المسار الخاطئ لسياسة بايدن تجاه إيران

المسار الخاطئ لسياسة بايدن تجاه إيران

عندما ترفض إيران رسمياً الدعوة الأوروبية لعقد اجتماع غير رسمي لبدء الكشف عن المواقف الأمريكية الإيرانية. والعمل على نقطة بداية جديدة يمكن البدء بها، فإن السؤال المطروح: ماذا تخطط إيران؟ وماذا تستهدف؟ خاصة أن التهديد بعودة الصدامات في الخليج العربي وخارجه وارد، بدليل استهداف إيران – بناء على الاتهام الإسرائيلي المباشر من الحكومة الإسرائيلية رسمياً – الباخرة الإسرائيلية هيليوس راي، التي تعرضت لهجوم مؤخراً في خليج عمان، وذلك بالقرب من مضيق هرمز الاستراتيجي، وهو ممر ضيق بين إيران وسلطنة عمان، وتمر منه خُمس تجارة البترول الدولية.

ويشير الاستهداف الإيراني إلى جملة من التطورات التي يجب وضعها في الاعتبار، واتضح ذلك من سرعة الاتهام الإسرائيلي المباشر للجانب الإيراني، وتحديداً لقوات الحرس الثوري، وهو ما جاء على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وأكده مسؤولون آخرون في إطار التأكيد على الهدف الإيراني من الهجوم على المصالح الإسرائيلية في الخليج العربي، وقد سبق الاتهام الإسرائيلي المعلن إطلاق عدد من كبار المسؤولين الأمنيين في الاستخبارات العسكرية “أمان” تصريحات بأن المصالح الإسرائيلية في الإقليم مهددة وقد تتعرض لحوادث هجوم متوقعة، وهو ما جرى بالفعل، ومن المحتمل – وفقاً لتصوراتهم – أن تتكرر في المدى المنظور، كما قامت إسرائيل بتسويق خطاب سياسي واضح يستند إلى أن إيران قد تفتح جبهة جديدة ضدها عن طريق الممرات المائية الاستراتيجية، ما قد يهدد حرية الملاحة في الخليج العربي، ويلحق أضراراً بالاقتصاد الإسرائيلي من خلال خفض الواردات، وذلك لأن 90% من واردات وصادرات إسرائيل تأتي عبر المنافذ البحرية من وإلى إسرائيل، وهو ما تدركه إيران بالفعل، ولهذا طالبت إسرائيل فعلياً، وهي عضو عامل في التحالف الدولي البحري لمواجهة التهديدات الإقليمية الذي تقوده واشنطن رسمياً، بالتعامل الجدي مع التهديدات الإيرانية في الخليج، التي لن تقتصر على أحداث تخريب في الطائرات أو السفن الإسرائيلية أو مصالح دول أخرى، بل قد تمتد إلى عمليات نوعية في مجال التسلسل، أو الهجمات الإلكترونية.

ولهذا، أعلنت إسرائيل رسمياً تشكيل لجنة تحقيق رسمية في الحادث للتعرف على أبعاده برغم عدم وجود خسائر حقيقية، وكون الحادث له دلالات رمزية مع الإعلان عن خطة عمل لدعم التحركات العملياتية في الممرات المائية، ومناطق الاستهداف، وسيتم ذلك بإجراءات إسرائيلية وجماعية، وبالتنسيق مع الإدارة الأمريكية، كما نقلت إسرائيل رسالة للإدارة الأمريكية بأن إيران أكبر مهدد لأمن الخليج العربي، وهو ما يتطلب – وفقاً للطرح الراهن – التهدئة وعدم التعجل في الدخول في مفاوضات أمريكية إيرانية مثلما هو جارٍ، وبتنسيق أمريكي أوروبي معاً، كما هددت الحكومة الإسرائيلية بالقيام بأعمال مضادة وبصورة منفردة إن اقتضت الضرورة للرد على إيران، ليس في منطقة الخليج العربي فحسب بل استهداف الوجود الإيراني وتحركاته عبر أذرعه في الإقليم، وهو ما سيوسع خريطة الاستهداف الإسرائيلية في الفترة المقبلة، مع التوقع بعدم اقتصار ذلك على الضربات الإسرائيلية على أهداف إيرانية في سوريا، بل قد يمتد للعراق ولبنان، وربما في منطقة الخليج/مضيق هرمز/خليج عمان ذاته.

والرسالة متعددة الأهداف أن إيران لا تزال تهدد أمن الإقليم بأكمله، وليس دولة محددة، وهو ما يتطلب من الإدارة الأمريكية مراجعة مواقفها وعدم التعجل في الدخول في مفاوضات واتصالات ترفضها إيران، وتناور فيها بذكاء ومراوغة متعارف عليها للحصول على مكاسب دائمة وعاجلة من الجانب الأمريكي الذي ما زال يدرس مواقفه، ولا يريد أن يراجع جملة سياساته تجاه الخطر الإيراني الحقيقي حتى مع إثارة الموقف من داخل مجلس الشيوخ، عندما حذرت مجموعة أعضاء في المجلس الرئيس جو بايدن من خطورة التفاوض مع إيران بشأن العودة إلى الاتفاق النووي، وأن أمريكا بحاجة إلى توافق في الآراء بشأن الأهداف الاستراتيجية لسياستها تجاه إيران، وينبغي تخصيص الموارد وفقاً لذلك، مع التأكيد على أن الأهداف الاستراتيجية تتلخص في وقف الطموحات النووية للنظام الإيراني، وإنهاء أنشطة طهران المزعزعة للاستقرار في المنطقة وخارجها، وهو ما يتطلب تبني إجراءات جماعية وتوافقات حقيقية في مواجهة ما يطرح إيرانياً.

ويكفي هنا الإشارة إلى ما رددته إيران مؤخراً من أن الهجوم على السفينة الإسرائيلية في خليج عمان هو انتقام للمقاومة من الهجمات والجرائم الإسرائيلية الأخيرة في المنطقة، وهو ما قد يؤكد بصورة غير مباشرة أن إيران هي التي تقف وراء الحادث وحوادث أخرى قد تكون في مرحلة التخطيط لها فعلياً، وليس أي طرف آخر، إضافة لنقل رسالة مهمة لدول الخليج العربي والإقليم بأن أمن الجميع مستهدف، وأن الأمر لن يتعلق باستهداف بواخر إسرائيلية فقط، بل قد يمتد إلى دول الخليج، في إشارة إلى ما تم من استهداف للمصالح الخليجية عامة والسعودية على وجه الخصوص، ما يتطلب تبني إجراءات أمريكية دولية لمواجهة الخطر الإيراني في الممرات الاستراتيجية.

‌والرسالة المهمة في هذا السياق التي يجب التأكيد عليها أن الاستجداء الأمريكي للتفاوض سيؤدي لمزيد من التعنت الإيراني، ودفعه للتشدد ورفض كل الخيارات مع التذرع بما يتردد، وقد تُبنى عليه إجراءات وسياسات مثلما دعا المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى عدم تحويل عمليات التفتيش التي تجريها هيئته في إيران إلى ورقة مساومة برغم علم الجميع بأن إيران قد سرَّعت في الآونة الأخيرة وتيرة انتهاكاتها للاتفاق الذي أُبرم في عام 2015، في محاولة واضحة لزيادة الضغط على إدارة الرئيس بايدن لتقديم تنازلات جديدة مع إصرار كل طرف على أن يتحرك الآخر أولاً، وهي الإشكالية الحقيقية التي يتحرك فيها الجانبان ويعملان على تحقيق تقدم لافت في سياقها.

إن السؤال ماذا إذا اتجهت إيران لمزيد من التحدي والمواجهة والإضرار بأمن الإقليم بأكمله، واستهدفت الممرات البحرية، حيث حركة التجارة العالمية وعمليات نقل النفط، وهو ما يمكن أن يثير تحديات حقيقية في المواجهة والتعامل وابتكار وسائل للمواجهة، ومن ذلك إعادة ترتيب الحسابات الأمنية والاستراتيجية، وكذلك تبني مزيد من الإجراءات الاستراتيجية الاستباقية، حيث تبدو الضرورة ملحة للعمل معاً، وإحياء فكرة الأمن متعدد الأقطاب والأطراف، في إطار مواجهة أي تهديدات إقليمية معينة، والتي سبق أن طرحت في مراحل معينة لمواجهة ما يجري.

ستكون الولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر إن تركت لإيران مساحات من التحرك والمناورة تحت مسمى استئناف الاتفاق النووي مع العمل على إعادة ترتيب الخيارات والأولويات مع التجاوب الملح والمكلف برفع العقوبات، خاصة أن مثل هذه الإجراءات ستدفع إيران لمزيد من التشدد الحقيقي، وبدليل ما تم طرحه – وبرغم كل المواقف السلبية للجانب الإيراني- بأن الإدارة الأمريكية لا تزال مستعدة للمشاركة من جديد في دبلوماسية جادة لتحقيق عودة متبادلة للامتثال بالتزامات خطة العمل الشاملة المشتركة.

د.طارق فهمي

العين الاخبارية