أبوظبي– يشكل احتضان دولة الإمارات، ذات المنظور الواضح بشأن اقتران التنمية بالاستقرار والسلام، لأحد أكبر معارض صناعة الدفاع في العالم ليس فقط مناسبة للاستعراض وعقد الصفقات الاقتصادية، بل يحمل رسائل عديدة منها سعيها لاكتساب الخبرات في هذا المجال بعد ترسيخ قاعدة تعاون قوية مع الحلفاء الاستراتيجيين.
ويرى محللون أن مساعي الإمارات بشأن المشاركة في بناء أحدث النظم والتقنيات الدفاعية المتعلقة بطائرة أف-35، وهي أحدث الطائرات المقاتلة الأميركية، في حال حصلت عليها من الولايات المتحدة، سيكون خطوة أخرى تثبت أن الحكومة عاقدة العزم على الذهاب بعيدا في العلاقة مع واشنطن مهما اختلفت سياسات الإدارات المتعاقبة.
ورغم موافقة إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في الأيام الأخيرة لولايتها على إتمام صفقة بيع 50 طائرة للإمارات من هذا الطراز و18 طائرة مسيرة مسلحة وغير ذلك من العتاد العسكري، إلا أن إدارة الرئيس جو بايدن تعهدت بإعادة النظر في هذه الصفقة.
وتنتمي طائرات أف-35 إلى مقاتلات الجيل الخامس الأميركية، وهي بالغة التطور والتسليح وقادرة على المناورة والهجوم في كافة الظروف والأجواء، إضافة لامتلاكها خاصية التخفي والإفلات من الرادارات.
وحصلت الإمارات، وهي من أقرب حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، على وعد بفرصة لشراء المقاتلة عندما أقامت علاقات رسمية مع إسرائيل العام الماضي، ولا يعرف ما إذا كان إدارة بايدن ستتوصل في مراجعاتها إلى إبقاء الصفقة كما هي، على الرغم من أن إسرائيل ترفض بيع هذه المقاتلات إلى دول خليجية وشرق أوسطية من بينها قطر ومصر والأردن.
ومنذ ستينات القرن الماضي، تضمن الولايات المتّحدة الحفاظ على “التفوّق العسكري النوعي” لإسرائيل في الشرق الأوسط، وتمّ تعزيز هذه السياسة قبل عامين بقانون ينصّ على أن تضمن الإدارة الأميركية عند بيعها أي سلاح لدولة أخرى في المنطقة احتفاظ إسرائيل بالقدرة على الدفاع عن نفسها إذا وقع هذا السلاح في الأيدي الخطأ.
ودخلت الصناعات العسكرية الإماراتية مرحلة تصنيع دفاعي وأمني نوعية قادرة على المنافسة عالميا لما تتمتع به من كفاءة عالية في التصنيع، وهي تعمل على تعزيز خطواتها. ويبدو أن مساعي الإمارات لإشراكها في سلسلة الإمدادات بمقاتلات أف-35 بقدر ما له أبعاد اقتصادية وعسكرية بقدر ما له بعد سياسي في علاقة مع الإدارة الأميركية الجديدة.
وتأتي تصريحات فيصل البناي الرئيس التنفيذي لمجموعة إيدج للتكنولوجيا المتقدمة المملوكة للدولة في الإمارات، الذي قال الثلاثاء إن “المجموعة تتوقع إشراكها في سلسلة الإمداد بالمقاتلة أف-35 الأميركية”، إذا مضت صفقة بيعها للدولة الخليجية قدما ليعطي دليلا على اهتمام الإمارات بهذه المقاتلة على نحو كبير.
وأوضح البناي خلال مؤتمر صحافي عقده خلال معرض آيدكس الدفاعي في أبوظبي أن “أصبحنا الآن نشارك مشاركة مكثفة في سلسلة الإمداد بأي مكون مقبول بالنسبة للعميل وبالنسبة لنا”.
كما أشار إلى أن إيدج، وهي مجموعة دفاعية حكومية بقيمة خمسة مليارات دولار، تستطيع دمج الأنظمة الفرعية والمنتجات والأسلحة وإجراء أعمال الصيانة والإصلاح والتجديد وكذلك صناعة أسلحة مثل الصواريخ التي تستخدمها الطائرة.
وأعلنت إيدج ولوكهيد مارتن المنتجة للطائرة في بيان في وقت لاحق أنهما توصلتا إلى اتفاق مبدئي “لاستكشاف فرص المشاركة في صناعة الطيران والدفاع بالإمارات”. ولم يشر البيان بالاسم للطائرة أف-35 أو أي نظام آخر.
ودخلت الإمارات، الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، في مفاوضات منذ نحو ست سنوات على شراء المقاتلات المتطورة لتعزيز قدراتها العسكرية، حيث تعمل الدولة الخليجية على تطوير إمكانياتها من الصناعات العسكرية بما يتناسب مع التحديات في المنطقة.
ولا تكتفي الإمارات بالشريك التقليدي الولايات المتحدة، ولكن تريد أيضا الاستفادة من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، حيث كشف البناي أن إيدج تجري “مناقشات متقدمة” مع بضع شركات إسرائيلية حول الاشتراك في تمويل وتطوير صواريخ ومعدات مسيرة. وقال “ستصدر إعلانات قريبا جدا”.
ولم يتضح متى ستكمل واشنطن مراجعتها، لكن حتى في حالة الموافقة، فمن غير المتوقع تسليم أول طائرة أف-35 قبل عدة سنوات. وبينما قال البناي عن المراجعة الأميركية “لكل دولة إجراءاتها الخاصة. أعتقد أنهم سيتخذون إجراءاتهم ويتوصلون إلى القرار الصحيح بالنسبة لهم”، أبدى سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة ثقته في أن الصفقة ستمضي قدما.
وتمثل الطائرات عنصرا جوهريا في صفقة بيع أسلحة بتكنولوجيا فائقة قيمتها 23 مليار دولار من شركات جنرال أتوميكس ولوكهيد مارتن ورايثيون تكنولوجيز إلى الإمارات.
وقال دبلوماسي عربي في الخليج لرويترز إن المقاتلة أف35، وهي الطائرة الحربية الأكثر تقدما في العالم، ستمنح الإمارات “قدرة هائلة على الردع” في مواجهة إيران، كما أنها تمنح سيطرة كبيرة في سماء الخليج. وهذا شيء كبير وهي خطوة تغير قواعد اللعبة بالنسبة إلى الإمارات.
وتركز إيدج، المنوط بها تزويد القوات المسلحة الإماراتية بأسلحة متطورة، على صناعة الطائرات المسيرة والمركبات غير المأهولة والأسلحة الذكية ومعدات الحرب الإلكترونية وليس على الأسلحة التقليدية. وقال البناي “نحن دولة صغيرة الحجم والسكان.. نركز بشدة على نشر تكنولوجيا أشد ذكاء يمكنها تطبيق ‘مضاعف القوة’ لجيشنا”.
العرب