السلام الدافئ يضخ دماء حياة جديدة في مجتمع الأقليات اليهودية بالخليج

السلام الدافئ يضخ دماء حياة جديدة في مجتمع الأقليات اليهودية بالخليج

التحوّل النوعي في علاقة إسرائيل ببلدان خليجية، بقدر ما كان سريعا ومفاجئا فقد جاء أيضا على درجة كبيرة من العمق والشمول، حيث بدأ يتجاوز مظاهر تطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية، ليؤثّر في حياة المجتمع اليهودي الصغير في الخليج ويحرّره من قيود السرية التي لازمت وجود أبناء الديانة اليهودية في تلك المنطقة لعقود.

المنامة – بدأت نتائج تطبيع العلاقات بين إسرائيل وكلّ من الإمارات والبحرين تطال أبناء الديانة اليهودية في منطقة الخليج وتنعكس تدريجيا على حياتهم اليومية، وذلك في تجسيد لمقوّمات السلام الدافئ الذي لا يقتصر على مجرّد إقامة العلاقات الدبلوماسية وتبادل فتح السفارات، بل تتمّ ترجمته إلى تعاون فعّال في مختلف المجالات وتعميقه ليشمل الجوانب الاجتماعية والثقافية والدينية، وليتحوّل بذلك إلى أرضية للتسامح والقبول بالآخر والتعايش معه بكل مظاهر تمايزه واختلافه.

ورصد تقرير كتبه إيلان بن تسيون لموقع “تايمز أوف إسرائيل”، بداية خروج المجتمعات اليهودية في الخليج من السرية إلى العلن بعد أن عاشت لعدّة عشريات من الزمن في ظل الصراع العربي الإسرائيلي.

فقد أجيز تناول طعام الكوشر وبدأ الاحتفال بالأعياد اليهودية يتمّ بشكل علني حتى أن هناك محكمة دينية ناشئة لمعالجة قضايا مثل الزواج والطلاق.

وقال إبراهيم نونو، زعيم الجالية اليهودية في البحرين، الذي استضاف مؤخرا احتفالا افتراضيا بعيد المساخر اليهودي في منطقة الخليج العربية، “الأمر يتحسن ببطء وبشكل تدريجي”.

ونونو هو أحد مؤسسي “رابطة الجاليات اليهودية الخليجية”، وهي مجموعة جديدة مختصة في شؤون الأقلية اليهودية في الدول الخليجية الست وتهدف إلى كسب قبول أكبر للحياة اليهودية في المنطقة.

وأضاف نونو العضو السابق في البرلمان البحريني “سيستغرق الأمر بعض الوقت حتى نرى على سبيل المثال مطعما يهوديا أو مطعم كوشر يتم إنشاؤه في مكان ما”.

وحتى التجمع الافتراضي الذي تمّ للاحتفال بعيد المساخر لم يكن من الممكن التفكير فيه قبل بضع سنوات عندما كانت العلاقات مع إسرائيل من المحرّمات وأبقى اليهود هوياتهم بعيدة عن الأنظار خوفا من شعور مضيفيهم المسلمين بالحرج.

ثمار السلام
تغير كلّ ذلك مع اتفاقيات أبراهام التي عقدت العام الماضي بين إسرائيل والإمارات والبحرين والتي جلبت السياح ورجال الأعمال الإسرائيليين إلى المنطقة وبدأت معها حفلات الزفاف اليهودية وغيرها من الاحتفالات التي تستهدف الزوار الإسرائيليين تظهر إلى العلن. لتبرز صورة الإمارات والبحرين كموطنين للتسامح مع اليهود وإدماجهم.

وقال إيلي عبادي الحاخام الجديد للمجلس اليهودي في الإمارات “فُتح الباب. وأعتقد أنه سيكون هناك المزيد من الانفتاح والمزيد من الترحيب والحماس لوجود الجالية اليهودية أو الأفراد اليهود أو التقاليد والثقافة اليهودية”.

الأمن لا يزال مصدر قلق لليهود في بعض الدول كما يتضح من الهجوم الأخير على سفينة إسرائيلية في خليج عمان

وأضاف عبادي المولود في لبنان والعضو في رابطة الجاليات اليهودية الخليجية، أنّه متأكد من أن التحول يحدث في جميع أنحاء الخليج، وليس فقط في الإمارات.

وتهدف الرابطة إلى تقديم الدعم والخدمات للأقلية اليهودية في الكويت وعُمان والبحرين والسعودية وقطر والإمارات. وقد تشمل تلك الخدمات إصدار شهادات كوشر للفنادق والمطاعم والمنتجات الغذائية، وإنشاء محكمة حاخامية وإقرار إرشادات وفتاوى للأحداث الدينية مثل بار ميتسفا والختان والدفن.

وتتألف الأقليات اليهودية في الخليج من رعايا أجانب قدموا إلى المنطقة للعمل. لكن البحرين تمتلك جالية يهودية متأصلة يبلغ عدد أعضائها حوالي 80 فردا وهم من نسل يهود عراقيين وصلوا في أواخر القرن التاسع عشر باحثين عن فرص في الأعمال التجارية.

والجالية اليهودية في الإمارات هي الأكبر في بلدان الخليج حيث يقدر عدد أفرادها بنحو 1000، وهي الأحدث أيضا. وينشط من هذه الجالية حوالي 200 عضو فقط بينما يبقى البقية مثلهم مثل معظم اليهود في دول الخليج العربية بعيدين عن الأنظار. ونظرا لتزايد الحماس تجاه الممارسة العلنية لمظاهر الحياة اليهودية في الإمارات، قال عبادي إنه يتوقع أن “يظهر المزيد من أفراد الجالية نوعا ما إلى النور”.

عصر ذهبي جديد
ازدهرت المجتمعات اليهودية لعدة قرون في جميع أنحاء العالم الإسلامي. ولفترات طويلة تمتّع اليهود هناك بوضع محمي، وأحيانا كما هو الحال في الأندلس المسلمة في العصور الوسطى شهدوا عصرا ذهبيا من التعايش. لكن معظم تلك المجتمعات اختفت بعد قيام دولة إسرائيل في عام 1948، حيث طُرد مئات الآلاف من اليهود من البلدان العربية والإسلامية أو فرّوا.

وبالنظر إلى الأعداد الكبيرة من الفلسطينيين واللبنانيين والمصريين والباكستانيين الذين يعيشون في دول الخليج العربية كان بعض اليهود غير مرتاحين في السنوات الأخيرة لإظهار هويتهم الدينية في الأماكن العامة.

واشترطت معظم الدول العربية تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ عقود، بما في ذلك إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي التي يسعى الفلسطينيون إلى إقامة دولتهم المستقلة عليها. لكن في الآونة الأخيرة تم تجاوز هذا الشرط من قبل بعض القادة العرب.

وقال جيسون غوبرمان، المدير التنفيذي لاتحاد السفارديم الأميركي، إنّ دول الخليج العربية لديها بقايا قليلة متناثرة من الجاليات اليهودية القديمة. وتعد السعودية موطنا لمواقع يهودية سبقت ظهور الإسلام في القرن السابع ميلاديا، بينما البحرين والكويت وعُمان بها مقابر يهودية قديمة. كما أن إمارة رأس الخيمة في الإمارات يوجد بها شاهد قبر يهودي منفرد ربما يكون لتاجر متنقل مثل معظم اليهود الذين يصلون إلى دبي اليوم.

وقال غوبرمان “اليهود موجودون في الخليج لفترة طويلة جدا، والآن يمثل هذا عودة إلى هذا النمط التاريخي للأشخاص القادمين للتجارة”، مضيفا “من المثير جدا أن نرى عودة ماضي التعددية في الشرق الأوسط”.

وقالت جان كانديوت، المخرجة التلفزيونية من نيويورك والمقيمة في دبي منذ سبع سنوات، “أشم أجواء التحرر في الهواء. اعتدنا أن نكون هذه الأقلية الصغيرة من الشعب اليهودي. كنا نعثر على بعضنا البعض في سرية.. وكنا نشعر بالحساسية لحقيقة أننا كنا نعيش في دولة مسلمة، ولم نكن نعرف ما إذا كان الجميع مستعدين لاستيعابنا”.

وأضافت “الآن يبدو الأمر عكس ذلك تماما. أشعر حقا أنني أستطيع أن أكون على طبيعتي هنا، وأشعر بشجاعة أكبر بحضور الاحتفالات اليهودية. أصبحت الحياة اليهودية هنا أشبه بالحياة اليهودية في أي مكان آخر”.

ومع ذلك، لا يزال هذا الواقع الجديد هشّا، فبعض الدول أبطأ في التغيير. والبعض الآخر ما تزال كتبه المدرسية المعتمدة في التعليم العمومي تحوي مواقف معادية للسامية.

بقايا هواجس
لا يزال الأمن مصدر قلق أيضا في بعض الدول كما يتضح من الهجوم الأخير على سفينة إسرائيلية في خليج عمان. وألقت إسرائيل باللوم على العدو اللدود إيران. ويخشى المسؤولون أن تكون بعض الأهداف اليهودية والإسرائيلية الأخرى معرضة للخطر. ويحافظ العديد من اليهود في المنطقة على هوياتهم الدينية سرّا.

وقال رجل أعمال يهودي عاش وعمل في عُمان على مدى العقود العديدة الماضية، إنّه ربما يكون واحدا من بين عشرين يهوديا يعيشون في السلطنة. وأشار إلى أن البلاد لديها نهج أكثر تسامحا تجاه التنوع الديني من بعض جيرانها، لكنه لا يزال يصر على عدم الكشف عن هويته لأنه قلق من بعض السلوكيات المنفردة.

وخلال جائحة كورونا قال رجل الأعمال اليهودي إن خدمات موقع “زووم” التي نظمتها الجالية اليهودية في الإمارات في أمسيات الجمعة كانت بمثابة شريان الحياة بالنسبة إليه. وأضاف أنّه يأمل في أن تولّد الرابطة المجتمعية الخليجية الجديدة “شعورا بالأمن لنا حتى نخرج من مخابئنا”.

العرب