بالتوازي مع صدور تقرير استخباراتي أمريكي يؤكد تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، وبدء عقوبات أمريكية جديدة على موسكو اليوم، قام الرئيس الأمريكي جو بايدن بتصعيد غير مسبوق تجاه نظيره الروسي فلاديمير بوتين، حيث وصفه بالقاتل مهددا بأن الرئيس الروسي «سيدفع ثمن تدخله في الانتخابات».
بعد صدور تصريح عن الكرملين بأنه يتحوّط من عقوبات أمريكية محتملة، جاء ردّ فعل قويّ من رئيس مجلس الدوما الروسي اعتبر مهاجمة بايدن لبوتين إهانة للمواطنين الروس وبأنها «هستيريا ناجمة عن العجز».
متابعة أفعال بوتين منذ تولّيه الحكم عام 2000 تكشف أن الرئيس الروسي سيعتبر هذا التوصيف تحدّيا شخصيا له، مما سيدفعه للتحرك، ليس بالطرق الدبلوماسية المتعارف عليها فحسب، أو باستخدام طرق «الحرب الباردة» وخبرات المخابرات الروسيّة اللاحقة، من التجسس التقليدي والاستهداف الالكتروني وإدارة عمليات القرصنة الموجهة سياسيا، وباغتيال المعارضين الروس في الخارج، بل أيضا بالاستمرار، من دون هوادة، في التدخّل في الانتخابات الأمريكية وغير الأمريكية.
المتوقع، حسب المنظور المعتاد لبوتين هو إثبات أنه لا يقبل تلقّي صفعة على الخد من دون رد، وتأكيد أن العقوبات لا تنفع مع روسيا، أكبر دول العالم مساحة، والدولة التي تمتلك الفيتو في الأمم المتحدة، والتي تتحرّك عبر العالم عبر صفقات سلاحها ووجود مرتزقتها من «شركة فاغنر» كما أنها ستردّ أيضا في الداخل الروسي، باستمرارها في التضييق على شبكات المجتمع المدني ومواجهة أي حركات معارضة سياسية، والذي كان آخر أمثلته اعتقال أليكسي نافالني منذ وصوله عائدا إلى موسكو، ومحاكمته والزج به في واحد من أسوأ السجون الروسية.
إحدى أهم أشكال التوازن والتهديد التي يستخدمها بوتين لإظهار جبروت بلاده هي السلاح النووي، فروسيا لديها أكبر مخزون في العالم، حيث يقدّر عدد أسلحتها النووية بسبعة آلاف سلاح، في مقابل 6780 سلاحا نوويا أمريكيا، وجدير بالذكر أن موسكو علّقت التزامها باتفاقية الصواريخ المتوسطة القادرة على حمل رؤوس نووية، بعد إعلان واشنطن نيتها نشر هذه الصواريخ في آسيا والمحيط الهادي.
من اللافت للنظر، في هذا السياق، صدور قرار عن رئيس الوزراء بريطانيا (أوثق حلفاء واشنطن) الثلاثاء الماضي، برفع سقف الرؤوس الحربية النووية التي تمتلكها بلاده بنسبة 40٪، وقد جاء في تبرير القرار إنه يستند إلى «مجموعة من التهديدات التكنولوجية والعقائدية المتزايدة، وجاءت أول ردود الفعل الدولية من الخارجية الروسية التي اعلن نائب وزيرها إن قرار لندن «هدام من وجهة نظر تعزيز الاستقرار العالمي» والمقصود الفعلي من هذا القول إنه سيشكل تهديدا لتوازن الرعب بين موسكو وواشنطن.
لا تنفصل هذه التصريحات والقرارات وردود الفعل إذن على أمريكا وروسيا، فهي تفسّر أيضاً مجموعة من الأحداث التي تجري حاليا، ومنها تصريح وزير الدفاع الأمريكي الجديد لويد أوستن إنه في حين كانت الولايات المتحدة منشغلة بالتركيز على قضايا الشرق الأوسط (المقصود طبعا أفغانستان والعراق… وسوريا إلى حد أقل) «قامت الصين بتحديث جيشها».
ذكر «الشرق الأوسط» في هذا السياق، يعني، على الأغلب، أن إدارة بايدن ستستكمل المبادرة التي بدأها باراك أوباما بالتركيز على الصين وروسيا، وأن قضايا العرب، باعتبارهم جزءا من ذلك «الشرق الأوسط» ستحظى بأهمية أقل، فيما الجبابرة يتصارعون.
القدس العربي