ثمة تحالف غير معلن يتشكل تدريجياً في قطاع غزة، بين حركة حماس التي تحكم القطاع، وتيار القيادي المنشق والمفصول من حركة فتح محمد دحلان، وقد تجلى ذلك بعودة عدد من عناصر ورموز هذا التيار إلى القطاع، بمن فيهم بعضُ من صدرت بحقهم أحكام قضائية على خلفية انتهاكات سابقة.
بعض العائدين إلى القطاع كانت قد صدرت بحقهم أحكام بالإعدام، وبعضهم كان مطلوباً لأجهزة أمن حماس، والمفاجأة أنهم دخلوا القطاع من بوابة الــ(VIP) وليس فقط، من دون أي مساءلة أو مراجعة، ما يعني أن ملفاتهم تم إغلاقها وطي صفحتها، أو على الأقل تم تجاوزها لأسباب سياسية وفصائلية، فيما تُبرر حماس ذلك برغبتها الانفتاح على الجميع وتحقيق المصالحة ومحاولة إنهاء الانقسام الداخلي، وتقول إن القطاع أصبح مفتوحاً لكل فلسطيني على اختلاف انتمائه وتوجهاته.
واقع الحال، أن الانقسام الفلسطيني حاصل بين حركتي حماس، التي تحكم قطاع غزة، وفتح التي تحكم الضفة الغربية، وبالتالي فإن أي مصالحة ناجحة، تستوجب وجود هذين الطرفين بالضرورة، هذا طبعاً مع عدم التقليل من أهمية الفصائل والقوى الأخرى، وضرورة حضورها ومشاركتها في أي مصالحة لتشمل المكونات السياسية كافة، وفي المقابل فإن التقارب بين أي من المتخاصمين (فتح أو حماس) مع طرف ثالث، لا يعني بالضرورة الاقتراب من المصالحة، وإنهاء الانقسام السياسي. ما حدث في قطاع غزة في السنوات الأخيرة هو أن الباب فُتح على مصراعيه لتيار دحلان في حركة فتح، وهذا التيار يُمثل انشقاقاً داخل حركة فتح، التي تحكم الضفة الغربية وتهيمن على السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها، أي أنه ليس فصيلاً سياسياً أو حزباً مستقلاً، ظهر على قاعدة الاختلاف السياسي الطبيعي في الرؤى والبرامج، كما أن الأهم من ذلك أنه ممول ومحسوب على دول في المنطقة، تتناقض بشكل مباشر مع حركة حماس، وتدعم المشاريع المضادة لحماس والحركة الإسلامية، وهو ما يفتح باب الكثير من الأسئلة عن سر التقارب بين الطرفين، اللذين يتناقضان منطقياً وسياسياً وأيديولوجيا؟
مشاركة تيار دحلان في الانتخابات المقبلة سيعني بالضرورة أن حركة فتح ذاهبة إلى مزيد من التفتيت والانقسام
ورغم ذلك فالتقارب بين حماس ودحلان، أو التحالف التدريجي غير المعلن بينهما، لا يثير الأسئلة في ذاته فقط، وإنما في توقيته أيضاً، فقد تصاعدت وتيرته بعد صدور المرسوم الرئاسي بإجراء الانتخابات الفلسطينية، وإعلان كل من حماس ودحلان ترحيبهما بإجراء الانتخابات، كما أنه يأتي متزامناً مع جهود المصالحة الحقيقية بين فتح وحماس، وبلغ ذروته مؤخراً بعودة عدد من رموز هذا التيار المنشق وقادته إلى القطاع بعد أكثر من 15 عاماً على الغياب. ما يحدث هو أن تيار دحلان بدأ يتسلل تدريجياً إلى المشهد السياسي الفلسطيني، ويستحوذ على مكان له، ويريد هذا التيار أن يحل بديلاً عن الرئيس عباس (فتح الأم) وبديلا عن حماس التي تحكم غزة، ويرى هذا التيار أن الانتخابات العامة المقبلة، خاصة التشريعية في مايو المقبل قد تكون فرصته التي لن تتكرر في العودة إلى المشهد السياسي، والحصول على الشرعية اللازمة وطرح نفسه بديلاً. تأتي هذه التحركات المحمومة لتيار دحلان بعد أن كان موقع «ميدل إيست آي» البريطاني الذي يرأس تحريره الصحافي المعروف ديفيد هيرست قد نشر في عام 2016 تقريراً يقول إن «ثمة خطة لدى ثلاث دول عربية وبموافقة إسرائيلية من أجل تنصيب دحلان بديلاً لعباس على رأس السلطة الفلسطينية» والمفارقة أن هذه الدول العربية الثلاث هي التي ضغطت وتضغط من أجل إجراء الانتخابات حالياً. كما أن السفير الأمريكي في تل أبيب ديفيد فريدمان قال أواخر عام 2020 أن «واشنطن تدرس استبدال عباس بدحلان». الغريب في كل هذه المقاربة هو استمرار حماس في التقارب أو التحالف مع دحلان، على الرغم من كل هذه المعطيات التي تؤكد على أمرين مهمين:
أولاً: التقارب مع دحلان يُشكل خطراً على المستقبل السياسي لحركة حماس، كونه محسوبا على قوى دولية تتناقض معها وتريده بديلاً عنها، ومخرجاً لحكمها في غزة.
ثانياً: هذا التقارب يؤدي إلى تعميق الانقسام الداخلي ويجعل الوصول إلى المصالحة الفلسطينية أبعد وأكثر تعقيداً وصعوبة، إذ كيف سيتصالح الرئيس عباس مع الحركة التي تتحالف مع خصومه؟
وإضافة إلى هذا وذاك فإن مشاركة تيار دحلان في الانتخابات المقبلة سيعني بالضرورة أن حركة فتح ذاهبة إلى مزيد من التفتيت والانقسام، وأن فصيلاً فلسطينياً جديداً في طريقه إلى الظهور، وأنَّ هذا الفصيل سيحصل على الشرعية اللازمة عبر التمثيل في المجلس التشريعي، وربما في مؤسسات أخرى.. والسؤال المهم هنا: ما مصلحة حماس في كل هذا؟
القدس العربي