من المستغرب تصرّف دولة محترمة مثل ألمانيا بالطريقة التي تتصرّف بها تجاه المغرب. لا وجود لتفسير منطقي للسلوك الألماني تجاه المغرب والبحث عن كلّ ما يمكن أن يسيء إليه. قد يكون التفسير الوحيد للسلوك الألماني، ذلك الماضي النازي لهذا البلد الذي لا يريد إدراك أن المغرب بلد مسالم لا يسعى سوى إلى استعادة وحدته الترابية سلميا، تماما كما فعلت ألمانيا التي عادت وتوحّدت سلميا بعد سقوط جدار برلين في العام 1989 وانتهاء الحرب الباردة مطلع تسعينات القرن الماضي.
يفترض أن تدرك ألمانيا قبل كلّ شيء أن قضيّة الصحراء قضيّة مفتعلة تقف وراءها الجزائر وهي تنتمي، مثل جدار برلين، إلى مخلّفات الحرب الباردة. يبدو أن ألمانيا تكيل بمقياسين. نجدها، في ما يخص المغرب تحديدا، مع مخلفات هذه الحرب ونجدها، حيث يناسبها، تقف ضدّها، خصوصا حين يتعلّق الأمر بمصلحتها الذاتية.
ليس مفهوما لماذا تمارس ألمانيا خارج حدودها عكس ما مارسته وما زالت تمارسه داخل هذه الحدود ولماذا هذا الحقد على بلد مسالم اسمه المملكة المغربيّة. إنّه الماضي النازي الذي يبدو أنّ هناك حنينا إليه لدى بعض الجهات الألمانية. ترى هذه الجهات، للأسف الشديد، أنّ لا مكان لاستعادة هذا الحنين سوى عبر التعاطف مع الأداة الجزائرية المسمّاة جبهة “بوليساريو”. ليست “بوليساريو” سوى مجموعة عسكرية تموّلها الجزائر وتشرف على تدريبها.
لا يذكّر العرض العسكري الأخير لـ”بوليساريو” في منطقة تندوف الجزائرية سوى بالعسكر النازي. تؤكّد ذلك طريقة “بوليساريو” في القيام بعروض عسكرية لا هدف منها سوى بث الرعب والخوف في صفوف الصحراويين الموجودين في المخيمات الجزائرية بصفة كون هؤلاء بضاعة صالحة للمساومات.
قبل أن تفكّر ألمانيا في الإساءة إلى المغرب والاعتراض على اعتراف الولايات المتحدة بمغربيّة الصحراء، يظلّ من الأفضل لها تحرير الصحراويين من مخيّمات المعسكر النازي الذي يعيشون فيه حيث يتعلّم أولادهم ثقافة الموت. عليها أن تفكّر في إخراجهم من مخيمات تندوف أوّلا ليعيشوا بكرامة خارج مكان احتجازهم. إذا كانت تريد الذهاب إلى أبعد في حرصها على الصحراويين، لماذا لا تقنع ألمانيا الجزائر، التي تعالج رئيسها عبدالمجيد تبون من أمراضه، بإقامة دولة صحراوية في جنوبها. عندئذ تستطيع ألمانيا الاحتفال بوجود دولة صحراوية وترفع علمها بدل رفع علم الدولة الوهمية التي لا وجود لها سوى في مخيّلة مريضة هي مخيّلة النظام الجزائري.
مرّة أخرى يصحّ السؤال هل تحنّ ألمانيا إلى ماضيها النازي الذي تحاول التخلّص منه؟ من أجل التخلّص من هذا الماضي وعقده، يفترض في السلطات الألمانية امتلاك ما يكفي من الجرأة والشجاعة للاعتراف بأنّ مخيّمات “بوليساريو” في تندوف ليست سوى معسكر نازي في الهواء الطلق. تتحكّم بهذا المعسكر، الذي هو تجارة رابحة يمارسها نافذون في الجزائر، ذهنية الاستثمار في مشروع يستهدف شنّ حرب استنزاف على المغرب واقتصاده، وهي حرب مستمرّة منذ العام 1975.
أبقت المملكة المغربية من دون شكّ بابا كي تعيد برلين النظر في مواقفها غير المبرّرة التي تسيء إلى ألمانيا ومكانتها أكثر مما تسيء إلى المغرب. اكتفى المغرب بقطع العلاقات مع السفارة الألمانية في الرباط والمنظمات الألمانية الموجودة في المغرب، وذلك “بسبب خلافات عميقة تهم قضايا مصيرية مغربيّة”. يدلّ ردّ الفعل الذي اعتمدته الرباط والذي أعلن عنه وزير الخارجية ناصر بوريطة على تطلّع مغربي إلى إجراء مراجعة ألمانية للذات تأخذ في الاعتبار التصرّفات المضحكة المبكية لسياسة قصيرة النظر لا هدف لها، عن قصد أو غير قصد، سوى المس بالاستقرار في شمال أفريقيا.
بالفعل، لا تفسير منطقيّا للمواقف العدائية الألمانية من المغرب. اللهمّ إلّا إذا كان المطلوب التنفيس عن عقد معيّنة يفترض في دولة كبيرة ومتطورة على كلّ صعيد تجاوزها. ذلك لا يكون بالبحث عن ثغرات في الداخل المغربي والحديث عنها بشكل مضخّم في مواقع إلكترونية. معروف جيّدا أنّ ألمانيا تشجّع هذه المواقع.. وربّما تدعمها وتمدّها بمعلومات تجمعها منظمات، يقال إنّها “غير حكوميّة” تجول في المغرب بحثا عن كلّ ما يمكن أن يلطّخ سمعة المغرب وتجاهل ما تحقّق فيه من تطور على كلّ صعيد، خصوصا في مجال حقوق الإنسان ووضع المرأة والحرب على الفقر، خصوصا في السنوات الواحد والعشرين الماضية.
من يسيء إلى المغرب لا يسيء إلى واحة الاستقرار الوحيدة في شمال أفريقيا فحسب، بل يسيء إلى نفسه أيضا. للمغرب دور أساسي في محاولة الوصول إلى تسوية في ليبيا وفي الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل. لماذا لا تراجع ألمانيا الدور السلبي الذي تلعبه “بوليساريو”، وبالتالي الجزائر، في مجال تسهيل كلّ ما يمكن تغذية الإرهاب والتطرّف والتهريب في منطقة الساحل؟
لا تستطيع ألمانيا إلغاء الدور المغربي لا على الصعيد الليبي ولا على صعيد الحرب على الإرهاب. لا تستطيع ألمانيا أيضا تجاهل أنّ أيّ سياسة تمارسها تستهدف الوحدة الترابية للمغرب والطرح المغربي بالنسبة إلى الحكم الذاتي الموسّع للأقاليم الصحراوية هو الطريق الأقصر لضرب الاستقرار في المنطقة كلّها. من يتمعّن في ما تقوم به ألمانيا يكتشف أنّها لا تريد إنهاء مأساة اسمها مخيّمات الصحراويين في تندوف. لا تدري ألمانيا أن هؤلاء يحقّ لهم العيش بكرامة في الأقاليم الصحراوية المغربية. لماذا تريد حرمان صحراويي تندوف من هذا الحق؟ لماذا تصرّ على بقائهم في المعسكر النازي الذي يقيمون فيه؟ ربّما تنسى ألمانيا أن والد محمّد عبدالعزيز الذي كان يسمّي نفسه رئيس “الجمهورية الصحراويّة” كان ضابط صفّ في الجيش الملكي المغربي وكان يقيم في محافظة قصبة تادلة، جهة بني ملال، عند سفح الأطلس الكبير.
تسيء ألمانيا إلى نفسها ولا تسيء إلى المغرب. أرادت استعادة وحدتها ونجحت في ذلك. لماذا هذه الحملة على المغرب الذي اعتمد الطرق السلمية، أي “المسيرة الخضراء”، وتعرّض لكل أنواع الاعتداءات بسبب إصراره على استرجاع أراضيه من الاستعمار الإسباني من دون أن يطلق رصاصة واحدة؟
العرب