بدأت الصين منذ يناير/كانون الثاني 2018 الاهتمام بالقطب الشمالي، وأعلنت سياسة لتأمين مصالحها القطبية، وتراهن على شق طريق هناك يجنبها أي إعاقات جديدة في ممرات التجارة البحرية التقليدية.
وفي مقال لموقع “ناشونال إنترست” (National Interest) كتبه أندرو لاثام أستاذ العلوم السياسية بكلية ماكالستر بولاية مينيسوتا الأميركية، ذكر فيه أن الصين نشرت وثيقة قبل 3 أعوام دعت لمشاركة صينية أكبر في منطقة القطب الشمالي لاستكشاف الموارد واستغلالها.
وقال لاثام إن الأحداث التي وقعت في قناة السويس مؤخرا تجعل العالم يدرك جيدا، مرة أخرى، أن الانسداد العرضي لإحدى نقاط الاختناق البحرية يمثل خطرا دائما، لكن الخطر الحقيقي، الذي يُبقي شركات التأمين البحري والمخططين الإستراتيجيين البحريين قلقين، هو احتمال الإغلاق المتعمد للممرات البحرية بالقوة العسكرية، إما أثناء الحرب أو في النزاعات دون الحرب.
وأشار إلى أنه من الممكن إغلاق هذه الممرات أوقات النزاع بواسطة الألغام أو الصواريخ أو الحصار، و(بذلك) تصبح العواقب الجيوسياسية والاقتصادية كارثية.
أهمية القطب الشمالي
إن المنطق الكامن وراء السياسة الصينية الجديدة ذو شقين، فهناك قدر كبير من النفط والغاز الطبيعي والموارد الطبيعية الأخرى التي يمكن الوصول إليها بشكل متزايد مع ذوبان الجليد في القطب الشمالي، إذ تظهر دراسات مختلفة أن القطب الشمالي يحتوي على ما يقدر بنحو 22% من موارد الوقود الأحفوري غير المكتشفة بالعالم، مع احتمال 90 مليار برميل من النفط و1670 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي تحت المياه الدولية المتنازع عليها في المنطقة.
وتحتوي المنطقة أيضا على رواسب كبيرة من العناصر الأرضية النادرة، وهي معادن ضرورية لتقنيات متطورة عسكرية وحاسوبية وصديقة للبيئة، مثل المركبات الكهربائية وتوربينات طاقة الرياح والألواح الشمسية، و(تقدر) الصين كلا من الفرص التجارية والإستراتيجية في القطب الشمالي وهي تستعد لاستغلال تلك الفرص.
ومن ناحية أخرى، وبنفس القدر من الأهمية، تهتم بكين بالقطب الشمالي لأنه يقدم طريقا أقل عرضة للخطر إلى السوق الأوروبية، ففي الوقت الحالي، يجب أن تمر الغالبية العظمى من تجارة الصين مع الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا عبر اثنين على الأقل من الممرات البحرية في العالم: مضيق ملقا إلى مضيق هرمز، ومن ملقا إلى باب المندب وقناة السويس.
وإدراكا للضعف الإستراتيجي المتأصل في هذا الوضع، بدأت بكين بشكل طبيعي في البحث عن بدائل، وكان أحد البدائل هو الاستثمار في طرق التجارة البرية البديلة من خلال مبادرة الحزام والطريق عبر باكستان، والبحرية عبر بنما.
الانسداد العرضي لإحدى نقاط الاختناق البحرية كقناة السويس يمثل خطرا دائما (الأوروبية)
الطريق إلى أوروبا
ولكن ربما كان النهج الأكثر طموحا هو البحث عن طريق إلى أوروبا وما بعدها يتجنب جميع نقاط الاختناق الرئيسية، ويكون أقل عرضة للاعتراض من قبل القوى المعادية. هذا المسار، الذي يمر حرفيا عبر الجزء العلوي من العالم، هو طريق عابر للقطب الشمالي، على عكس طريق البحر الشمالي، وهو ممر قطبي بديل آخر يمتد على طول ساحل القطب الشمالي الروسي وداخل المياه الروسية.
وهذا الطريق البديل العابر للقطب (Transpolar Route) يقع بالكامل تقريبا في المياه الدولية، ويمتد من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي عبر مركز المحيط المتجمد الشمالي، ويمر بالقرب من القطب الشمالي.
وفي حين أن الغطاء الجليدي القطبي لا يمكن الملاحة فيه حاليا إلا بواسطة كاسحات الجليد الثقيلة، وبالتالي فهو غير مناسب لحركة الملاحة البحرية التجارية، فإن انكماش الغطاء الجليدي القطبي بحلول عام 2030 سيجعله سالكا بواسطة السفن التجارية.
مثل هذا الطريق له مزايا تجارية مقنعة، للرحلات بين أوروبا والصين، يمكن أن يكون طريق البحر الشمالي أسرع من قناة السويس بأسبوعين إلى 3 أسابيع، ومن خلال قطع القطب الشمالي مباشرة، يمكن أن يوفر الطريق العابر للقطب يومين إضافيين، بالإضافة إلى الميزة الإستراتيجية المتمثلة في عدم المرور عبر أي من نقاط الاختناق الرئيسية في العالم.
إن الوقت فقط سيحدد ما إذا كان الطريق العابر للقطب سيكون واقعا، وإذا كان تغير المناخ وتقلص الغطاء الجليدي القطبي سيجعله طريقا بحريا سريعا قابلا للتطبيق حقا، فإن بكين تراهن على ذلك. وقد تؤدي الأحداث الأخيرة في السويس إلى مضاعفتها لهذا الرهان.
المصدر : ناشونال إنترست