زيارة أوروبية إلى أنقرة على مستوى عال هي آخر مستجدات العلاقات التركية الأوروبية التي تشهد توترا نوعيا منذ أكثر من عام، بسبب التطورات في منطقة شرق المتوسط. وكانت بداية الخلاف من ليبيا، عندما سجّلت بلدان أوروبية، وخصوصا فرنسا، اعتراضها على اتفاق أنقرة مع حكومة فايز السرّاج على مذكرة التفاهم للتعاون الأمني والعسكري، والذي تلاه طلب السرّاج رسميا من الدولة التركية مساعدة قواته عسكريا، وهذا ما حصل، وأدى إلى تغيير موازين القوى. وبدلا من أن تدخل قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر طرابلس انكفأت، بعد خسارتها سلسلة من المعارك والقواعد الأساسية في مدن الساحل الغربي. وبفضل ذلك، انتقل الملف الليبي الى مستوى جديد. وتعد واحدة من النتائج المهمة حصول مباحثات تونس بين الأطراف الليبية، والتي أسفرت عن توافق على خريطة طريق لحل الأزمة، ولكن هذه التطورات لم تبعث على الارتياح في باريس التي استنفرت الاتحاد الأوروبي، والذي فرض عقوبات إضافية على أنقرة بذريعة “أنشطة تركيا المزعزعة للاستقرار في شرق المتوسط”، والمقصود من ذلك دورها في ليبيا، وعمليات التنقيب التي قامت بها في البحر المتوسط، وهو ما اعتبرته بعض دول أوروبا تهديدا لمصالح قبرص اليونانية واليونان. وكان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، سعيدا بذلك، واعتبر إن العقوبات الجديدة “تُظهر أن الاتحاد الأوروبي لن يقبل بعد الآن أي أعمالٍ مزعزعةٍ للاستقرار في نطاقه”، في حين بقي الباب مفتوحا بين أنقرة والاتحاد الأوروبي، بسبب تمايز بعض الأطراف الأوروبية الأخرى، ومنها رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، الذي علق بعد صدور العقوبات بقوله إن الاتحاد يريد “تعاونًا مسؤولاً مع تركيا” بشأن هذه القضية. وقادت هذه الروحية إلى تحديد موعد اللقاء الجديد الذي استضافته أنقرة يوم الثلاثاء الماضي، وشارك فيه من الجانب الأوروبي شارل ميشيل ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين.
كانت النتائج التي انتهت إليها الاجتماعات إيجابية، حسب توصيف الطرفين. ويعود الفضل في ذلك إلى الروحية التي تحليا بها، وعبر عنها الوفد الأوروبي من خلال القدوم إلى أنقرة للمشاركة في اجتماعات فيزيائية في زمن كورونا. وسبق ذلك موقف تركي تمثل في وقف نشاطات التنقيب عن النفط والغاز. ومن الملفات التي توقف أمامها الطرفان الهجرة والاقتصاد. ويدرك الاتحاد الأوروبي أهمية الدور الذي تلعبه تركيا في مواجهة الهجرة السورية إلى أوروبا. وعلى هذا الأساس، اتفق الطرفان عام 2016 على تنظيم العملية، ووقع على تركيا التزام ضبط الهجرة مقابل تعهدات أوروبية، منها إلغاء تأشيرة دخول بلدان الاتحاد للمواطنين الأتراك، وإعطاء تركيا تسهيلات جمركية، وبدء مفاوضات من أجل اتفاقية الاتحاد الجمركي، وتقديم ستة مليارات دولار حتى 2018، من أجل برامج لمساعدة اللاجئين السوريين. ولكن الجانب الأكبر من الاتفاقية بقي حبرا على ورق، ففي حين التزمت تركيا بوقف سيل الهجرة، لم يف الاتحاد الأوروبي بالتعهدات الأساسية، التأشيرة واتفاقية الاتحاد الجمركي والمساعدات المالية التي بقيت عند حدود مليار دولار.
أملت المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة الجولة الجديدة من المفاوضات. ولو لم تكن تركيا تمثل أهمية خاصة لما زارها أكبر مسؤولين أوروبيين في ظروف كورونا، وفي ظل التوتر التركي الفرنسي الذي رفعت من منسوبه الحرب بين أرمينيا وأذربيجان، وموقف تركيا المساند للأخيرة، والذي أدّى إلى حسم الحرب لصالحها. وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يضع شروطا قاسية على انضمام تركيا، وليس هناك أي أفق للمسألة في المدى المنظور، فإن دول الاتحاد تخشى من التقارب بين موسكو وأنقرة، وتعمل على جذب أنقرة نحو أوروبا، ولكن هذا الأمر يحتاج إلى صيغة متطورة من التعاون، وليس مجرّد خطوة لتبريد الأجواء.
بشير البكر
العربي الجديد