استراتيجية القضاء على الجوع تعدُ بمجاعات أكبر مستقبلا

استراتيجية القضاء على الجوع تعدُ بمجاعات أكبر مستقبلا

لندن – تتسع التحذيرات من الآثار السلبية لمعظم الاستراتيجيات، التي تتبعها الحكومات بخصوص المشاركة الدولية في القضاء على تكاثر الجوع، لأنها قد تأتي بنتائج عكسية تهدد بمجاعات أكبر في المستقبل، لاسيما في ظل الأنظمة الزراعية والغذائية الحالية التي دخلت في منعطف مزعج مع الاحتباس الحراري، وأيضا بسبب تفاقم مستوى النزاعات والصراعات.

ويبدو العالم برمته حائر اليوم أمام تحديات متناقضة ومتضاربة بين الأمن الغذائي وحماية البيئة من جهة، وبين المضي في زيادة الإنفاق العسكري على الحروب، التي تعتبر أحد أسباب تفاقم مستويات الجياع نتيجة تسببها في نزوح الناس، من جهة أخرى، فكلما عملت البشرية على مواجهة التحدي الأول عبر زيادة إنتاج الغذاء وتوسيع الأراضي المزروعة، كلما تأثر سكان بؤر التوتر بطريقة تهدد حياتهم وتفاقم مستوى انحدار معيشتهم نتيجة تضرر بيئتهم.

ولا تدخر المؤسسات الدولية والمنظمات الإنسانية، جهدا في انتقاد دور الحكومات في التعاطي مع هذه المشكلة المزمنة، في حين جبين المجتمع الدولي لا يقطر خجلا وعدد الفقراء يتزايد يوميا بسبب الحروب والكوارث الطبيعية.

وتشير أحدث الأرقام التي ساقتها 260 منظمة غير حكومية معنية بمساعدة الناس حول العالم الثلاثاء، إلى أن 174 مليون شخص في 58 دولة يواجهون خطر الموت بسبب سوء التغذية أو نقص الغذاء، وأن هذا العدد سيزداد في الأشهر القادمة إذا لم تخصص الدول المانحة 5.5 مليار دولار، الذي طلبته وكالات الأمم المتحدة بشكل عاجل لإنقاذ 34 مليون شخص من المجاعة.

وهذه الدعوة تأتي دعماً للنداء الذي أطلقه برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، اللذين طلبا هذه الأموال الإضافية لعام 2021. وقد اعتبرت هذه المنظمات غير الحكومية أنه يكفي تخصيص ما يعادل 26 ساعة من الإنفاق العسكري العالمي للتمكن من جمع هذا المبلغ.

مليون إنسان في 58 دولة يواجهون الموت لنقص الغذاء نتيجة الحروب والكوارث الطبيعية

وفي الوقت الحالي، تم التعهد بدفع 5 في المئة فقط من المبلغ الإجمالي البالغ 7.8 مليار دولار، الذي طلبته الأمم المتحدة لعام 2021 من أجل ضمان الأمن الغذائي. وفي نهاية عام 2020، قدرت الأمم المتحدة أن 270 مليون شخص حول العالم يعانون من الجوع أو لا يحصلون على قدر كاف من الطعام.

ويعد برنامج الأغذية العالمي، الذي نال جائز نوبل للسلام في 2020، أكبر منظمة إنسانية لمكافحة الجوع في العالم، فعندما تقع الكوارث، يسارع بالتدخل ويوازن سريعاً بين الخيارات. وعندما يعجز عن فعل ذلك، فإنه يعمل بلا كلل من أجل دعم تعزيز التغذية والأمن الغذائي، وهو يتمتع بحضور ميداني راسخ، وفهم عملي منقطع النظير للاحتياجات الغذائية.

ولكن التحديات التي تقف أمامه تظل قائمة، حيث لا يزال 800 مليون شخص يعانون الجوع، وإذا كان اعتماد جدول أعمال التنمية المستدامة مدعاة للتفاؤل، فإن استمرار الصراعات في سوريا واليمن والاضطرابات في دول مثل السودان والعراق ولبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة، وأماكن أخرى من العالم، يعطي انعكاساً قاتماً.

ومثلما يسعى البرنامج ويريد مساعدة الضحايا أو من يعانون من ويلات الحروب والنزاعات، فإنه يعمل مع الحكومات والمجتمع المدني والشركاء الآخرين والوكالات الإقليمية لمنع المزيد من المعاناة. ومع ذلك تبقى هناك العديد من الثغرات التي تكون فيها الدول المانحة متسببا فيها، وبالتالي تثير انتقادات المنظمات الدولية.

وكان الاتحاد الدولي للصليب الأحمر قد ذكر في تقرير حديث أن أفريقيا كنموذج لتفاقم المجاعات تعاني منذ فترة طويلة من انعدام الأمن الغذائي الناجم عن عوامل كثيرة كالصراعات وانعدام الأمن وانتشار الجراد ونقص الأمطار والعوامل المناخية وعدم استقرار السوق والكوارث التي تسهم في انخفاض إنتاج الأطعمة المغذية وإمكانية الوصول إليها.

وتستهدف أجندة أهداف التنمية المستدامة القضاء على انعدام الأمن الغذائي بحلول 2030، لكن خبراء يرجّحون بقاء الكثير من الجوعى في العالم بحلول ذلك التاريخ إذا لم يتم إعادة هيكلة منظومات الغذاء في مرحلة أولى، والتقليص من النفقات التي تذهب في أوجه أخرى مدمرة.

ومن دون جهود إضافية لنشر التنمية لمصلحة الفقراء وتقليص عدم المساواة وتعزيز الحماية الاجتماعية، فإنه سيكون هناك أكثر من 600 مليون شخص يعانون من نقص التغذية بنهاية العشرية الحالية، بل إن الترجيحات تؤكد أن معدل التقدم الحالي غير كاف للقضاء على الجوع حتى بحلول عام 2050.

العرب