أجراس الإنذار البيئية تدق في الخليج

أجراس الإنذار البيئية تدق في الخليج

يضع التغير المناخي دول مجلس التعاون الخليجي أمام تحديات كبيرة لإنقاذ المنطقة من أسوأ سيناريوهات متوقعة خلال العقود المقبلة في حال استمرار ارتفاع نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المسبب للاحتباس الحراري. وتدفع تلك السيناريوهات دول المنطقة إلى التحرك سريعا في ضوء تنامي تهديدات التغيرات المناخية لحياة الملايين من البشر الذين يعيشون في تلك المنطقة الصحراوية الأكثر دفئا في العالم.

لندن – تسابق دول الخليج العربي الزمن لكسب رهان التغلب على تداعيات سلبية محتملة للتغير المناخي الذي ستكون تأثيراته مباشرة على حياة السكان خلال العقود المقبلة في منطقة تعد من أكثر المناطق ارتفاعا في درجات الحرارة في العالم.

ويشكل رهان بناء مدن ذكية قادرة على التكيف مع المتغيرات الجوية العالمية على صعيد مكافحة الاحتباس الحراري، بحيث تكون تلك المدن صديقة للبيئة، من أبرز معالم الخطط الحكومية والمشاريع التي أطلقتها دول خليجية لمواجهة أيّ تداعيات قد تعرض سكان المنطقة للأخطار.

سخونة دول الخليجتها كل من السعودية والإمارات للمخططات الذكية خلال العقود المقبلة، نهجا أكثر انفتاحا على المشاريع الخضراء والبيئية والمهتمة بالحد من الانبعاثات.

لكن تلك المشاريع ما زالت طور البناء والعمل على أكثر من جهة، وتنذر التغيرات المناخية المتسارعة بتأثيرات سلبية على حياة سكان منطقة الخليج ذات المناخ الصحراوي الحار.

وعملت دول الخليج على كافة الأصعدة على تبني نهج منفتح لإحداث تغييرات بيئية جذرية تنقذ المنطقة والعالم من الانبعاثات. وسجل في الإمارات استحداث وزارة مختصة بالتغير المناخي والبيئة، إضافة إلى إطلاق السعودية للبرنامج الوطني للاقتصاد الدائري للكربون والمساهمة في الحد من الانبعاثات.

ويحذر علماء وباحثون من ارتفاع درجات الحرارة في العالم ومنطقة الخليج على وجه التحديد، حيث ستكون تلك المنطقة في صلب تلك التغيرات المناخية وتأثيراتها الخطيرة على حياة السكان.

وتأتي التحذيرات في ظل عمل مستمر للوصول إلى بناء مدن قادرة على تحمل أعباء ارتفاع درجات الحرارة وتكاليفها وازدياد معدلات الرطوبة وسوء الأحوال الجوية التي شهدها أكثر من بلد خليجي خلال العقد الأخير.

درجات حرارة قياسية
يشكل الفشل في وقف ارتفاع انبعاثات غاز أكسيد الكربون المسبب للاحتباس الحراري الخطر الحقيقي الذي يدق أجراس الخطر في العالم ومنطقة الخليج العربي على وجه التحديد، حيث من الممكن أن تتعرض مناطق وعواصم خليجية لموجات حر شديدة للغاية تكون لها آثار سلبية مباشرة وخطيرة على حياة السكان.

ويقول غريغ شابلاند، وهو باحث وكاتب في السياسة والأمن والموارد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إنه “على الرغم من الجهود التي يبذلها العديد من العلماء من

أجل تطوير نماذج كمبيوترية متقدمة، إلا أن هناك حالة عدم يقين بشأن كيفية تأثير تغير المناخ على العالم ككل، لاسيما منطقة دول مجلس التعاون الخليجي”.

ويوضح شابلاند في تقرير نشرته مؤسسة “عرب داجيست” الاستشارية أن هناك دلائل تشير إلى أن تغير المناخ يرفع من درجة سخونة منطقة مجلس التعاون الخليجي، لاسيما وأن درجة الحرارة القياسية في الظل بلغت 53.9 درجة مئوية تم تسجيلها في الكويت في عام 2016.

وتشير إحدى الدراسات الأكاديمية إلى أنه بعد عام 2070 ستصبح درجة الحرارة القصوى المعتادة في الصيف هي 45 درجة مئوية في مدن الخليج. وتفترض تلك الدراسة أن العالم سيكون في المتوسط 4 درجات مئوية أكثر دفئا. ويرى الباحث البريطاني أن هذا الأمر هو “احتمال وارد أن يحدث إذا لم يتم اتخاذ إجراءات متضافرة للحد من الانبعاثات”.

وبسبب تأثير “الجزر الحرارية الحضرية” يمكن أن تواجه المدن أكثر الأيام ارتفاعاً في درجات الحرارة في أشهر الصيف كل عام. وتعد دول الخليج من أكثر مناطق العالم تحضرا، حيث يعيش 85 في المئة من سكانها في المدن، ويتوقع في هذه الظروف أن تنفق اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي على تكييف الهواء أكثر مما تنفقه اليوم.

ويقول شابلاند إنهم “قد يكونون قادرين على تحمل ذلك، ولكن ماذا سيحدث إذا انقطع التيار الكهربائي خلال موجة الحر؟ والذي من المحتمل أن يحدث بسبب زيادة الطلب أو بسبب تعرض الشبكة الكهربائية لهجوم من قبل قوة معادية أو مجموعة إرهابية”.

وينظر إلى ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات غير طبيعية على أنها ذات تأثيرات مباشرة على الجميع، وخاصة كبار السن الذين قد لا يصمدون أمام هذا الاحترار. ويذكر أنه في موجة الحر التي اجتاحت أوروبا في العام 2003 توفي 70 ألف شخص بسبب ارتفاع درجات الحرارة.

وتبرز أولى التحديات والتأثيرات المباشرة لارتفاع درجات الحرارة على الذين يعملون في الهواء الطلق وخاصة في قطاع البناء، وهؤلاء سيكونون عرضة للخطر أكثر من غيرهم سواء على صحتهم وحياتهم أو على صعيد التقليل من الإنتاجية.

ويرى الباحث أنه في حال “أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي أكثر دفئاً وحرارة كما تشير الدراسات، فقد يتردد العمال الوافدون المهرة في القدوم للعيش والعمل في الخليج”.

ويقول إنه “بالنسبة إلى دبي وعُمان، حيث يكتسب قطاع السياحة أهمية كبرى، وبالنسبة إلى السعودية التي تطمح إلى تطوير قطاع السياحة الخاص بها، فإن الفترة الممتدة من درجات الحرارة المرتفعة تعني موسمًا سياحيًا أقصر. كما أن موسم الحج، عندما يحدث في الصيف، سيكون خطرًا على جميع الحجاج”.

يرى الباحث البريطاني غريغ شابلاند أن هناك تحديات ومخاطر أخرى على منطقة الخليج العربي قد تكون أكثر سوءا من تلك التي تتعلق بارتفاع درجات الحرارة. ويسلط الضوء في هذا الإطار على ضرورة أن تتجه دول الخليج إلى مواجهة ارتفاع مستوى سطح البحر.

ويتوقع أنه في ظل غياب أي إجراء فعال في جميع أنحاء العالم لتقليل انبعاث ثاني أكسيد الكربون، قد يرتفع مستوى سطح البحر بين 0.2 و0.25 متر بحلول عام 2050.

ويرى شابلاند أنه “على الرغم من أن هذا لا ينبغي أن يبعث على القلق، إلا أن مستوى سطح البحر سيستمر في الارتفاع بعد عام 2050”.

ويقول “إذا كانت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية أعلى من صافي الصفر، وإذا ارتفع مستوى سطح البحر بمقدار متر واحد فقط بحلول عام 2100، فإن أكثر من 600 كيلومتر مربع من ساحل الخليج السعودي ستغرق بشكل دائم؛ وستواجه الكويت نفس المصير من خلال غرق أكثر من 160 كيلومترا مربعا”.

ويعيد التأكيد على ضرورة الأخذ في الاعتبار التأثير المتفاقم لعرام العواصف إلى جانب ارتفاع مستوى سطح البحر بشكل عام، حيث يمكن أن تؤدي العواصف القوية إلى حدوث قدر كبير من الفيضانات الساحلية، مع احتمال حدوث خسائر في الأرواح وتدمير للبنية التحتية، ويعطي مثالا واضحا على ذلك عبر تركز قدر كبير من السكان والبنية التحتية على الساحل، حيث يعيش مثلا نحو 96 في المئة من سكان قطر في المناطق الساحلية.

ويشير الباحث والكاتب البريطاني إلى التأثير المحتمل للجمع بين ارتفاع مستوى سطح البحر وعرام العواصف حيث يعقد التخطيط أيضًا. وبدون معرفة الارتفاع الذي قد يصل إليه البحر من الصعب تصميم بنية تحتية جديدة مثل منصات التنقيب عن النفط ومنشآت الموانئ بطريقة تمكنها من تجنب المخاطر.

ويرى أنه قد تكون للعواصف من أنواع أخرى آثار اقتصادية وصحية سلبية، حيث يمكن للعواصف الترابية والعواصف الرملية (التي تعتبر بالفعل سمة من سمات المنطقة) أن تعطل حركة المرور الجوية والطرق وتؤدي إلى تفاقم أمراض الجهاز التنفسي. وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على الأعاصير التي تعرضت لها سلطنه عُمان.

وكان إعصار غونو الذي ضرب ساحل عُمان على المحيط الهندي في عام 2007 عنيفًا، لكن البلاد تعرضت مرة أخرى للأعاصير في عامي 2010 و2011. وعانت السلطنة من فيضانات ساحلية في عام 2019 بسبب عاصفة من العواصف الناجمة عن إعصار كيار، الذي وصل في مرحلة ما إلى شدة إعصار من الفئة الرابعة.

وتشير التوقعات بالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي بشأن هطول الأمطار إلى انخفاضها في كل مكان باستثناء عُمان والجزء الجنوبي الغربي الأقصى من السعودية. وبطريقة ما لن تحدث التغييرات في الكمية الإجمالية للأمطار فرقا كبيرا في الحياة في الخليج.

وتحصل معظم دول الخليج العربي على المياه من محطات التحلية (عندما لا تفرط في الاعتماد على المياه الجوفية غير المتجددة) وكل طعامها تقريبا من الخارج.

ويقول غريغ شابلاند إن “علماء المناخ لا يثقون في توقعاتهم لأنماط هطول الأمطار في المستقبل بقدر ثقتهم في ما يتعلق بالظواهر الأخرى التي يدرسونها”.

ويضيف أن “ما قد يجعل الحياة في دول الخليج أكثر صعوبة هو احتمال أن المطر يسقط بشكل أكثر كثافة”، حيث تشير الأمطار الغزيرة (والفيضانات اللاحقة) التي ضربت جدة بين عامي 2009 و2011 والدوحة في عام 2018 إلى أن هذا الاتجاه قد بدأ بالفعل.

ويوضح أن هذه الظواهر بينت أنه لم يكن هناك ما يكفي من الترتيبات لمثل هذه الأحداث، مع عدم قدرة أنظمة الصرف على التعامل مع الأمطار الغزيرة المفاجئة، لكن مصارف مياه الأمطار غير متوفرة سوى في المشاريع ذات الرؤية مثل مدينة نيوم الإستراتيجية، لذلك قد يمر بعض الوقت قبل أن تركز دول مجلس التعاون الخليجي عليها.

العرب