هل ستصدر «الجنائية الدولية» مذكرات اعتقال لقادة إسرائيل؟

هل ستصدر «الجنائية الدولية» مذكرات اعتقال لقادة إسرائيل؟

أثار كشف المحكمة الجنائية الدولية قرارها بالتحقيق في جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل مخاوف دولة الاحتلال، وبعض من قادتها السياسيين والعسكريين، فالجنائية الدولية هي أعلى جهاز قضائي جنائي دولي وتعتبر قراراتها ملزمة للدول مما قد يؤدي، إذا أظهرت التحقيقات مسؤولية قادة إسرائيليين كبار عن جرائم حرب، إلى إصدار مذكرات اعتقال دولية ضد القادة المتورطين.
يشكّل هذا التحقيق، الذي سيقتصر على أفعال ارتكبتها إسرائيل منذ 13 حزيران/2014 ضمن المناطق المحتلة بعد عام 1967 (القدس الشرقية، والضفة الغربية، وقطاع غزة كما سيشمل مدينة القدس القديمة، والحائط الغربي، والحرم الشريف) إنجازا سياسيا كبيرا للعرب والفلسطينيين.
يكسر هذا القرار «محرّما» قامت الولايات المتحدة الأمريكية وجهات سياسية كبرى في العالم بنصبه مثل السور العالي الذي يجعل محاسبة إسرائيل على أفعالها أمرا غير قابل للتصوّر، بحيث أن قوانين كثيرة تم سنّها، في بلدان تعتبر من أعرق ديمقراطيات العالم، تساوي عمليّا بين انتقاد إسرائيل و«معاداة السامية» وكان أحد الأمثلة المهمّة على هذا الموضوع الحملة الكبرى التي تعرّض لها حزب العمال البريطاني وقائده السابق جيرمي كوربن، والتي أدّت إلى اعتماد الحزب تعريفا لـ«معاداة الساميّة» يقارب تعريف بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي لها، ولم تنته فصول هذه الحملة بإطاحة كوربن بل وطردته من الحزب أيضا.
بعد فشل الأمم المتحدة في تطبيق قراراتها الكثيرة ضد إسرائيل بفعل الفيتو الأمريكي، وإلغاء تعريفها السابق للصهيونية كشكل من أشكال العنصرية، صار مجرد إدخال دولة الاحتلال تحت منظومة قانونية عالميّة، واحتمال تطبيق القانون العالمي عليها، انتصارا كبيرا للعدالة البشرية.
يضاف القرار إلى انتصارات الاستراتيجية الفلسطينية في التوجّه إلى المؤسسات الدولية لردع إسرائيل عن جرائمها، لكنّ له جانبا إضافيا مهمّا، وهو الإضفاء المتزايد لطابع الدولة على السلطة الفلسطينية بما سمح بقبولها في العديد من هذه المؤسسات الدولية الكبرى، وهو أمر حاول وزير الخارجية الأمريكية الجديد أنتوني بلينكن التقليل من أثره بالحديث عن أن «فلسطين ليست دولة».
يمهّد هذا الموقف الأمريكي المعلن لاحتمال توجه واشنطن (إذا فشلت أشكال ضغوطها الأخرى على المحكمة) عبر مجلس الأمن لاستصدار قرار بوقف التحقيق، كون ميثاق روما ينص على أن لمجلس الأمن الصلاحية في إرجاء فترة التحقيق لفترة زمنية قابلة للتجديد، وهو ما قد يعيدنا مجددا إلى الدائرة التي نجحت واشنطن في إقفالها حول إمكانية محاسبة إسرائيل.
القرار مهم بالنسبة للعرب والفلسطينيين، أيّا كانت نتيجته، فقد قام بتوجيه الأضواء العالمية مجددا على المفارقة الكبرى التي تمثلها إسرائيل، باعتبارها دولة احتلال عنصريّة قادتها متهمون بارتكاب جرائم حرب، محميّة بترسانة نووية مرعبة، وتمارس انتهاكات يوميّة ضد الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه تتغطرس بالحديث عن كونها دولة ديمقراطية، وتحتاج دائما لجبروت الولايات المتحدة الأمريكية لوقف محاسبتها على جرائمها.

القدس العربي