كيف أسست المراسيم البابوية في القرن الخامس عشر للهيمنة الغربية على العالم

كيف أسست المراسيم البابوية في القرن الخامس عشر للهيمنة الغربية على العالم

حقائق غير مريحة – الإرث الدائم وغير الإنساني لمذهب الاستكشاف” هو كتاب للمؤلفين مارك تشارلز وسون تشان راه يعود إلى ما قبل 500 سنة حيث مهدت مراسيم بابوية صدرت آنذاك للهيمنة الغربية على العالم اليوم في سياق مذهب الاستكشاف.

واشنطن – نجح مؤلفا كتاب “حقائق غير مريحة – الإرث الدائم وغير الإنساني لمذهب الاستكشاف” مارك تشارلز وسون تشان راه في سبر أغوار تاريخ ما قبل الاستعمار وما رافقه من إجراءات في إطار التأسيس لـ”مذهب الاستكشاف” وتداعياته على الواقع الراهن في العالم.

ومثل مذهب الاستكشاف، الذي أفرزته سلسلة من المراسيم البابوية في القرن الخامس عشر، أساس جل الهيجان المدمر للاستعمار الأوروبي في معظم مناطق العالم.

وكان تطبيقه ناجحا في نصف الكرة الغربي حيث قضت المستعمرات الإسبانية والبرتغالية والبريطانية على الكثير من السكان الأصليين وشرّع لـ”امتلاك” الأرض باسم التاج. وفي المستعمرات البريطانية في كندا وأستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة عانى السكان الأصليون من التطهير العرقي والإبادة الجماعية المستمرة.

ورأى الكاتب الأميركي جيم مايلز خلال عرضه لكتاب “حقائق غير مريحة – الإرث الدائم وغير الإنساني لمذهب الاستكشاف” أن الأمر الأكثر إثارة للدهشة يبقى هو أن هذه المراسيم البابوية، التي كتبها باباوات الروم الكاثوليك منذ أكثر من 500 سنة، لا تزال تُستخدم كوثائق قانونية ضد ملكية السكان الأصليين للأرض وأي حقوق لهم.

وأفاد مايلز بأنه “لا يستخدم النظام القانوني الكندي المراسيم بشكل مباشر، لكنه يشير إلى استخدامها في الولايات المتحدة حيث استخدمت قضية سبارو في كولومبيا البريطانية في عام 1990 قرار جونسون ضد ماينتوش الصادر عن المحكمة العليا الأميركية في 1823، والذي نص على حق المستكشفين في أراضي الهنود، إما عن طريق الشراء أو الحرب العادلة”.

والنتيجة في هذه القضية “تؤكد أن هذه الحقوق، حقوق السكان الأصليين، ليست مطلقة ويمكن انتهاكها عند تمكين الحكومة من تبريرها قانونيا”.

أقدم بعض المسيحيين البيض العنصريين قبل خمسمئة عام على إطلاق تصريحات عنصرية بشأن قبول الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والعبودية التي لا تزال تستخدمها الحكومتان الكندية والأميركية في القرارات القانونية ضد السكان الأصليين.

وروجتا للرق واقترنتا بالتطهير العرقي وإبادة السكان الأصليين الجماعية، ووضعتا كندا والولايات المتحدة على مسارهما الحالي في محاولة دعم الهيمنة الغربية على بقية العالم.

لقد مثلت ملاذا لكنس الآخرين (السكان الأصليين) استنادا إلى قطعة من الورق كان يجب أن تُحرم من الشرعية الآن، إن لم يكن منذ أجيال، حيث أن القانون الدولي الإنساني وقانون الحرب لن يقبلا بمثل هذا المذهب.

وفي كتاب “حقائق غير مريحة – الإرث الدائم وغير الإنساني لمذهب الاستكشاف” يستكشف المؤلفان مارك تشارلز وسون تشان راه، وكلاهما من القساوسة المسيحيين، تاريخ إعلان هذه المراسيم البابوية وعواقبها.

ومن المثير للاهتمام أن الكتاب لا يقدم نصوص المراسيم على الرغم من أنها قصيرة جدا وسهلة الفهم. ومع ذلك فإنهما وفرا موجزا.

ويوضح المؤلفان أن “مبدأ الاستكشاف هو مجموعة من المبادئ القانونية التي تحكم القوى الاستعمارية الأوروبية، لاسيما في ما يتعلق بإدارة أراضي السكان الأصليين. إنها السابقة القانونية الأساسية التي لا تزال تتحكم في شؤون السكان الأصليين وحقوقهم، قانون دولي صيغ في القرنين الخامس عشر والسادس عشر”.

ويقول جيم مايلز إن ذلك يعد “وهما وادعاء على الرغم من حقيقة قبوله كقانون دولي، فهو مذهب ديني عنصري لا ينبغي أن يكون له أي سلطة قانونية”.

ويشدد على أنه “لا يؤدي منح السلطة القانونية المستمرة إلا إلى تعريف المجتمعات الكندية والأميركية على أنها عنصرية من الناحية القانونية، وداعمة لحروب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي لنهب ثروة العالم”.

ويُعد كتاب “حقائق غير مريحة” سلسلة من المقالات القصيرة مرتبة ترتيبا تاريخيا تصف كيفية إساءة استخدام المراسيم على مدى قرون وكيف كانت عنصرا رئيسيا في إنشاء المستعمرات البريطانية في أميركا الشمالية وتغييراتها اللاحقة إلى دول مستقلة.

وينتقد المؤلفون المستوطنين البيوريتانيين باعتبارهم المروجين الرئيسيين لهذه الأيديولوجيا العنصرية، ويطبقون نفس النقد الشديد على إعلان الاستقلال والدستور بعد التطرق إلى أبراهام لينكولن.

كان لينكولن موضوع فصلين؛ يغطي الثاني تطبيقه للحقوق السيادية على النحو المحدد في مذهب الاستكشاف من أجل إبادة السكان الأصليين بشكل دائم بطريقة أو بأخرى. بينما ناقش الفصل الأول حججه خلال فترة توليه منصبه ويظهر أنه لم يكن ضد العبودية في حد ذاتها، ولكنه كان قلقا بشأن إبقاء الولايات الاتحادية معا تحت سيطرة القوة الاقتصادية التي تمتعت بها الولايات الشمالية.

وحتى اليوم لا يزال يُعتمد التعديل الثالث عشر لدستور الولايات المتحدة الذي أقره مجلس النواب في 1865، وفي سبيل الحفاظ على التفوق الأبيض، بعيدا عن مؤسسة العبودية البشعة، أنشِئ مستوى ثانٍ من المواطنة خاص بالأشخاص الملونين وألغِيت العبودية بكافة أشكالها باستثناء ما يتعلق بمن أدِين بجريمة.

واليوم تعكس أعداد السجناء سواء من حيث الأرقام الأكبر في العالم أو النسب المئوية الأعلى هيمنة غير البيض على هذه الفئة حيث أبقت القوانين التمييزية والعنصرية المؤسسية الرق على قيد الحياة.

أميركا ليست أمة مسيحية
بالإضافة إلى التفكيك العلماني، يقدم المؤلفان أيضا حججا حول الافتقار إلى المبادئ المسيحية في الولايات المتحدة. ويقدم المؤلفان الولايات المتحدة على أنها محاولة لتأسيس “العالم المسيحي” بحجة أنها “لا يمكن أن توجد مع تعاليم يسوع”.

ويريان أن العالم المسيحي (الأمة الأميركية) وهو الكيان المادي الذي يشمل المسيحية في الولايات المتحدة قد “استغل نفسه للإمبراطورية، والحاجة إلى معالجة الخطايا مثل الأراضي المسروقة، والمعاهدات المحطمة، والإبادة الجماعية، والعبودية، والتمييز على أساس الجنس، والظلم المنهجي، والتفوق الأبيض، مع تجاهل الكنائس الأميركية العالم المسيحي نفسه أو رفضه تماما”.

وقال جيم مايلز إنه في مواجهة مذهب الاستكشاف “ليس لدى الكنيسة أي استجابة لاهوتية ذات مغزى (…) ليس للسرد المختل للاستثنائية الأميركية أي أساس في الكتاب المقدس”.

وتلخص حجة المؤلفين الأخيرة بإيجاز أن “الكنيسة في أميركا ليس لديها ما تقدمه” للعالم المسيحي.

سواء قبل القارئ الحجج اللاهوتية التي قدّمها المؤلفان أم لا، يجب فحص الحجج القانونية وحالة العالم اليوم من زاوية الأفكار الصادرة بموجب عقيدة الاستكشاف.

ولمذهب الاستكشاف سلطة قانونية مستمرة لا تستخدم إلا لتعريف المجتمعات الكندية والأميركية على أنها عنصرية من الناحية القانونية، وهي داعمة لحروب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي من أجل افتكاك ثروة العالم.

ورأى جيم مايلز أنه “لا ينبغي أن يكون لوثائق الكنيسة القديمة سلطة قانونية اليوم، لاسيما في ضوء القانون الإنساني الدولي الحديث وقانون الحرب، والفصل النظري الغربي بين الكنيسة والدولة، ولا أن يكون مقبولا على الإطلاق لأنه لا يقوم سوى على أساس العنصرية وتفوق البيض”.

وتنبع محاولات الولايات المتحدة للهيمنة على العالم من هذه العقيدة، مع التركيز الرئيسي على استخدام القوة، كما أثبتت الحروب الهندية، وجميع حروبها الإمبريالية منذ ذلك الحين.

وجاءت العديد من الحجج من أجل “الحروب العادلة” تحت ستار المسيحية والديانات الأخرى، لكن لا يمكن أن تكون الحرب “عادلة” بالمعنى الحقيقي للعدالة المزعومة فكل الناس يخسرون في الحروب باستثناء المؤسسات المستفيدة من حرب الفائز.

وتنتشر أمثلة التفوق الأبيض في الولايات المتحدة في الأحداث الحالية، وبينما يتم التقليل من أهمية مُثُل التفوق الأبيض، فإنه لا يزال توافر التيارات الخفية الداعمة للحروب على أساس “الحق في الحماية” و”الحرية والديمقراطية” و”الديمقراطية مقابل الأوتوقراطية” كما نرى مع الضجيج الإعلامي ضد روسيا والصين.

الولايات المتحدة “المزدهرة” ارتبطت في فترة ترامب بالعنصرية المفتوحة والواضحة

كما تطرق المؤلفان إلى إسرائيل وفلسطين حيث يقولان إنه “عندما رسم نتنياهو علنا كلا من الولايات المتحدة ودولة إسرائيل القومية الحديثة على أنهما ‘أراض موعودة’، كشف عن العلاقة المختلة والاعتمادية المشتركة الموجودة بين البلدين. تحتاج الولايات المتحدة إلى إرث إسرائيل من العهد القديم من الأراضي الموعودة لتبرير تاريخها (…) وتحتاج دولة إسرائيل الحديثة إلى استمرار ازدهار الولايات المتحدة لتبرير أفعالها غير العادلة الحالية ضد الفلسطينيين والبدو”.

قد تكون فكرة الولايات المتحدة “المزدهرة” نبيلة، لكن الحقيقة خاصة كما كشفتها السنوات الأربع تحت حكم الرئيس دونالد ترامب والعنصرية المفتوحة والواضحة داخل الولايات المتحدة تنفي أي ازدهار.

وتبقى القطاعات الوحيدة في الولايات المتحدة التي تزدهر هي صناعات الشركات العسكرية، ونسبة الواحد في المئة من أثرى الأثرياء، والعديد من السياسيين المستفيدين من الفئتين السابقتين. لسوء الحظ، إلى أن تتمكن الولايات المتحدة من الإقرار بأن هياكلها أبوية عنصرية ومتحيزة جنسيا فإنها ستستمر في التراجع في سعيها للهيمنة في مواجهة المجتمع العالمي الذي يحاول تخليص نفسه من الهيمنة الأميركية ماليا وعسكريا.

في المحصلة وبالعودة إلى حجة المؤلفين، تستمر الكنيسة في الولايات المتحدة في دعم السياسيين والسياسة الخارجية والعلاقات غير الطبيعية مع إسرائيل ويبدو أنها غير قادرة على فعل أي شيء حيال ذلك. ويظل كتاب “حقائق غير مريحة – الإرث الدائم وغير الإنساني لمذهب الاستكشاف” قراءة ممتعة ومفيدة حول كيف خلقت الكنيسة ومعتقداتها ضمن المعايير العامة للعنصرية “الغربية” أو الأوروبية بلدا سيجد صعوبة كبيرة في قبول صدماته ثم التعامل معها.

العرب