في ردّه على سؤال عن موقف الإدارة من توسيع مستوطنة إسرائيلية في أرض يملكها فلسطينيون شمال بيت لحم، قال المتحدث في وزارة الخارجية نيد برايس، اليوم الثلاثاء: “موقفنا ثابت ولم يتغيّر. لقد شجعنا إسرائيل على تجنب اتخاذ خطوات أحادية من شأنها مفاقمة التوتر وجعل الحفاظ على قابلية حلّ الدولتين للحياة أكثر صعوبة وأبعد منالاً”، مضيفاً: “نحن عارضنا ونواصل معارضتنا” لمثل هذه الأعمال.
كلامه نسخة طبق الأصل عمّا سبق وردّدته سائر الإدارات المتعاقبة، الديمقراطية والجمهورية، في موضوع الاستيطان، خصوصاً منذ ما بعد أوسلو، الذي لم يعد خافياً أنه لم يكن إلا غضّ نظر مموّه لتمكين إسرائيل من الاستمرار بالتوسع والقضم من دون حسيب.
كان الاعتقاد، في ضوء مواقف بايدن خلال الحملة الانتخابية، أنه قد ينأى عن خطاب المراوغة واللف والدوران في قضية الاستيطان، وأن تنافره مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يعزز هذا الاحتمال. لكن سرعان ما تبدّى مرة أخرى، أن الكثير مما يقال في موسم التسويق الانتخابي يبقى خارج بوابة البيت الأبيض، وخصوصاً المتعلق منه بالشرق الأوسط، وبالأخص بالقضية الفلسطينية.
لقد وعد بايدن بإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، كما بالتراجع عن قرار ترامب بإقفال البعثة الفلسطينية في واشنطن واستئناف المساعدات للفلسطينيين. حتى الآن لم يصدر سوى إعراب الإدارة عن نياتها “لمساعدة الجانب الفلسطيني بمن فيهم اللاجئون”، كما قال برايس، من غير أن يعلن التزام عودة الدعم لـ”الأونروا”. بل أكثر من ذلك، رفض التعليق على تعريف الوزير السابق مايك بومبيو للمستوطنات بأنها “ليست بالضرورة غير شرعية”. تذرّع بأنه لا يكشف عن المداولات التي تجري داخل الوزارة. وكأن إدارة بايدن ليست بعيدة ضمناً عن تصنيف بومبيو للاستيطان. والمعروف أن الإدارات جميعها تحاشت مقاربة المستوطنات من زاوية أنها احتلال بالقضم، فلا أدانتها ولا وضعتها مرة في خانة اللاشرعية (إلا نادراً في عهد الرئيس السابق باراك أوباما)، فضلاً عن اللاقانونية. بدلاً من ذلك، تعاطت معها بكثير من التمييع وتصوير التوسع الاستيطاني وكأنه حق لإسرائيل ينبغي “تشجيعه” كما قال برايس، على وقف تزايده، لئلا “يعرقل مساعي السلام”. معزوفة مزمنة طالما رافقها حرص مجوّف على خيار الدولتين. ولا يبدو أن إدارة بايدن لديها مناعة ضد هذا الخطاب، بعد أن ترسخ وصار من المسلَّمات في حديث وتصريحات المسؤولين المتوالين، الذي صارت معه فكرة الدولتين حبراً على ورق، خصوصاً بعد أن ترجم ترامب هذه المقاربة على المكشوف من خلال الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة إليها وإعطاء الضوء الأخضر لضمّ الضفة. وما فعله لم يكن غير نقل المضمر الأميركي إلى العلن.
في حديث طويل، كشف المساعد السابق لمستشار الأمن القومي للرئيس أوباما، بان رودز، عن أن “الخطوط العريضة التي رُسمَت في واشنطن للتداول ضمن إطارها بموضوع الدولتين، تخطاها الزمن، لأن الدولة الفلسطينية لم تعد قابلة للحياة”. ولأن الأمر كذلك، “بات المسؤولون في حيرة من أمرهم لأنهم باتوا دون بوصلة”، تماماً كما بدا برايس اليوم، الذي لم يكن لديه شيء غير مملّ ليقوله بشأن الاستيطان والدولة الفلسطينية. ويضيف رودز أن ذلك جاء نتيجة وجود “إجماع في واشنطن وإسرائيل على الدولة الفلسطينية التي كان الحديث عنها مجرد تمثيلية، لأنه لم تكن هناك قناعة بشأنها، باستثناء الوزير جون كيري”. رودز شاهد من أهله. لمس وسمع ورأى بنفسه. وهو لا يبدو أنه يتحدث انتقاماً من أحد. وربما أراد من التوقيت إرسال إشارة إلى أن التفاؤل بموضوع الدولة الفلسطينية في زمن بايدن لأنه على نقيض ترامب، في غير محله. ليس لأن الرئيس لا يريد، بل لأن المطلوب أكثر من الميسور. والبدايات لا تؤشر على خلاف ذلك.
فكتور شلهوب
العربي الجديد