بيروت – لا يعرف اللبنانيون بالضبط سعر الليرة كي يعرفوا القيمة الفعلية لأموالهم المدخرة في البنوك حاليا، وهناك ما لا يقل عن أربعة أسعار صرف مختلفة يتم من خلالها تحويل الليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي.
وفيما يستفيد الأغنياء من تنوع أسعار الصرف يدفع الفقراء وصغار المودعين فاتورة ذلك.
وبعد انزلاق لبنان في أزمة اقتصادية قبل عام ونصف العام فقدت العملة قيمتها بشكل حاد في السوق المفتوحة، حيث خسرت 80 إلى 90 في المئة من قيمتها. كما مُنع اللبنانيون من سحب الدولارات المودعة قبل الأزمة الاقتصادية، ولم يعد أمامهم سوى السحب بالليرة اللبنانية، ولكن بخسارة مقارنة بسعر السوق.
وقال العديد من المصرفيين والاقتصاديين إن مدخرات اللبنانيين يتم إخضاعها لنظام المراجحة لتقليل الخسائر المصرفية مع الحفاظ على امتياز وصول الأغنياء إلى السيولة، بفضل العلاقات الحزبية والطائفية أو “الواسطة” التي سمحت للكثيرين منهم بإنقاذ مدخراتهم من النظام المنهار.
وفرضت الأزمة تكلفتها على المودعين الصغار والمتوسطين في البلاد. ولم يعلن أيّ من بنوك الدولة إفلاسه، وتم تجاهل اقتراح سابق يفيد بفرض تخفيض رأس المال فقط على كبار المودعين أو المساهمين.
وساعد غياب قانون ضوابط رأس المال الأثرياء على تحويل أموالهم إلى بنوك في سويسرا أو فرنسا. وتشير تقارير إلى أنه كان من الممكن تهريب ما يصل إلى ستة مليارات دولار إلى خارج البلاد.
وكان على المودعين اللبنانيين الصغار والمتوسطين، بمن فيهم المحتجون الذين حذروا من الانهيار في عام 2019، التعامل مع الأمر الواقع رغمًا عنهم؛ فإما تجميد حساباتهم أو الانسحاب بخسارة فادحة.
واعترف مصرفي كبير، تحدث إلى “فورين بوليسي” شرط عدم الكشف عن هويته، بأن الأثرياء استخدموا علاقاتهم السياسية لتحويل أموالهم إلى الخارج.
وقال المصرفي “فرضت البنوك قيودا صارمة على رأس المال بهدف وقف الانهيار المالي. ومع ذلك ضغطت النخبة السياسية والثرية على البنوك لتحويل الأموال إلى الخارج”.
وقال نزار غانم، المحلل اللبناني في السياسة الاقتصادية ومدير مؤسسة تراينغل البحثية، إن تكلفة الأزمة المالية يتم إلقاؤها عمدًا على عاتق الأضعف.
وأضاف “يتعمد البنك المركزي السماح بإجراء التجارة بأسعار صرف متعددة؛ فمن ناحية يمنع الناس من سحب الأموال ويحافظ على البنوك آمنة، ومن ناحية أخرى إذا قاموا بسحب الأموال فإنهم يتحملون الخسائر”.
وفشلت الحكومة حتى الآن في تقديم خطة مالية ونقدية متماسكة لإخراج الاقتصاد من الأزمة واستمرت في التباطؤ في الإصلاحات التي طالب بها صندوق النقد الدولي قبل أن يقدم ما يحتاج إليه الاقتصاد للانتعاش.
وبدلا من ذلك أصبح المجتمع الدولي عالقا في مأزق؛ فمن جهة لا يستطيع صندوق النقد الدولي تقديم قروض دون إنجاز إصلاحات، ومن جهة أخرى لا يستطيع أن يترك الفقراء يتضورون جوعاً.
ووفقًا للأمم المتحدة كان يُنظر إلى أكثر من 55 في المئة من سكان البلاد على أنهم “محاصرون في (دوّامة) الفقر ويكافحون من أجل الحصول على الضروريات” في عام 2020 مقارنة بنسبة 28 في المئة في عام 2019.
وقرر البنك الدولي تقديم 246 مليون دولار لأفقر الطبقات، لكن قرار البنك المركزي إصدار هذه المساعدات عند سعر 6240 ليرة مقابل الدولار، أي نصف سعر السوق، تسبب في إثارة غضب واسع النطاق.
وأراد البنك المركزي اللبناني ظاهريًا استخدام ما تبقى من الأموال لمواصلة دعم الطحين والوقود والأدوية. لكن نشطاء قالوا إن “الدعم أصبح أداة في يد الطبقة الحاكمة الفاسدة للسيطرة على الغضب الشعبي ويتم استغلاله بشكل أكبر للحصول على عمولات، ومن خلال التهريب، لدعم الحلفاء الإقليميين”.
وتساءل غانم “لماذا يتم دعم الفياغرا؟ يسيطر عدد قليل من العائلات على صناعة الأدوية في لبنان، وتقرر هذه العائلات ما يتم دعمه لتحقيق أرباحها الخاصة. لقد مارست ضغوطًا ضد القانون بشأن ما يجب دعمه بالضبط”.
وقال المحلل المستقل سامي نادر إن دعم الوقود تم استغلاله لتهريب الوقود الرخيص إلى سوريا وبالتالي دعم نظام الرئيس بشار الأسد.
وأضاف “الإعانات لا تدعم الفقراء بل التجار والمهربين الذين يهربون الوقود إلى سوريا وبالطبع القوى التي تحميهم. وفي جميع أنحاء العالم، أفضل طريقة لدعم الفقراء هي التحويل النقدي”.
العرب