لم يأبه معظم صناع القرار في الكثير من الدول بموجة كورونا، التي تفشت في العالم منذ بداية العام الماضي، حيث سلكوا طريقا معاكسا في مسألة الإنفاق الدفاعي على عكس ترجيحات الخبراء العسكريين بأن الحكومات كانت ستواجه ضغوطا شديدة في ظل تزايد جبهات الصراع مما يقوّض أي خطط لتقليص تمويل الحروب على المدى البعيد.
لندن – تعتبر الصراعات المسلحة في الكثير من مناطق العالم ولاسيما في الشرق الأوسط أحد الدوافع الرئيسية للطبيعة المتقلبة للإنفاق العسكري بالنسبة إلى الدول، ومن الواضح أنها لم تتأثر بالجائحة، التي جعلت الحكومات تدخل في نوبة من التفكير في كيفية مواجهة تداعياتها على ميزانياتها الدفاعية السنوية.
وتنتشر الأزمات في المنطقة مثل اليمن وسوريا والعراق وليبيا، وأيضا أفريقيا في القرن الأفريقي وجنوب الصحراء وفي منطقة الساحل وبحيرة تشاد، حيث توجد العديد من النزاعات المسلحة الجارية، مما زاد الإنفاق العسكري فيها بشكل كبير.
ووفق التقرير السنوي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية البريطاني، سجل الإنفاق العسكري العالمي، يدعمه خصوصا تعزيز قدرات البحرية الصينية، رقما قياسيا في العام الماضي على الرغم من وباء كوفيد – 19 والأزمة الاقتصادية الناجمة عنه.
والتقرير الحديث الذي نشر قبل أيام، يشير إلى أن هذه النفقات بلغت 1.83 تريليون دولار العام الماضي بزيادة من حيث القيمة الحقيقية بنسبة 3.9 في المئة مقارنة بالعام 2019.
ويعتقد خبراء عسكريون أن لوبيات الصناعة العسكرية قد تكون مارست ضغوطا أكبر على الحكومات لحثّها على عدم التفكير في خفض نفقات التسليح مهما كانت الظروف، خاصة وأنها أمعنت في الإنفاق عندما كانت تخوض الدول الكبرى حروبا على الإرهاب وحتى حين تعزيز مستويات الأمن داخليا، حيث قامت بصرف مليارات الدولارات عليها بتخصيص جزء من الميزانية على حساب قطاعات أخرى.
ويُعزى ما يقرب من ثلثي هذه الزيادة إلى الولايات المتحدة التي ما زالت تستحوذ على نصيب الأسد إذ تمثل نفقاتها حوالي 40.3 في المئة أي ما يقارب نحو 738 مليار دولار من الإنفاق الإجمالي، وكذلك إلى الصين، التي أنفقت حوالي 193.3 مليار دولار أي نحو 10.6 في المئة.
والدول الخمس الكبار من حيث الإنفاق، بينها روسيا والسعودية، أنفقت جميعها أكثر من 60 في المئة من حجم الإنفاق العسكري العالمي. أمّا ألمانيا التي حلّت سابعة وراء فرنسا، فسجّلت من جهتها أقوى زيادة في لائحة الدول الـ15 الأكثر إنفاقا.
وبينما تدعم الحكومات صادرات الأسلحة عبر صناعتها الوطنية، يوسّع الكثير من الموردين الرئيسيين دعم المبيعات في شكل من أشكال الترويج الحكومي وتسهيل الصادرات، أو تخفيف القيود على تصدير الأسلحة.
ورغم المخاوف بشأن صعود الصين، غير أنّ هذه الأخيرة تعتبر المحرّك الرّئيسي للإنفاق العسكري بالنّسبة إلى بعض الدول الداخلة معها في نزاعات إقليمية بحرية، ولا تزال القضايا البحرية عاملا رئيسيا للدول الأخرى التي ترتبط بعلاقات أفضل مع الصين.
وتعد الصين محرك النمو في الميزانيات العسكرية في آسيا بواقع 25 في المئة من إجمال الناتج المحلي الإجمالي السنوي حيث ظل الاتجاه العام تصاعديًا وإن كان بوتيرة أبطأ إلى حد ما عما كانت عليه في العام 2019. وكان الإنفاق العسكريّ للصين خلال ربع القرن الماضي قد جاء متوازيا مع منحنى النموّ الاقتصادي للبلاد. وتعكس الاستثمارات رغبة بكين في إرساء جيش من الطراز المتطور.
وقال خبراء المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في تقريرهم إن “عدة دول عدلت ميزانياتها العسكرية لإعادة توجيه الأموال نحو المساعدات في أوقات الأزمات أو لصرفها على تدابير دعم الاقتصاد. ومع ذلك، فإن العديد من الدول الأخرى قامت ببساطة بتقليص أو تأجيل الزيادة في الإنفاق المخطط له بدلاً من اقتطاعها”.
وإلى جانب ذلك، يؤكد خبراء المعهد نمو القدرات العسكرية الصينية لاسيما القوات البحرية التي تعمل على زيادة أسطولها بشكل كبير، مع الإشارة إلى تأكيد الصين أحقيتها بمناطق متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي.
وفي أوروبا أيضا، يسجل الإنفاق على الدفاع ارتفاعا بواقع اثنين في المئة ولاسيما للتعامل مع روسيا التي تعد تهديدًا متزايدًا منذ ضمّت شبه جزيرة القرم في العام 2014.
لكن العديد من أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) ما زالوا بعيدين عن هدف تخصيص اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الوطني لهذا الغرض في العام 2024.
وقال المعهد إن “التزام فاعلين رئيسيين”، مثل فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا، “بزيادة ميزانياتهم الدفاعية في العام 2021 وما بعده يشير إلى عزمهم على تجنب الاقتطاعات التي أعقبت الأزمة المالية في 2007-2008”.
في العام 2019، سجل الإنفاق العسكري أكبر زيادة خلال عقد مع نمو بنسبة 4 في المئة، وسط تزايد التنافس بين القوى العظمى والسباق على حيازة التقنيات الجديدة.
ولا شكّ أنّ هذا النوع من الإنفاق المتواتر زاد من سباقات التسلح، التي شهدها العالم، وبلغت أوجها زمن الحرب الباردة، مازالت متواصلة اليوم رغم الكمّ الهائل من الاتفاقيات التي أبرمت من أجل تنظيم هذا المجال.
ويقول الخبراء إن هذا التسليح بات كشرّ لا بدّ منه خاصّة بالنسبة إلى البلدان الّتي تسعى إلى حفظ أمنها الإقليمي والقومي، وعلى رأسها بلدان الشرق الأوسط، وكذلك الشركات الصانعة للأسلحة التي تريد هي الأخرى الحفاظ على مصالحها وأسواقها الحيوية.
العرب