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا والصين)، بالإضافة إلى ألمانيا.

ونفت إيران على لسان المتحدث باسم خارجيتها أي دور مباشر أو غير مباشر لها في الهجوم على أربيل والقاعدة الأمريكية.

وتلتزم الولايات المتحدة بهزيمة “داعش” وتحقيق الاستقرار الإقليمي، بالتنسيق مع التحالف الدولي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي زاد عدد أفراده في العراق من 500 جندي إلى 4000، لأغراض تتعلق بتدريب وتأهيل القوات الأمنية العراقية، لمنع ظهور تنظيم الدولة “داعش” على نطاق واسع مع احتمالات توسيع جغرافية نشاطات الحلف خارج معسكراته في العراق.

ولا يُستبعد أن تمتد مهام قوات “الناتو” من منع ظهور “داعش” ثانية إلى تقويض نفوذ المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران، ضمن جهد مشترك لدول الحلف يجنّب الولايات المتحدة أعباء المواجهة منفردة وتلقي ردود فعل تلك المجموعات باستهداف جنودها ومصالحها ومرافقها الدبلوماسية.

رائد الحامد

(الأناضول)