في مقال بصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، يروي الكاتب رينو جيرار مراحل تطور الأزمة العسكرية والسياسية في ليبيا منذ اندلاع الانتفاضة ضد نظام معمر القذافي عام 2011، وكيف أصبحت أوروبا خارج المعادلة السياسية والعسكرية في ليبيا بعد عشر سنوات من رحيل هذا النظام.
كتب رينو جيرار أنه قبل عشر سنوات، بدأ التمرد في بنغازي ضد القذافي الذي حكم ليبيا بقبضة من حديد منذ الانقلاب العسكري عام 1969 ضد النظام الملكي. وسرعان ما قرر الرئيس الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي دفع عربة “الربيع العربي” للدفاع عن الثوار سياسياً ثم عسكرياً، وانضم إليه رئيس الوزراء البريطاني كاميرون والرئيس الأمريكي أوباما تحت ستار الناتو. لكنه واجه شكوك ألمانيا وإيطاليا.
فالقذافي -يضيف الكاتب- بالتأكيد كان دكتاتورا قاسيا لا يرحم خصومه، لكنه قدم، في نظر العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين، ثلاث مزايا مهمة: أولاً، في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تخلى عن ميوله الثورية ليقترب اقتصاديًا واستراتيجيًا من الغرب. ثانيًا، كان عنيدًا مع الإسلاميين ولم يكن سيسمح أبدًا لجزء من الأراضي الليبية بأن تكون ملاذًا للجهاديين. وأخيراً، كان يتعاون مع الاتحاد الأوروبي في حربه ضد المتاجرين بالبشر.
الملاذ المثالي لتجار البشر
سقطت طرابلس في أيدي المتمردين في أغسطس 2011 وقتل القذافي في أكتوبر من العام نفسه بعد قصف القوات الجوية الفرنسية قافلته أثناء الفرار من سرت جنوبًا. نجح المجلس الوطني الانتقالي، الذي استقبل ساركوزي قادته في 9 مارس 2011، في تنظيم انتخابات حرة في يوليو 2012. وتم انتخاب المؤتمر الوطني العام. لكن الجماعات المسلحة التي أطاحت بالقذافي سيطرت في يوليو 2013 على المنشآت النفطية، لتسود الفوضى البلاد.
وبعد ذلك بنحو خمسة أشهر، في ديسمبر 2013، قرر المؤتمر العام الوطني تطبيق قانون الشريعة في البلاد وتمديد ولايته من جانب واحد. وفي فبراير عام 2014، دعا خليفة حفتر، وهو جنرال سابق للقذافي، إلى تشكيل حكومة مؤقتة لتنظيم انتخابات جديدة. ليسارع المؤتمر العام الوطني إلى إدانة “محاولة الانقلاب”. في مارس 2014، فر رئيس الوزراء علي زيدان من ليبيا على متن طائرة خاصة.
وفي مايو/ أيار 2014، شن اللواء حفتر هجوماً في بنغازي، بينما سيطرت كتائب مصراته في طرابلس على العاصمة.
تشكلت كتلتان: واحدة في طرابلس ذات تيار الإخوان المسلمين، والأخرى في برقة تحت قيادة الجنرال حفتر، مع نزعة قومية كلاسيكية. الأول يدعمه الأتراك والقطريون، والثاني يدعمه الإماراتيون والمصريون والروس. لتنغمس البلاد في حرب أهلية، لتصبح ملاذًا مثاليًا لتجار البشر والمسلحين.
نقطة انطلاقة الهجرة الإفريقية نحو إفريقيا
في ديسمبر 2014، دعا رئيس تشاد المجاورة الناتو إلى التدخل مرة أخرى في ليبيا، لإصلاح الفوضى التي أحدثها. لكن من دون جدوى. لتصبح البلاد نقطة انطلاق كبيرة للهجرة الأفريقية غير القانونية/ النظامية إلى أوروبا.
ومقابل مزايا نفطية -يتابع رينو جيرار- وافقت تركيا على تقديم مساعدات عسكرية لمعسكر طرابلس مطلع عام 2020. وبفضلها، تم صد قوات حفتر المحيطة بالعاصمة في يونيو عام 2020. قام الأتراك بتهريب أكثر من عشرة آلاف جهادي سوري إلى ليبيا -بحسب الكاتب- ليرد الروس بإرسال قاذفاتهم ومرتزقتهم لدعم حفتر.
في أكتوبر من العام نفسه 2020، تم توقيع وقف إطلاق النار في جنيف بين الأطراف الليبية. في أوائل فبراير 2021، تم تعيين حكومة انتقالية برئاسة رجل الأعمال الثري عبد الحميد الدبيبة، الذي لعب بالفعل دورًا مهمًا في عهد القذافي. وهو مسؤول عن تنظيم الانتخابات، التي من المفترض أن يتم إجراؤها في 24 ديسمبر 2021.
وأنهى رينو جيرار مقال رأبه هذا بصحيفة “لوفيغارو” بالقول إن فرص أن توفر هذه الانتخابات المرتقبة (الـ24 ديسمبر 2021) الاستقرار وسيادة القانون التي تحتاجها ليبيا تبقى ضئيلة للغاية. فيما تعد قوية للغاية، الفرص التي تحافظ بها تركيا وروسيا -اللتان قد أبرمتا صفقة سرا- على قواعدهما العسكرية في ليبيا، من أجل زيادة سيطرتهما على شرق البحر الأبيض المتوسط.
وفي هذا الإطار، تريد مصر صدور قرار من مجلس الأمن الدولي يطالب برحيل جميع القوات الأجنبية من ليبيا. فهل سيتمكن الفرنسيون من الحصول على هذه المسألة؟ ستكون الخطوة الأولى في إعادة البناء السياسي لبلد ساعدوا (الفرنسيون) إلى حد ما، للأسف، في تدميره، بحسب الكاتب.
القدس العربي