تنشط شركات عسكرية خاصة وميليشيات ذات نفوذ واسع لتجنيد الشباب العرب في المناطق الساخنة التي يفتقر فيها الشباب إلى أبسط مقومات الأمل بالمستقبل لإقحامهم في معارك ومهمات مقابل المال والنفوذ والحماية.
دمشق – استثمرت شركات عسكرية خاصة عابرة للحدود الأزمات والحروب في المنطقة العربية لاستقطاب الشباب الذين أصبحوا الضحية والجلاد في هذه الحروب بدخول “سوق الموت” لتأجير خبراتهم القتالية في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
وتنشط عدة شركات عسكرية خاصة مختلفة الجنسيات لحساب دول وجيوش تسعى إلى تخفيض النفقات والخسائر البشرية وتجنّب الإحراج الدبلوماسي والمساءلة القانونية خاصة عند وقوع جرائم حرب، حيث تسعى هذه الدول للتملص منها عبر تحميل الشركات الخاصة مسؤولية القتال المنفلت من العراق إلى ليبيا مرورا بسوريا واليمن.
ووجدت الشركات الأمنية في الأوضاع المتردية للشباب في الدول العربية فرصة لتجنيدهم وتلبية الطلب المتصاعد على خدماتهم.
وفي السنوات الأخيرة أثار الحديث عن تجنيد تركيا لشباب سوريين كمرتزقة للقتال في ليبيا ضجة واسعة وسلط الضوء مجددا على هذه الظاهرة التي لا تعتبر جديدة، لكن البارز فيها هو استقطاب الشباب من دول عربية لأول مرة بسبب الانهيار الذي تعانيه بلدانهم على جميع الأصعدة.
استغلال الحاجة
كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الفصائل الموالية لتركيا في سوريا قامت بتجنيد المئات من الشباب بهدف إرسالهم إلى جبهات القتال في ليبيا.
وقال المرصد إن تجنيد المرتزقة من جانب الحكومة التركية يتم عبر “سماسرة” يحصل الواحد منهم على مبلغ مالي يتراوح بين 100 و300 دولار مقابل إقناع المقاتل الواحد.
10 ميليشيات تتوزع في ولائها بين روسيا وإيران تنشط لتجنيد شباب يافعين شمال شرق سوريا
وأضاف أن عملية تجنيد المرتزقة المستمرة على قدم وساق تتم بشكل خاص داخل مخيمات اللاجئين ضمن مناطق نفوذ الفصائل الموالية لتركيا استغلالا لحاجة سكانها المادية.
وتحرص الجهات التي تجند الشباب على ضمان السرية الكاملة وتمنعهم من التواصل مع وسائل الإعلام وحتى التحدث مع عائلاتهم عن تفاصيل مهماتهم، إلا أن بعض المصادر تحدثت عن كيفية استقطاب الشباب.
وكشف مصدر من مدينة السويداء جنوب سوريا عن إشراف روسيا على تجنيد الآلاف من الشباب السوريين ونقلهم إلى ليبيا لحماية مصالحها بوساطة شركات أمنية سورية تحمل أسماء مختلفة وبالاشتراك مع الاستخبارات العسكرية السورية التي تشرف على منح الموافقات الأمنية للشباب.
وذكر المصدر أنه تمت مصادرة هواتف المجندين منذ لحظة مغادرتهم المدينة، حيث انقطع الاتصال مع عائلاتهم في السويداء كون أحد بنود عقد العمل بينهم وبين الشركات الأمنية يمنع اصطحاب أدوات اتصال أو تسجيل أو تصوير معهم.
وأشار إلى أن أحد الشباب تلقى معلومات من وكيل الشركة المحلية (السمسارة) التي سجل معها، حيث أبلغه أنهم سيمكثون في قاعدة “حميميم” الروسية في مدينة طرطوس السورية لمدة تتراوح بين يومين وسبعة أيام على أكثر تقدير قبل أن يتم نقلهم إلى ليبيا ليخضعوا لدورة تدريبية مدتها 15 يوماً، ومن ثم يتم فرزهم إلى المنشآت التي سيتولون حراستها.
والفارق بين التجنيد لصالح روسيا أو تركيا هو أن الأخيرة تزج بهم في المعارك والقتال ضد الجيش الليبي وقد قتل الكثير منهم، بينما غالبا ما تكون مهمة المجندين لصالح الشركات الروسية حماية المصالح الروسية والمنشآت التابعة لها في ليبيا.
وبينما تقوم الشركات العسكرية بمهام قتالية وتجنيد مرتزقة ودعم جيوش وميليشيات مسلحة على الأرض، فإن الشركات الأمنية تركز على حماية الشخصيات والمنشآت والتدريب والاستشارة الأمنية والاستخبارات والحرب السيبرانية (الإلكترونية)، وقد تتداخل مهام الشركات العسكرية مع الأمنية وتتكامل أحيانا.
كان الشباب الصوماليون أيضا هدفا للتجنيد من قبل قطر وتركيا، وقد كشف تحقيق حديث نشره موقع “صومالي غارديان” الإخباري أن المئات من الشباب الصوماليين خُدعوا للانضمام إلى جيش المرتزقة الذين أرسلتهم تركيا للقتال في ليبيا.
وقال الموقع إن أكثر من 2000 صومالي ضمن قوات جديدة تقاتل بالوكالة عن تركيا وقطر نشروا في خطوط القتال الأمامية ضد الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
وأفاد الشباب الذين مُنحوا الجنسية القطرية في وقت سابق أن الأمر يؤلمهم عندما تعتبرهم وسائل الإعلام مرتزقة صوماليين، لكن الكثير منهم يقولون إن الفقر والبطالة أجبراهم على إلقاء أنفسهم في “نار مستعرة”.
وأشار الموقع إلى أن قطر جندت أكثر من 5 آلاف شاب صومالي انضموا رسمياً إلى جيشها بعد مقاطعة السعودية والإمارات والبحرين ومصر للدوحة.
ولفت إلى أن قطر ليست الدولة الوحيدة التي تجند شبابًا صوماليين للدفاع عن مصالحها الوطنية، ولكن ثمة تقارير تشير إلى أن حليفتها تركيا أيضًا لديها المئات من القوات الخاصة الصومالية تحت قيادتها.
وعلى الرغم من أنهم لا يعملون بشكل رسمي ضمن الجيش التركي، لكن يجري تجهيز هؤلاء الشباب وتمويلهم وتشغيلهم على أيدي جنرالات من الجيش التركي في مقديشو.
وذكرت تقارير أن العديد من الشباب تحدثوا عن خداعهم حيث تلقوا وعودا بالانضمام إلى الجيش الصومالي ثم تجنيدهم لصالح الجيش القطري، لينتهي بهم المطاف في ليبيا بعد تدريبهم في إريتريا، حيث توفي العديد منهم في معسكر تدريب بعد تعرضهم للتسمم.
الجهات التي تجنّد الشباب تحرص على ضمان السرية وتمنعهم من التواصل مع الإعلام أو التحدث مع عائلاتهم عن مهماتهم
بدورها تنشط الميليشيات التابعة لإيران بشكل واسع في تجنيد الشباب في العراق وسوريا، وتعتمد إستراتيجيتها على إغراء الشباب بالمال والدافع العقائدي والحماية والنفوذ.
وتحدث ناشطون عن تكثيف الميليشيات المدعومة من إيران لجهودها لتجنيد المراهقين والشباب في مدن مختلفة في شمال العراق وغربه.
وقالوا إن كتائب حزب الله وحركة النجباء وسرايا الخراساني هي من الميليشيات التي تحاول استقطاب الشبان العراقيين الضعفاء، وإن الميليشيات تنوي استخدام هؤلاء المجندين لخدمة مصالح إيران في العراق والمنطقة.
وتستغل الميليشيات فقر الشباب في ظل إعادة بناء المجتمعات عقب مرحلة حكم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عبر إغراء المجندين الجدد بالمال ومنحهم “حصانة” في حال التحقوا بصفوفها.
وأكد بعض الأهالي للشرطة تسلم أبنائهم “استمارات تطوع” من إحدى الميليشيات المدعومة من إيران ورواتب شهرية وعلاوات مقابل الالتحاق بها.
وذكر مسؤول محلي اشترط عدم ذكر اسمه أن “هدف الميليشيات هو خلق أذرع محلية لها داخل المدن المختلفة التي تتواجد فيها من أجل إظهار وجه آخر لها”. ولفت إلى أن “الجميع يعلم أنها تعمل بتوجيهات إيرانية”.
وأضاف “تريد الميليشيات الحصول على موالين لها في المنطقة، حيث أنه يبقى لها في حال غادرت أشخاص ينشرون فكرها وينفذون هجماتها”.
امتد نشاط الميليشيات التابعة لإيران في محاولات تجنيد الشباب إلى سوريا، وتركز مؤخرا في مدينة دير الزور الحدودية مع العراق.
وذكرت تقارير إخبارية أن الأسابيع الماضية شهدت نشاطا غير مسبوق للميليشيات التي تدعمها إيران وروسيا لاستقطاب الشباب، وذلك عن طريق “سياسة ناعمة موحدة” ترتكز على تقديم المغريات المالية وأخرى تتعلق بسهولة التحرك الأمني.
و يمكن حصر عمليات التجنيد في أكثر من 10 ميليشيات تتوزع في ولائها بين روسيا وإيران، وأبرزها “الفيلق الخامس”، “لواء القدس”، “الحرس الثوري”، “كتائب حزب الله”، “القوى العشائرية” و”الدفاع الوطني”.
وذكرت مصادر محلية أن التجنيد يستهدف الشباب الأصغر سنا، إذ أن غالبية الشباب بدير الزور بين معتقلين وضحايا ومهجرين. والفئة التي بقيت هي من اليافعين الذين كبروا في المرحلة الممتدة بين عام 2011 وحتى الآن حيث أصبحوا شبانا.
وهناك سباق بين روسيا وإيران لتجنيد هذه الفئة باستغلال الوضع الاقتصادي السيء والأوضاع الأمنية والحماية، ويبحث الذين ينضمون إلى أحد الطرفين عن مصادر لحماية عائلاتهم في المنطقة.
وإلى جانب البوكمال تحظى مدينة الميادين باهتمام إيراني كبير على المستوى العسكري والاجتماعي أيضا.
ويقول ضويحي في تصريحات لموقع قناة الحرة “خيارات الشبان في المنطقة واسعة، والعامل الرئيسي في الانضمام إلى ميليشيا في شرق سوريا هو الوضع المادي، أي أن من يدفع أكثر ويمنح امتيازات أكبر هو صاحب النفوذ الأكبر في التأثير على الشباب”.
وبحسب قناة الحرة فإن الإيرانيين في بداية سيطرتهم على دير الزور أواخر 2017 نجحوا نسبيا في الاستقطاب، لكن أصبح الروس اليوم أصحاب النفوذ الأكبر.
وتشكل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها السكان الذين يفتقدون لأبسط مقومات الحياة اليومية نقطة الضعف التي تعمل عليها طهران وروسيا لاستقطاب المجندين.
ويعمد الطرفان إلى تقديم مغريات مالية وأخرى ترتبط بمقومات العيش من أجل استقطاب الشبان، وفي ذات الوقت يتجهان لإغرائهم بسهولة التحرك الأمني، وهي ميزة قلما يحصل عليها الشبان في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري.
وبالإمكان القول إن سوق الارتزاق هناك تشهد حركة كبيرة، وإن الخيارات واسعة وكثيرة مع تعدد الميليشيات والسماسرة والدول ومصالح بعض الدول في إطالة أمد الحروب والنزاعات، وهو ما أشار إليه شون مكفيت مؤلف كتاب “المرتزقة الجدد” (The Modern Mercenary) “حين يستطيع أي شخص استئجار جيش، يمكن أن تصبح الشركات الكبيرة التي تؤجر المرتزقة نوعاً جديداً من القوى العظمى”.
وأضاف “الأسوأ من ذلك، يمكن أن يشعل المرتزقة نزاعات وأن يطيلوا أمدها من أجل التربح منها وهو ما يُولِّد حروباً لا نهاية لها. إنَّ العالم الذي يضم عدداً أكبر من المرتزقة يعني عالماً تشتعل فيه مزيد من الحروب”.
ثاني أقدم مهنة
واشنطن – أصدر مصطلح المرتزقة ليس حديث العهد ولم ينشأ خلال النزاعات والحروب الأخيرة التي شهدها العالم، فالقتل مقابل المال يعتبر ثاني أقدم مهنة في العالم.
وجندت جميع الإمبراطوريات تقريباً المرتزقة لخوض الحروب أو أداء المهام الخاصة، وذكر بيتر سينغر في كتابه “محاربو الشركات” أنَّ أول حادثة مُسجَّلة في التاريخ عن استخدام المرتزقة كانت ضمن صفوف الجيش السومري تحت قيادة الملك شولغي من سلالة أور الذي وُلِد في عام 2094 وتُوفِي سنة 2047 قبل الميلاد.
وفي عام 400 قبل الميلاد جند الأمير قورش الأصغر جيش “العشرة آلاف” المؤلف من مرتزقة من المقاتلين اليونانيين، وذلك في حربه للوصول إلى عرش الإمبراطورية الفارسية. وفي عصر النهضة برز اسم الحرس السويسري في تجنيد المرتزقة.
ومرت تجارة المرتزقة بفترة ركود في القرن السابع عشر، لكن عقب الحرب الباردة بدأت تنتشر الشركات السرية التي تعمل في تنظيم الجيوش الخاصة وتمويلها وتدريبها. ومع تزايد الحاجة لها بدأت هذه التجارة بالازدهار في العصر الحديث، وبدأت أعداد المرتزقة بالتزايد.
وبينما تجلب الحروب الويلات للمدنيين، يجد فيها المرتزقة وشركاتهم فرصة للربح وكسب المال. فقد كدست شركات تصدير المرتزقة أموالاً طائلة خلال الفترة التي أعقبت الحرب الباردة، فالحرب تعني لها تجارة مضمونة الربح تدرُّ عليها المليارات من الدولارات.
ففي عام 2017 على سبيل المثال خصص البنتاغون 320 مليار دولار لعقود فيدرالية منها 71 في المئة مخصصة “للخدمات”، وهو البند الذي تندرج تحته الاستعانة بخدمات الشركات العسكرية الخاصة التي تصدّر المرتزقة.
وربما لا تغدق المملكة المتحدة أموالاً طائلة على سوق “الخدمات” الأمنية الخاصة، لكن وزارة الخارجية زادت إنفاقها على هذه الخدمات من 12.6 مليون جنيه إسترليني في عام 2003 إلى 48.9 مليون جنيه إسترليني في عام 2012.
وقد كانت الحرب الأميركية على أفغانستان فرصة سانحة سمحت لشركات “الخدمات” أو شركات تصدير المرتزقة بالازدهار، لاسيما شركة “أكاديمي” العسكرية الأميركية الخاصة المعروفة سابقاً باسم “بلاك ووتر”.
العرب