تحاول قيادات داعش الإرهابية إعادة ترتيب وضعها وهيكلها التنظيمي والقتالي معتمدة سياسة إستراتيجية ذات أبعاد قتالية تعبوية تسهل لها تنفيذ العديد من المهام القتالية باستخدام أدواتها وتوجهاتها المعروفة والمعتمدة على سياقات عقائدية في التأثير على نفسية المقاتلين والمؤيدين لهم ودفعهم للعمل معهم وتوسيع قاعدة نفوذهم في المناطق الريفية وبعض مراكز الأقضية والنواحي عبر أساليبها الفكرية والتنظيمية في تعزيز التآزر والتآلف بين عناصرها ومؤيدها وتمتين العلاقة بينهم .
وبغية الحفاظ على هذا التوجه والسياق التنظيمي بدأت بالإعتماد على المناطق الجبلية والصحراوية واتخاذها قواعد رئيسة لتمركزها وإعادة تنظيم فاعلية عناصرها وتشكيل قيادتها للقيام بعمليات تعرضية إرهابية تستهدف المقار والمواقع العسكرية والأمنية وفصائل الحشد العشائري في المناطق التي تتسلل اليها في محافظات ( ديالى-صلاح الدين -كركوك ) .
أختارت قيادة التنظيم الإرهابي منطقة (قره جوخ) وهي سلسلة جبلية تمتد من شمال محافظة نينوى وعلى الحدود مع مدينة أربيل ضمن قاطع مخمور جنوب شرقي نينوى بنحو 65كم وبطول يصل الى 40كم وتعد من أطول السلاسل الجبلية في العراق مقرا لعناصرها القتالية وقياداتها التنظيمية لتنطلق منها في مزاولة نشاطها التخريبي وفعالياتها الإرهابية وتنفيذ عمليات القتل والخطف بحق المواطنين الأبرياء وغايتها إثبات وجودها وإعادة الثقة لمقاتليها .
تتميز منطقة (قره جوخ ) بصعوبة تضاريسها وكثرة المخابئ والكهوف فيها وتحيطها الممرات والطرق الجبلية الوعرة والوديان العديدة والغطاء النباتي الطبيعي الذي يغطي معظم المنطقة ويشكل عاملا أساسيا في التخفي والإبتعاد عن أنظار وحركة الجهد الأمني والإستخباري مما يصعب الوصول اليها عبر الخطط العسكرية التقليدية واستخدام الأليات والمعدات القتالية ، وتعتبر منطقة جاذبة للتنظيم وتجمع لعناصره والحفاظ على شبكات الدعم والسيطرة والتسلسل الى الطرق الرئيسة التي تربط بين محافظات (أربيل -كركوك-صلاح الدين-نينوى) مستغلين الطبيعة الجغرافية الصعبة والمعقدة للسلسلة الجبلية المحيطة بها وصعوبة وصول القطعات العسكرية اليها وتطهيرها ، وهذا ما أشار اليه (مركز الروابط للبحوث والدراسات ) بمقاله الموسوم (القيادات الإرهابية بين المواجهة والاندثار ) والذي نشر بتاريخ 7 شباط 2021 .
إن طبيعة السياسة الإستخبارية التي تتبعها الأجهزة الأمنية ومكافحة الإرهاب والتنسيق العالي مع قيادة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ساهمت بالقيام بعدة عمليات تعرضية مستهدفة تواجد العناصر القيادية لتنظيم داعش في منطقة (قره جوخ) إستخدمت فيها الضربات الجوية وعمليات الإنزال النوعي معتمدة على أساليب الرصد الجوي والتصوير الإستخباري والذي تحقق عبر عمليتين مهمتين هما :
أولا : بتاريخ 11 أذار 2021 قامت طائرات القوة الجوية الفرنسية التابعة لقيادة التحالف الدولي ب(30) غارة جوية على عناصر التنظيم الإرهابي بعد معلومات أمنية دقيقة عن تواجدهم في عدد من الكهوف ولم تحقق نتائج تعبوية ضمن السوق العسكري المعروف .
ثانيا : بتاريخ 17 أذار 2021 وبغية تعزيز الجهد العسكري والأمني شرعت قوات النخبة بمكافحة الإرهاب وبالتعاون مع قيادة التحالف الدولي بعملية نوعية خاصة إتسمت بالدقة وإختيار الوقت المناسب للتنفيذ وبمعلومات ميدانية خاصة حصل عليها (مركز الروابط للبحوث والدراسات ) تمكنت القوة المتقدمة من تحقيق غايتها وأهدافها الإستخبارية والقتالية وتوجيه (10) ضربات جوية لمنطقة (قره جوخ) وألحقت خسائر مؤثرة لأهداف تعبوية وقتالية تابعة لتنظيم داعش الإرهابي والتأثير على توجهاتهم وخططهم بعد أن تحولت هذه المنطقة الجبلية الى قاعدة لإنطلاق عناصرهم الى داخل المدن والقصبات والقرى وتنفيذ عملياتهم التخريبية .
إهتم مركز الروابط للدراسات بطبيعة وحركة تنظيم داعش الإرهابي الأخيرة ودرس أبرز توجهاته وحدد مهام المرحلة التي يعيشها وفق الملاحظات والاستنتاجات التالية :
1. لا يزال التنظيم الإرهابي محتفظا بقدرته على التواجد في المناطق الجبلية والصحراوية التي ينطلق منها في تنفيذ عملياته التعرضية والتي يعتبرها أماكن آمنة له ولعناصره لبعدها وتحقق له أهداف تعبوية تساعده في حرية الحركة والتنقل .
2.تتمتع قيادات داعش بحركة متناسقة ودقيقة بأعداد من العناصر تستخدمهم كمجموعات قتالية وبخطط عملية تواصل فيها تنفيذ هجماتها على المناطق والأماكن الرخوة التي تحددها في الأقضية والنواحي التابعة للمحافظات القريبة من أماكنها .
3.استخدام أسلوب الاختيار النوعي والعددي للعناصر المكلفين بالعمليات الإرهابية وباعداد لا تتعدى (10) مقاتلين للحفاظ على تنفيذ العملية ومقدار النجاح المتحقق وحماية العناصر المنفذة أثناء الإنسحاب وتقليل الخسائر وهو أسلوب أتبع في العديد من العمليات التي نفذت مؤخرا في أماكن عديدة تابعة لمحافظات (صلاح الدين-ديالى -كركوك ) .
4.اتباع اسلوب دقيق في تحديد المكان والزمان لتنفيذ العمليات وبتوفيت واحد واتجاهات معروفة والهدف أن تصل الأيادي والأدوات الخبيثة بشكل متناسق الى أهدافها وايجاد فاصل زمني لا يستغرق أياما بين عملية وأخرى وفق إعداد ميداني دقيق ومدروس من الناحية التعبوية .
5.اعتماد الكهوف والمخابئ في السلسلة الجبلية في منطقتي (حمرين وقره جوخ ) معسكرات تدريبة خاصة لعناصر التنظيم واعدادهم قتاليا وفكريا وفق برنامج محدد لإلقاء المحاضرات الفكرية والعقائدية تركز على مضامين وأهداف التنظيم الإرهابي .
6.تسعى قيادات داعش للإهتمام بشريحة الشباب واعتمادها منطلقا في تحركاتهم بغية تدعيم السياسة الداخلية في المناطق التي يمكن لها أن تتواجد فيها وتنفيذ برنامجها ومنهجها في قيادة المجتمع والإستفادة من حماس وإندفاع الشباب .
7.عمل التنظيم الإرهابي على توسيع مواجهته القتالية في بعض الأماكن الواقعة في (غربي محافظة صلاح الدين وشمال شرقي محافظة ديالى وجنوبي محافظة نينوى ) واستهداف المقار الأمنية والعسكرية وقيادات الحشد العشائري والتأثير على معنويات المقاتلين فيها وزرع حالة الإحباط في نفوسهم .
8.يتمتع عناصر داعش بمرونة في التحرك والتنقل بين المدن والأرياف بسبب معرفتهم بالبيئة العراقية واستطلاعهم المستمر للمناطق الرخوة من الناحية الأمنية وإمكانية جمع المعلومات التي تفيدهم في تنفيذ عملياتهم .
يبقى هناك عاملا مهما في طبيعة ودراسة واستمرارية تنظيم داعش الإرهابي بتواجده في منطقة (قره جوخ) تتعلق بوجود (5) مقار وتشكيلات وخلايا قتالية تابعة لحزب العمال التركي في قمم جبل مخمور وهي ثغرة أمنية تساهم في دعم واسناد العناصر الإرهابية المرتبطة بداعش والتي تتخذ من الممرات الجبلية المحيطة بجبل مخمور أماكن لتواجدها وحركتها وهذا الأمر يزيد من أسباب عدم المعالجة الكاملة والدقيقة لمكافحة الإرهاب وهو واقع ميداني يعمل عليه حزب العمال التركي لإبقاء الحال كما هي خدمة لتواجدهم في القمم الجبلية.
وحدة الدراسات العراقية