ليست هناك حرب بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، ولا ينفع، في سياق المفاوضات الجارية بين البلدين (وإن بشكل غير مباشر حتى الآن) حول العودة للاتفاق النووي، مقارنة القوّة الأمريكية بقوة الجمهورية الإسلامية، لتقديم تفسير مفهوم لحيثيات ما يحصل حاليا، والمقصود بذلك طبعا، الإشارات الإيجابية التي نتجت عن اجتماع فيينا الدولي، وإعلان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أمس أن واشنطن مستعدة لرفع العقوبات عن إيران «حتى تلك التي قد تتعارض مع الاتفاق النووي».
على عادته، قابل الرئيس الإيراني حسن روحاني التصريح الأمريكي الأخير بالتأكيد مجددا على مطالبة أمريكا بالعودة إلى الاتفاق النووي مع رفع العقوبات، متابعا في ذلك استراتيجية إيرانية ثابتة وسلسلة طويلة من التصريحات التي التزمت فيها القيادة الإيرانية بمطالبة واشنطن برفع العقوبات قبل موافقة طهران على عودة الاتفاق النووي.
لا يمثل موقف واشنطن تغييرا مفاجئا، فإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض، بدأت سلسلة خطوات متكاملة فيما يخص «الشرق الأوسط» عموما، وإيران خصوصا. كان أول هذه القرارات رفع اسم جماعة «أنصار الله» اليمنيين عن قائمة الإرهاب، والحوثيون، كما هو معلوم، حلفاء وثيقون لإيران، وخصوم أشداء للمملكة العربية السعودية.
لم تكتف القيادة الإيرانية بالتقاط الإشارة، لكنّها قامت بالتصعيد فيما يخص الملف النووي، حيث أعلنت عن حيازتها لكميّة كبيرة من اليورانيوم، وعن تخصيبه بنسبة نقاء 20٪، وهي نسبة غير مسموح بها بموجب الاتفاق النووي الملغى، وكان البرلمان الإيراني أصدر قانونا يسمح بإنتاج وتخزين «ما لا يقل عن 120 كيلوغراما سنويا من اليورانيوم المخصب بنسبة 20٪» ويدعو لإيقاف عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
انعكس التصلّب الإيراني في الساحات العربية التي تمتلك فيها نفوذا كبيرا، فاستمر استهداف القواعد الأمريكية وأرتال قوات «التحالف» في العراق، واستمرّ نشاط الميليشيات الإيرانية في سوريا (بما فيها تشكيل لواء باسم قاسم سليماني) وامتنع تشكيل الحكومة في لبنان.
إضافة إلى تهديدها بالسير في المسار النووي إلى آخره، وتحريك أذرعها الطويلة والقويّة في الإقليم، أقدمت طهران على خطوة استراتيجية كبيرة بتوقيعها، الأسبوع الماضي، اتفاق تعاون استراتيجي واقتصادي وأمني مع الصين لمدة 25 عاما، من تفاصيله تعهد بكين بشراء كميات كبيرة من النفط والغاز الإيراني لقاء ثمن مخفض، مما يوفّر احتياطا كبيرا للصين، وسيولة كبيرة للنظام الإيراني، وهي خطوة ستضعف كثيرا الحصار الاقتصادي الأمريكي لطهران.
يشمل الاتفاق أيضا استثمارات صينية بحدود 400 مليار دولار، بشكل يربط الاقتصادين والعملتين بشكل وثيق. يتضمن الاتفاق أيضا بنودا تتعلق بالتعاون العسكري والاستخباراتي والتنسيق الدبلوماسي، وبمد واسع لشبكة الإنترنت، وتتخذ الصفقة شكل تقديم طاقة رخيصة للصين، ومد أوسع لنفوذها نحو المنطقة مقابل الحفاظ على النظام الإيراني.
في إطار عملها الاستراتيجي الأكبر على محاولة مواجهة الصين، تبدو هذه الخطوة الإيرانية الأخيرة خرقا مؤثرا يجب التحسّب منه، وهو، على الأغلب، ما يفسّر هذه الوعود الأمريكية الجزلة، التي لم تقتصر على الاستعداد لرفع العقوبات بل تتضمن أيضا تنازلا إضافيا بالحديث عن العقوبات «التي تتعارض مع الاتفاق النووي».
معلوم، مع ذلك، أن قرارات الإدارة الأمريكية، تحتاج موافقة الكونغرس حيث توجد معارضة واسعة لإيران، غير أن الإشارات تقول إن العودة نحو الاتفاق النووي صارت أقرب للاحتمال من العودة للصراع المحفوف بالمخاطر مع طهران.
القدس العربي