بايدن يخلط الأوراق في الشرق الأوسط

بايدن يخلط الأوراق في الشرق الأوسط

تحت عنوان “كيف يخلط جو بايدن الأوراق في الشرق الأوسط؟” قالت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية إنه بين إعادة تقويم العلاقات الأمريكية- السعودية والرغبة في إعادة التواصل مع إيران، وتأخر الاتصال برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، طبع الرئيس جو بايدن بصماته على السياسة التي تنوي الولايات المتحدة اتباعها في منطقة الشرق الأوسط، بعد شهر على دخوله البيت الأبيض.

لكن علاوة على التصريحات والبيانات، هل نشهد فعلاً منعطفاً في الخارجية الأمريكية مقارنة بما كان عليه الحال خلال عهد دونالد ترامب، الذي تميز بسياسة “الضغط القصوى” على إيران، وإنقاذ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان و”قصة حب” مع الدولة العبرية؟ يتساءل كاتب المقال جورج مالبرينو (الصحافي بــ”لوفيغارو”).

بن سلمان “المتهور”
واعتبرت “لوفيغارو” أن العنصر الأكثر ابتكارًا في الموقف الرئاسي الأمريكي هو الرغبة في “إعادة ضبط” العلاقة مع المملكة العربية السعودية، الشريك العربي الأول للولايات المتحدة، والتي ترتبط بها تاريخيًا. من أجل ذلك، سيتحاور جو بايدن مع الملك سلمان بن عبد العزيز، وليس مع ولي العهد محمد بن سلمان، حسبما أكّدت الرئاسة الأمريكية. فقد ولّت الأيام التي كان لولي العهد السعودي الشاب “المتهور” خلالها اتصال مباشر بالبيت الأبيض، كما كان الحال مع جاريد كوشنير، صهر ترامب، وصديق محمد بن سلمان، يقول جورج مالبرينو.

ولتسجيل اختلافه مع سلفه، أعلن جو بايدن أيضًا انتهاء الدعم الأمريكي للحملة العسكرية السعودية في اليمن، قائلاً إنها خلقت “كارثة إنسانية واستراتيجية”. وأزالت واشنطن المتمردين الحوثيين اليمنيين، حلفاء إيران، من قائمتها للمنظمات الإرهابية، التي وضعتهم إدارة ترامب عليها.

ونقلت “لوفيغارو” عن رجل أعمال فرنسي، وصفته بـ”العارف بالشأن السعودي”، قوله إن “محمد بن سلمان يخضع للمراقبة من قبل بايدن.. (…) البروتوكول يسمح لبايدن بتجنب التحدث إليه أثناء حديثه مع الملك سلمان”. لكن المحلل السياسي المقيم في واشنطن علي الشهابي قال لـ”لوفيعارو” إن “جو بايدن يعرف جيدًا أن محمد بن سلمان هو الرئيس الحقيقي لمجلس إدارة المملكة العربية السعودية، وأن والده المسن لم يعد يدير البلاد بشكل يومي وأنه في النهاية سيكون عليه التحدث مع بن سلمان”.

لا مفر من السعودية
وأوضحت “لوفيغارو” أنه علاوة على العواصف، فإن هناك حقيقة علاقة قديمة ومتينة بين واشنطن والرياض. واليوم، يمتلك محمد بن سلمان جميع الصلاحيات تقريبًا. وفي الوقت الذي تتأثر فيه الاقتصادات الغربية بشكل خطير بجائحة كورونا، “تبدو المملكة العربية السعودية قوة مالية وطاقية لا مفر منها”، كما يشير فرانسوا عيسى توازي. هذا الخبير في منطقة الخليج، تضيف “لوفيغارو”، يذكّر بأهمية الاستثمارات السعودية في الاقتصاد الأمريكي، سواء من صندوق ثروتها السيادي، أو شراء سندات الخزانة، ناهيك عن الصادرات العسكرية الأمريكية المهمة للغاية إلى الرياض.

بالإضافة إلى ذلك، يشير فرانسوا عيسى توازي إلى أن محمد بن سلمان كان قادرًا على توسيع الشبكات السعودية في الولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا العالية والتمويل، من خلال إقامة علاقات وثيقة مع معظم الرؤساء الكبار في قطاعات المستقبل هذه. فعلى الرغم من الفتور على مستوى هرم الدولتين، فقد أعلنت عشرين مجموعة أمريكية كبرى بالفعل نقل مقراتها الإقليمية إلى الرياض، في أعقاب النداء الذي أطلقته السعودية مؤخرًا.

باختصار، ستبقى “مملكة الحرمين الشريفين” زبونًا وحليفًا للولايات المتحدة، خاصة أن “محمد بن سلمان قد بدأ في الإنجاز”، كما يلاحظ رجل الأعمال الفرنسي المذكور أعلاه. حيث أنهى ولي العهد السعودي الخلاف مع الجارة قطر، وقام بالإفراج عن معارضين من الأقلية الشيعية وكذلك الضحية الرمزية لحملة القمع ضد النساء، لجين الهذلول. وبدأت المملكة العربية السعودية أخيرًا في إصلاح نظامها القضائي ومحتوى الكتب المدرسية.

الشكوك مع إيران
ومضت “لوفيغارو” إلى القول إنه من غير المرجح أن تستخدم الولايات المتحدة ثقلها الدبلوماسي الكامل لتسريع التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل أو لتخفيف الضغط على بعض الأمراء الأصدقاء مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، مثل الوريث السابق للعرش محمد بن نايف. من جهة أخرى، من المحتمل أن يتم استخدام الرافعة/ القوة الدافعة الأمريكية لإجبار محمد بن سلمان على بذل المزيد من الجهود في مجال حقوق الإنسان، وكذلك بشأن الملف اليمني. ويبدو أن الضباط الأمريكيين قد انسحبوا بالفعل من “غرفة الحرب” التي أقيمت في الرياض. لكن قبل الخروج أخيرًا من هذا المستنقع، من أجل إبقاء المتمردين الحوثيين بعيداً، ستطالب الرياض بمنطقة عازلة على حدودها الجنوبية مع اليمن.

وبخصوص إيران، اعتبرت “لوفيغارو” أن المملكة العربية السعودية ليس لديها الوسائل لمعارضة التقارب بين حليفها الأمريكي وعدوها الإيراني. وهنا أوضح رجل الأعمال الفرنسي، المذكور أعلاه، أن “ما يريده السعوديون هو تقييد برنامج إيران النووي، وقبل كل شيء، الحد من الصواريخ الإيرانية. فما يزال السعوديون مصدومين بسبب الضربات على منشآتهم النفطية في عام 2019”.

وفي الوقت الذي يبدو أن إعادة إطلاق عملية السلام الإسرائيلية -الفلسطينية ليست أولوية بالنسبة لجو بايدن، الذي لا يبدو أيضا أنه سيتدخل/ينخرط بشكل كبير في سوريا، فإن العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني تتربع على قمة جدول أعمال الرئيس الأمريكي. وقد يؤدي بعض الانفراج مع طهران إلى تهدئة الوضع في العراق، وحتى في لبنان، تقول “لوفيغارو”، بقلم الصحافي بها جورج مالبرينو.

العراق متغير في معادلة التسوية بين واشنطن وطهران
لكن تبيّن أن استئناف الاتصالات مع طهران معقد، كما توضح الصحيفة الفرنسية، التي تنقل في هذا الصدد عن دبلوماسي أوروبي في طهران قوله: “الإيرانيون كانوا متفائلين جدًا بعد انتخاب بايدن، لقد رأوا النور في نهاية النفق، وكان لديهم أمل في أن يذكر الرئيس الأمريكي إيران في خطابه عن السياسة الخارجية، لكنه لم يفعل ذلك. بالتأكيد، يريد بايدن العودة إلى الصفقة النووية، لكنه بحاجة إلى المرونة من الجانب الإيراني. ولدي بعض الشكوك، لأن إيران تريد إعادة فتح الاتفاق، لكنها في الوقت نفسه تطالب بضمانات بأن الولايات المتحدة ستلتزم به”.

وأخيراً، في العراق، حيث تقلص عدد الجنود الأمريكيين هناك المنخرطين في الحرب ضد “تنظيم الدولة” إلى 2500، فقالت “لوفيغارو” إن واشنطن ستقاوم ضغوط الميليشيات الموالية لإيران، التي تريد طرد القوات الأمريكية من العراق. وتنقل “لوفيغارو” عن مسؤول عراقي في بغداد، قوله: “نحن راضون لتولي الجنرال بريت ماكغورك (الرئيس السابق للحرب ضد داعش في بلاد الشام)، الذي نعرفه جيدًا، للملف. من الجيد أن الولايات المتحدة بقيادة بايدن قد وضعت العراق مع سوريا، وليس مع إيران، في خطتها العملياتية”. لكن هذا المسؤول العراقي يعترف قائلا: “العراق ليس سوى متغير في معادلة التسوية بين واشنطن وطهران. هنا (في العراق)، كما في أي مكان آخر في الشرق الأوسط، سيعتمد الوضع على كيفية تطور المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران خلال الأشهر المقبلة”.

القدس العربي