مع استمرار الهجمات الصاروخية التي تشنها الفصائل الموالية لإيران على المصالح الأميركية في العراق، تتباين أراء المراقبين في شأن احتمال الرد الأميركي وأشكاله وتوقيته، خصوصاً بعد حديث واشنطن عن أنها سترد في الوقت المناسب.
وفي آخر الهجمات على المصالح الأميركية، استهدفت سبعة صواريخ، الإثنين 15 مارس (آذار) الحالي، قاعدة بلد الجوية التي تضم جنوداً أميركيين في محافظة صلاح الدين شمال بغداد.
حديث متزايد عن هدنة جديدة
وعلى الرغم من إعلان “الهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة” انتهاء الهدنة مطلع الشهر الحالي، إلا أن وكالات محلية عدة تحدثت عن هدنة جديدة بعد مفاوضات خاضها زعماء الميليشيات بوساطة وضمانات إيرانية ولبنانية، في مقابل تقديم طلب رسمي من الحكومة العراقية يدعو إلى خروج القوات الأميركية من البلاد خلال 12 شهراً.
ونفت أطراف داخل تحالف “الفتح” البرلماني الذي يضم معظم قادة الفصائل المسلحة، صحة تلك الأنباء التي تتحدث عن هدنة جديدة.
في المقابل، نفت مصادر حكومة وفق ما نقلته وكالة محلية، أية تدخلات إيرانية أو لبنانية لصياغة هدنة جديدة بين الحكومة والفصائل المسلحة.
وعادت سلسلة الهجمات تلك بوتيرة متزايدة بعد إعلان “الهيئة التنسيقية” انتهاء الهدنة التي عقدت في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2020.
وكانت “الهيئة التنسيقية”، أعلنت في الرابع من مارس الحالي نهاية الهدنة واستئناف الهجمات على القوات والمصالح الأميركية في البلاد، متوعدة بهجمات “في أية بقعة من العراق”.
وأشارت إلى أن “عمليات المقاومة كانت وستبقى ضد قوات الاحتلال وقواعده، ولن تستهدف البعثات الدبلوماسية”.
وتمثل الهيئة جماعة غير معروفة، لكن يعتقد أنها تضم عدداً من الميليشيات الولائية الرئيسة، ومنها “عصائب أهل الحق” و”كتائب حزب الله”.
وكان المتحدث باسم المكتب السياسي لـ “عصائب أهل الحق”، محمود الربيعي، علق في وقت سابق على بيان الهيئة بالقول، إنه “كان واضحاً وجاء كرد فعل طبيعي على العدوان الأميركي المتكرر على مقاتلينا الرابضين على الحدود العراقية – السورية للدفاع عن البلاد وصد زمر داعش”.
وتابع الربيعي، “في هذا البيان أكدنا مسألة الحكومة وقلنا إن الفرصة أصبحت ضيقة جداً أمامها”.
تحسين شروط التفاوض
وتتزايد التوقعات في شأن الرد الأميركي، إذ يرى مراقبون أن هذا الرد مرتبط بسقوط قتلى أميركيين، وهو ما لم يحدث منذ الهجوم على مطار أربيل في فبراير (شباط) الماضي.
ويتواتر مصطلح “تحسين شروط التفاوض” في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني كواجهة تمثل الغاية الرئيسة للفصائل الموالية لإيران، إذ يعتقد مراقبون أن مفاد الرسائل الصاروخية تلك يتعلق بجذب انتباه واشنطن للالتفات سريعاً وحسم الملف النووي، على أن تتغير شروط التفاوض.
ويعتقد رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، أن كل ما يجري من قبل الأذرع الإيرانية في العراق لا يخرج من سياق محاولات “تحسين شروط التفاوض الأميركية مع إيران”.
ويبدو أن الهدف الأبرز من الهجمات على المصالح الأميركية يتمثل في محاولة “جذب أنظار إدارة الرئيس جو بايدن لعدم التفاتها السريع للملف الإيراني”، كما يعبّر الشمري، الذي يبيّن أن ما يجري من استمرار لهجمات الفصائل المسلحة يمثل أيضاً “استخداماً لأوراق ضغط قبل الشروع نحو أية مفاوضات”.
ويلفت الشمري إلى أن قيام الفصائل المسلحة بهجمات جديدة مرتبط بـ “الإشارات التي يمكن أن تصدر من واشنطن إزاء الملف الإيراني”، مشيراً إلى أن استمرار التصلب إزاء طهران يعني “عودة أكبر لخلايا الكاتيوشا”.
وعلى الرغم من حديث مراقبين على أن الرد الأميركي على الهجمات الصاروخية ربما يكون وشيكاً ويتخذ أساليب عدة، يشير الشمري إلى أن “التصعيد الأميركي يرتبط بشكل مباشر بقضية سقوط ضحايا، وهذا الأمر يبدو واضحاً من خلال تتبع سلسة الهجمات التي شنتها واشنطن على حلفاء طهران، وكان آخرها الرد على قصف مطار أربيل”، مبيناً أن “استمرار الهجمات على محيط السفارة والقواعد لن يؤدي إلى تصعيد من قبل واشنطن، لأنه لا يؤثر في الرأي العام الأميركي”.
ويختم أن سقوط أي قتلى أميركيين في الهجمات التي تشنها الفصائل المسلحة “سيؤدي في المرة المقبلة إلى الرد المباشر في العراق، وليس كما حصل في المرة السابقة على الحدود السورية”.
العراق نقطة شروع تصدير “التجربة الإيرانية”
ربما تذهب الغاية الإيرانية في ما يتعلق بحراك أجنحتها المسلحة في العراق إلى ما هو أبعد من مجرد الحصول على مكاسب في أية مفاوضات محتملة، إذ تبدو مرتبطة بإزاحة أية محاولات لمزاحمة نفوذها السياسي والاقتصادي في العراق.
ويرى أستاذ الإعلام غالب الدعمي أن هدف طهران أبعد من قضية تحسين شروط التفاوض مع واشنطن أو خروج القوات الأميركية من العراق، ويتعلق بأمرين أساسيين هما “الحصول على حق إنتاج السلاح النووي، إضافة إلى إفراغ العراق من أي مزاحمين محتملين لنفوذها الأمني والاقتصادي”، مبيناً أن “العراق يمثل نقطة الشروع الأولى لتصدير التجربة الإيرانية لبقية الدول”.
ويضيف، “طهران لا تود أن تتوفر أية مساحة في العراق وإن كانت اقتصادية لأية دولة أخرى، وضمنها دول المحيط الإقليمي، وهذا ربما يعطي انطباعاً عن غاية التصعيد المستمر في البلاد”.
ولعل أية مفاوضات في شأن هجمات الفصائل المسلحة في العراق لا تمثل سوى “تفاهمات ظرفية توقف الهجمات لمدة معينة، لكن الغاية الرئيسة هي إخراج القوات الأميركية”، بحسب الدعمي الذي يشير إلى احتمال “تنازل طهران مرحلياً من خلال تغيير أنماط نشاط تلك الفصائل لصيانة المصالح الإيرانية الداخلية، لكنها لن تتنازل بشكل كامل عن تلك الأذرع التي تمثل منطلق النفوذ الرئيس لها في العراق”.
وفي شأن إمكان الرد الأميركي على الهجمات المتكررة، يعتقد أستاذ الإعلام أن “المعادلة أصبحت مختلفة بعد وصول بايدن إلى البيت الأبيض، ففي السابق كان دونالد ترمب يضرب وتقول إيران إنها ستختار الوقت المناسب للرد، أما الآن فحين تطلق الفصائل المسلحة الصواريخ ترد واشنطن بأنها ستختار الوقت المناسب للرد”، لافتاً إلى أن “المشكلات الداخلية الأميركية جعلت الإدارة الجديدة لا تضع هذه القضية في أعلى سلم أولوياتها”.
برنامج متكامل لاحتواء الميليشيات
قد لا يكون الرد الأميركي على الهجمات المتكررة التي تطال مصالحها في العراق عسكرياً، إذ يبرز سيناريو آخر مفاده أن واشنطن تدفع حكومة مصطفى الكاظمي في اتجاه إفراغ أجهزة الأمن الرسمية من أي نفوذ للميليشيات الموالية لإيران، قبل الشروع في أية خطوات للمواجهة العسكرية.
ويقول المتخصص في الشأن الأمني والسياسي أحمد الشريفي، إن “واشنطن وضعت برنامجاً متكاملاً لاحتواء الفصائل، وبدأت فقرات تنفيذه من خلال عمليات الإصلاح التي تجري في المؤسسات الأمنية”، لافتاً إلى أن “ما يجري الآن هو إفراغ الجهاز الأمني من كل الأطراف القريبة من الميليشيات”.
ويشير الشريفي إلى أن هذا السيناريو يمثل “خط شروع لتقليل نفوذ الفصائل من خلال تقليل سيطرتها على المؤسسات الأمنية، مما يمهد لعزلها عن التأثير في القرار الأمني للبلاد”.
ويتابع، “حال اكتساب المؤسسات الأمنية صفة الاستقلالية ستبدأ مواجهة حتمية مع الفصائل، ربما من خلال حل البرلمان وتشكيل حكومة طوارئ، ومن ثم احتمال الذهاب نحو مواجهة عسكرية”.
وعن شكل الرد الأميركي على الهجمات المتكررة، يلفت الشريفي إلى أن “الصمت الأميركي يدلل على أن واشنطن مترددة في تبني الخيار العسكري خلال الفترة الحالية على الأقل، لأنها تدرك أن تلك الفصائل تبحث عن تسويات وصفقات لترميم وضعها ووجودها في مؤسسات الدولة”.
ويستبعد الشريفي أن تكون تلك الهجمات محاولة من قبل الميليشيات لـ “دفع واشنطن للحوار مع طهران”، إذ يشير إلى أن الميليشيات “تود تحسين شروط التفاوض بالنسبة إليها، سواء مع الفاعلين السياسيين في العراق أو مع واشنطن”.
وبحسب الشريفي، فإن أية هدنة داخلية مع الفصائل ستصب في مصلحة إيران، مبيناً أن “طهران باتت تستشعر خطر استمرار العنف وتأثيره السلبي في موقف حلفائها في العراق”.
طهران تنفي صلتها بالهجمات الصاورخية
ونفت إيران مجدداً صلتها بعمليات القصف التي تطال المصالح الأميركية في العراق، إذ قال سفير طهران الدائم لدى الأمم المتحدة، مجيد تخت روانجي، في رسالة إلى الأمين العام للمنظمة، أنطونيو غوتيريش، الأحد، إن “المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة حاولت اتهام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدعم ما سمته مجموعات ميليشيات غير حكومية في العراق، لكننا نرفض هذا الاتهام بشكل حازم”.
وأضاف، “الجمهورية الإسلامية ليست لها أية صلة بأي هجوم مسلّح من قبل أية مجموعة أو شخص ضد الولايات المتحدة في العراق، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ولذلك ننفي أي مزاعم حول المشاركة المعلنة أو غير المباشرة لإيران في الهجوم على القوات الأميركية في العراق”.
وأتى النفي الإيراني رداً على تصريحات المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد التي أشارت إلى أن الهجمات تلك مدعومة من إيران.
ويتزايد الترقب في الأوساط العراقية في شأن ما ستقوم به واشنطن من رد على الهجمات المتكررة على مصالحها، التي شهدت تزايداً ملحوظاً خلال الأسابيع الأربعة الماضية.
ويأتي ترقب الرد الأميركي على الهجمات الجديدة بعد قصف واشنطن لمواقع على الحدود السورية، كأول رد على الهجوم الصاروخي الذي طال معسكراً أميركياً في مطار أربيل منتصف فبراير الماضي.
أحمد السهيل
اندبندت عربي