السعودية تعامل تركيا بالمثل: أهلا بكم في الخليج وأهلا بنا في شرق المتوسط

السعودية تعامل تركيا بالمثل: أهلا بكم في الخليج وأهلا بنا في شرق المتوسط

الرياض – بادرت السعودية بإرساء علاقة استثنائية مع اليونان العدوّ التاريخي للأتراك بعد سنوات من التردد في العمل على مواجهة السياسة التركية للتوسع على حساب المنطقة، ووصلت هذه العلاقة إلى مدى جديد بموافقة أثينا على تأجير واحدة من أهم التقنيات المضادة للصواريخ وهي منظومة باتريوت للرياض لمواجهة الهجمات القادمة من الحوثيين.

ورغم أن عقد التأجير العسكري موجه عمليا ضد الحوثيين ومن خلفهم إيران، إلا أن رسالة التغيير في المواجهة بين السعودية وتركيا وإدخال اليونان كطرف بالغة الدلالة.

وأعلن مسؤولون يونانيون الثلاثاء توقيع اتفاق مع السعودية لإعارتها منظومة باتريوت للدفاع الجوي الصاروخي لحماية منشآت الطاقة على أراضيها، وذلك مع تزايد الهجمات التي يشنها المتمردون الحوثيون في اليمن.

ويأتي هذا الاتفاق بعد أن أعلنت الولايات المتحدة في مايو من العام الماضي أنها ستسحب أربع بطاريات باتريوت تابعة لها من السعودية.

والتقى وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع وزير خارجية اليونان نيكولاس ديندياس الذي يزور الرياض برفقة وزير الدفاع نيكوس بانايوتوبولوس.

وقال ديندياس “وقّعنا اتفاقا لنقل بطارية باتريوت إلى السعودية”.

وأكد وزير الدفاع اليوناني في بيان منفصل أنه سيتم نشر منظومة باتريوت “في وقت لاحق ليتم تشغيلها على الأراضي السعودية (…) بهدف حماية البنية التحتية الحساسة لمنشآت الطاقة من الهجمات الإرهابية”.

ولن تجد السعودية حليفا أكثر ندية مع الأتراك مثل اليونان، خصوصا في شرق المتوسط الذي أصبح خليج الغاز والنفط الجديد.

وقال مراقبون إن هذا التعاون هو أكثر من تأجير لمعدات عسكرية كان يمكن أن تحصل عليها السعودية من أي جهة أخرى، وإن السعوديين قصدوا من وراء هذا توجيه رسالة دقيقة إلى الأتراك مفادها أن استمرارهم بالتمركز في قطر بعقلية ما قبل المصالحة الخليجية سيدفعهم إلى التعامل بالمثل مع اليونانيين ودعم تحالف في شرق المتوسط ضد تنامي أطماع تركيا العسكرية.

ويعتبر السعوديون أن وجود هذه القاعدة قبالة أراضيهم يهدد أمنهم القومي ويمسّ باستقرار منطقة الخليج.

وبددت السعودية منتصف مارس الماضي آمالا تركية مستعجلة لمصالحة تتجاوز الخلافات بعد أن وصلت مقاتلات سعودية من طراز “أف – 15 سي” إلى جزيرة كريت مع أطقمها الكاملة للمشاركة في مناورة تدريب مع اليونان في منطقة شرق المتوسط.

ويرى المراقبون أن السعودية تعامل تركيا بالمثل من خلال بناء تحالف مع الغريم اليونان وتنفيذ مناورات في محيطها الإقليمي، مثلما تفعل تركيا في الصومال، وفق خطة للتمدد في دول البحر الأحمر والقرن الأفريقي من أجل تطويق دول الخليج وتهديد مصالحها.

ولفتوا إلى أن السعودية تتحرك وفق رؤية خليجية أشمل تقوم على بناء التحالفات ولعب أدوار مختلفة في مناطق أخرى في ظلّ تطور مفهوم الأمن الإقليمي إلى أمن أشمل، وهو ما يفسر وجودها في شرق المتوسط الذي تحول إلى قبلة للاهتمام الدولي في ظل الاكتشافات الجديدة من الغاز، كما يفسر أيضا اهتمامها بالتطورات في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل.

وعبر الكاتب السياسي البحريني عبدالله الجنيد عن توقعه زيادة التدريبات العسكرية بين دول أوروبا والشرق الأوسط، معتبرا أن الأمن والاستقرار في حوض البحر الأبيض المتوسط مهمان لأمن الشرق الأوسط بأكمله.

وأشار الجنيد إلى أن المملكة العربية السعودية قوة اقتصادية وعسكرية في المنطقة “ومن الطبيعي أن تتطلع إلى تنمية العلاقات مع الدول داخل فضائها الجيوسياسي”.

وكشفت السعودية في الأشهر الأخيرة عن مناوراتها مع الولايات المتحدة والسودان واليونان وباكستان، وذلك ضمن رؤية تقوم بالدرجة الأولى على الاستفادة من هذه المناورات في رفع كفاءة وجاهزية جميع أفرع القوات المسلحة السعودية والتصدي لهجمات ميليشيات موالية لإيران في اليمن. وبدرجة ثانية توجيه رسائل تثبت قدرتها على التصدي للخطط والمناورات التي تستهدف أمنها القومي بالانضواء في تحالفات جديدة بينها التحالف مع اليونان الذي يزعج المسؤولين الأتراك بشكل كبير.

ولا يمكن لأنقرة أن تنظر بارتياح إلى تقارب السعودية مع اليونان التي تعتبر الخصم اللدود لتركيا في شرق المتوسط، حيث ترى أن أثينا نجحت في اختراق منطقة تعتبر من المجالات الحيوية للاقتصاد التركي طيلة عقود.

واندلعت التوترات بين اليونان وتركيا العام الماضي بشأن الحدود البحرية وحقوق التنقيب عن الطاقة في شرق البحر المتوسط ​​، في ظل اتهام أثينا لأنقرة بالتنقيب في مناطق لا تتبع مياهها الإقليمية، مما أدى إلى حشد عسكري في المنطقة.

وقال آرام نركيزيان الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إن “من مصلحة الدول التي أجرت معها السعودية مناورات أن تحاول التعاون في المجال البحري”.

وأضاف أنه يجب النظر إلى التدريبات السعودية في سياق مواجهة المملكة لتهديدات الحرب غير النظامية وهجمات الطائرات دون طيار، مثل هجوم الرابع عشر من سبتمبر 2019 على منشآت بقيق وخريص النفطية السعودية.

ومن شأن التقارب السعودي – اليوناني أن يفشل تعاونا مفترضا بين الرياض وأنقرة بشأن إنتاج طائرة دون طيار كان الأتراك يراهنون عليه للترويج لمسيّراتهم لدى السعودية.

وقال المحلل الدفاعي التركي كالغار كورك إن “تدريبات السعودية واليونان تظهر دعم الرياض لسياسات أثينا الإقليمية، والتي تتعارض مع المصالح التركية”، مشددا على أن تركيا بدأت تدرك أن عرض القوة العسكرية لا يكفي في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​دون دعم جهات فاعلة ومهمة في المنطقة، في إشارة إلى خسارة أنقرة لدعم دول عربية وخليجية مهمة.

وأضاف كورك “إن أولوية تركيا الآن هي إنهاء عزلتها عن طريق إصلاح العلاقات التي تضررت، وهذا ما نشهده مع تقارب تركيا مع مصر وكذلك مع السعودية”.

وقلل المحلل التركي من التوتر بشأن التعاون السعودي – اليوناني قائلا “في هذه المرحلة لن يكون للتدريبات تأثير كبير على العملية لأن الأولوية هي إصلاح العلاقات”.

العرب