يَعتبر عددٌ متزايدٌ من التقارير الصادرة عن المعارضة الإيرانية في المنفى أنّ المرشد الأعلى أصبح يفوّض المسؤوليات الأكثر أهمية إلى نجله مجتبى خامنئي – وبشكلٍ خاص، جزءاً كبيراً من سلطته في “مكتب المرشد الأعلى”. وتوفر الشائعات التي تم إحياؤها حول نشاطات مجتبى داخل النظام عدسة أخرى يمكن من خلالها مشاهدة الديناميكيات المعقدة التي ستقود عملية الخلافة النهائية.
“المرصد السياسي التالي هو ترجمة محررة لمقتطفات من مقال باللغة الألمانية نُشر في الأصل في صحيفة «Neue Zürcher Zeitung» السويسرية في 14 شباط/فبراير 2021”.
يُقاس استقرار الأنظمة الدكتاتورية بشكلٍ أساسيٍّ بعاملين: أولاً، صحة القائد (أو القائدة) وقدرته على ممارسة وظيفته، وثانياً، ما إذا كانت النُّخب قادرة على إدارة انتقال السلطة إلى الخَلَف بطريقة سلسة تمنع الصراعات الداخلية المدمّرة. وينطبق ذلك أيضاً على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي يسود وراء واجهتها الجمهورية مرشدٌ دينيٌّ أعلى.
ووفقاً للتفسير الديني الخاص بأتباع المرشد الأعلى، فإن السلطة المطلقة في الدولة الإيرانية هي بيده، وهو يُدعى “رهبر”. و”الرهبر” هو الذي يمارس السلطة بالنيابة عن المهدي. وبقيت الحالة الصحية الخاصة بـ “الرهبر” الحالي، أي آية الله علي خامنئي البالغ من العمر اثنين وثمانين عاماً، غامضة لسنوات. لكن حتى الآن، تَبيّن أنّ كافة الشائعات حول وفاته الوشيكة غير صحيحة. والأمر الوحيد المؤكَّد هو أنه يعاني من سرطان البروستاتا، الذي يمكن علاجه نسبيّاً. وتزعم الشائعات الأخيرة أنه ربما يعاني أيضاً من مشاكل في القلب و[احتباس] الماء في الرئتين.
مطالبة بالقيادة؟
يَعتبر عددٌ متزايدٌ من التقارير الصادرة عن المعارضة الإيرانية في المنفى أنّ المرشد الأعلى أصبح يفوّض المسؤوليات الأكثر أهمية إلى نجله مجتبى خامنئي – وبشكلٍ خاص، جزءاً كبيراً من سلطته في “مكتب المرشد الأعلى”، الذي هو أهم مركز سيطرة للنظام. وفي غضون ذلك، ظهرت في منتصف كانون الثاني/يناير صورٌ وأشرطةٌ مصوَّرةٌ على شبكات التواصل الاجتماعي الإيرانية يُزعم أنها تشير إلى أن المعركة على خلافة خامنئي قد ازدادت ضراوة. ففي بعض اللقطات، يمكن رؤية صفوف العاملين الذين يزحفون على طول أحد الشوارع الرئيسية في طهران ويزيّنون أعمدة الإضاءة وإشارات المرور والصناديق الكهربائية بآلاف الملصقات الدعائية التي تُظهر خامنئي ونجله إلى جانب الكلمات العربية “لبّيك يا مجتبى”.
ووفقاً لبعض الشائعات الإضافية، سرعان ما تصرّف المُصلحون الذين يسيطرون على المجلس الإداري لبلدية طهران لمواجهة هذا العرض. فبعد أن أصدروا تعليماتٍ للشرطة المحلية بنزع الملصقات، زُعم أنهم تسببوا باعتقال المتظاهرين واستجوابهم.
من هو مجتبى خامنئي؟
مهما كانت الحقيقة الكامنة وراء هذه الروايات، فهي تدعو إلى طرح سؤالٍ مثيرٍ للاهتمام: ما هي مؤهلات مجتبى الفعلية وفرصه لخلافة والده؟ وُلِد مجتبى في مدينة مشهد عام 1969، وهو ثاني أكبر أبناء خامنئي الأربعة. ولم يسبق له أن شغل منصباً عامّاً، بل كان يمضي معظم وقته ضمن أجهزة المخابرات الغامضة بعيداً عن أنظار الجمهور. ويفسّر ذلك قلّة انتشار البيانات المتعلقة بسيرته الذاتية.
ومن بين الأشقّاء الأربعة، يكرّس مسعود ومصطفى نفسيهما بشكلٍ أساسي للدراسات الدينية في مدينة قُم، ولا يؤدّيان سوى بعض الوظائف السياسية الثانوية في مكتب والدهما، لكن يُزعم أنّ مجتبى وشقيقه الآخر ميسم هما أكثر انخراطاً في التعاملات السياسية وراء الكواليس. فابتداءً من عام 1988، خدم كلاهما في القوات المسلحة لمدة عامين. وبعد ذلك، بدأ مجتبى دراساته الدينية، أولاً في طهران، ثم لاحقاً في معاهد قُم الدينية منذ عام 1999، حيث كان تلميذاً لآية الله محمد تقي مصباح اليزدي.
وبذلك وقع مجتبى تحت تأثير أحد أكثر رجال الدين نفوذاً في إيران، والذي صنع لنفسه اسماً بصفته الراعي والمرشد الديني والأيديولوجي للمتشددين المتطرفين، مما أثار الكثير من الجدل بسبب آرائه المتطرفة. على سبيل المثال، دعا مصباح اليزدي قبل وفاته في كانون الثاني/يناير 2021، إلى إلغاء المؤسسات الجمهورية المنتخبة ونقل الصلاحيات البرلمانية والرئاسية إلى المرشد الأعلى، الأمر الذي قد يحوّل إيران إلى نظام ديني استبدادي بالكامل.
ومع ذلك، لم تؤدِ دراسات مجتبى الدينية إلى إيصاله إلى مستوى عالٍ. فحتى الآن، لم يمنحه أيٌّ من آيات الله العظمى البارزين في قُم رخصة تدريس دينية أو رتبة آية الله. وإذا كانت الشائعات صحيحة، فإن سبب عدم إيجاده الوقت الكافي لمتابعة دراسته هو أنه كان منكباً على بناء مكتب والده وتوسيعه.
وحين توفي روح الله الخميني عام 1989، كان “مكتب المرشد الأعلى” يضم نحو 80 موظفاً، لكن عددهم ارتفع بحلول عام 2019 ليناهز 4000 موظف. وأصبح المكتب مركزاً لنظام معقد للغاية يضم أكثر من 100 منظمة ومؤسسة فرعية. وكان قادته مسؤولون أمام المرشد الأعلى فقط، وليس الحكومة. ويعمل خامنئي باستمرار على حماية استقرار النظام من خلال التكتيكات القائمة على مبدأ “فرّق تسد” وجهود التوفيق بين المصالح المتعارضة.
وفي خضم هذه المتاهة، يُزعم أن مجتبى أنشأ مركزين للسلطة، هما قطاع استخباراتي يضم سبعة عشر جهازاً، وجهاز دعائي يضم وسائل الإعلام الحكومية إلى جانب هيئة نافذة تعرف بـ “مجلس التخطيط السياسي لأئمة الجمعة”. وتدّعي بعض المصادر أنه ملأ هذه المراكز بأنصار من الفئة العمرية نفسها واستخدمهم بشكل منهجي لتوسيع نطاق نفوذه.
فضلاً عن ذلك، خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2005، أفادت بعض التقارير أن مجتبى أقنع والده بدعم المرشح المتشدد محمود أحمدي نجاد. وعندما فاز أحمدي نجاد بولاية ثانية في عام 2009 من خلال التلاعب بنتائج الانتخابات، زعم البعض أن مجتبى هو الذي نظّم حملة القمع العنيفة ضد الاحتجاجات الجماهيرية التي نتجت عن ذلك، وتلقى دعماً ناشطاً من رئيس ميليشيا “الباسيج” حسين طيب الذي أصبح لاحقاً رئيساً للمخابرات لدى «الحرس الثوري الإسلامي».
وتشير بعض التقارير إلى أن التعاون الوثيق لمجتبى مع أحمدي نجاد أتى بثماره أيضاً من الناحية المالية، لا سيما عبر تهريب النفط. على سبيل المثال، ربما كان حساباً بقيمة 1.6 مليار دولار الذي صادرته الحكومة البريطانية في عام 2009 بسبب صلته بقمع الاحتجاجات الإيرانية عائداً لمجتبى، على الرغم من عدم إثبات هذا الادعاء.
آفاق مختلف المرشحين للخلافة
كلما فُتح النقاش حول الخلافة ما بعد خامنئي، تكرر ذكر بعض الأسماء. ومن بين هؤلاء، رجلان كانا منافسيْن واعديْن قبل بضع سنوات، أما الآن فيقال إن حظوظهما معدومة. وأحدهما هو الرئيس الحالي حسن روحاني الذي يُعتبر معتدلاً، والآخر هو حفيد المرشد الأعلى الأول حسن الخميني المتحالف مع الإصلاحيين. وكونه اليوم مسؤول عن ضريح الخميني في طهران فهو يستفيد من هالة الحنين المحيطة بجده ولكنه لا يملك قاعدة سلطة كبيرة.
أما روحاني، فبينما يمكنه التعويل على وزارة المخابرات النافذة باعتبارها قاعدة نفوذه الأقوى، إلّا أنه خسر بلا شك دعماً هائلاً بين الشعب بسبب تجميد الاتفاق النووي. فقد وعدهم بحصد ثمار السلام من ذلك الاتفاق – قائلاً إنه سيعزز الاقتصاد الذي يعاني تحت عبء العقوبات الأمريكية – لكن وعده لم يتحقق، الأمر الذي أضعف بدوره مكانته بين الإيرانيين الذين يعانون من فقر متزايد.
قد يكون هناك مرشحان آخران واعدان بقدر أكبر. الأول هو إبراهيم رئيسي، الذي عيّنه خامنئي رئيساً للسلطة القضائية في عام 2018 ويُعتبر من رجال الدين المتشددين الذين تربطهم علاقات جيدة بـ «الحرس الثوري الإسلامي». والثاني هو صادق لاريجاني الذي شغل منصب رئيس السلطة القضائية لمدة عشر سنوات قبل رئيسي. وترأس منذ عام 2018 “مجلس تشخيص مصلحة النظام”، وهي هيئة مشاركة في العملية التشريعية فقدت قدراً كبيراً من سلطتها، وتوفّر حالياً فرصاً لكبار السياسيين المنهكين. ويُعد لاريجاني من المحافظين المعتدلين ويتمتع بقاعدة نفوذ كبيرة بين رجال الدين في قُم الموالين للنظام. ويملك أيضاً مع أشقائه الأربعة إمبراطورية تجارية وعقارية ضخمة.
ووفقاً لبعض المصادر، شكّلت هذه الإمبراطورية هدفاً مستهدفاً لابن خامنئي. فقد زعمت التقارير أن مجتبى تمكّن بمساعدة حسين طيب المذكور أعلاه من جمع ملفات التحقيق المتعلقة بجرائم ذوي الياقات البيضاء والفساد، وربما استخدم هذه المعلومات لحث رئيسي على إجراء سلسلة من المحاكمات العلنية في العام الماضي استهدفت أقرب المقربين من لاريجاني، وبالتالي زيادة الضغط على لاريجاني نفسه. ولم يؤد توقف هذه الهجمات القضائية سوى عرض للقوة من قبل المرشد الأعلى، ربما بسبب الخوف من أن يشكّل معسكر لاريجاني تهديداً إذا ما حوصر. ومع ذلك، فقد اعتُبرت مؤهلات صادق للخلافة غير صالحة.
أما فيما يتعلق باحتمال ترشيح مجتبى، فقد امتنع خامنئي عن تقديمه على هذا النحو. وحتى لو كان هذا هدفه النهائي، فإن مثل هذا الإعلان قد يثير العديد من المشاكل. على سبيل المثال، لا يحظى ابنه بشعبية واسعة ويثير الجدل لدرجة أن تعيينه كخلَف له قد يؤدي إلى صراع مرير على السلطة. كما أن افتقار مجتبى للخبرة في الحكومة لا يصب في مصلحته. أما النقطة الأهم فتتمثّل بالأضرار التي قد تلحق بشرعية “مكتب المرشد الأعلى” والتي لا يمكن إصلاحها في حال تسمية نجله، وقد يقوض ذلك بالتالي المؤسسة المركزية للنظام ويعرّض وجود النظام السياسي بأكمله للخطر. ففي النهاية، شكّل النضال لإلغاء الملكية الوراثية للشاه أحد الإنجازات الرئيسية لثورة عام 1979، إذ منحت النظام الجديد هوية خاصة بنظر الشخصيات الثورية وأتباعها المتعصبين. وإذا سمحت الجمهورية الإسلامية بخلافة وراثية بحكم الأمر الواقع، فستصبح شبيهة بالممالك العربية في منطقة الخليج، الأمر الذي رفضه الخميني وأتباعه بشدة لسنوات عديدة.
الخوف من زيادة القمع
على الرغم من غياب الأدلة الدامغة حالياً لدعم الشائعات التي عادت إلى الظهور والمتعلقة بمطالبة نجل خامنئي “بالعرش” وبالتدهور السريع لصحة المرشد الأعلى، إلّا أنه لا ينبغي استبعاد احتمال استيلاء مجتبى على السلطة في المستقبل. ومن الواضح أن فوز مجتبى في مسابقة الخلافة وتبوّؤه منصب المرشد الأعلى بالاعتماد على سلطة والده لن يصب في مصلحة إيران. وبما أن سلطته ستقوم على القمع وليس الإصلاح، فسيعني ذلك أوقاتاً أكثر قتامة في المستقبل بالنسبة للمتظاهرين والصحفيين والمعارضين، ومن المفترض أنه سيبذل كل ما في وسعه لتجريد الفصائل المعارضة من سلطتها ووظائفها السهلة. وسيؤدي ذلك إلى توترات كبيرة، لا سيما وأن مجتبى يفتقر إلى مهارات والده، والصبر، ومعرفة التوقيت المناسب عندما يتعلق الأمر بالاستيلاء على السلطة وممارستها. وبالفعل، إذا كانت التقارير حول أفعاله السابقة صحيحة، فإن ذلك يعني أنه يفهم جيداً ما قاله مكيافيلي عن سهولة الحفاظ على القوة والاستقرار عندما يخشى الناس حاكمهم وليس عندما يحبوه.
ويلفريد بوختا
معهد واشنطن