يرغب الرئيس الأميركي جو بايدن في تركيز السياسة الخارجية الأميركية على منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ولكن من دون إدارة التوازن في منطقة الشرق الأوسط سيكون من غير المرجح أن يحقق هدفه.
وقالت البروفيسور جولي نورمان المحاضرة في السياسة والعلاقات الدولية بجامعة كلية لندن في تقرير نشره معهد تشاتام هاوس (المعروف رسميا باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية) في لندن إنه مع التركيز المتجدد على الصين وقرار سحب القوات الأميركية من أفغانستان، من الواضح أن بايدن يتطلع إلى توجيه السياسة الخارجية الأميركية نحو المخاوف الملحة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ولكن في الواقع يعتمد هذا التمحور بشكل جزئي على الاستقرار النسبي في الشرق الأوسط.
واعتبرت نورمان أن الاحتفاظ بانخراط كاف لتحقيق التوازن مع النفوذ الروسي والصيني يضع الشرق الأوسط إلى حد كبير على أجندة بايدن، وأنه بتشكيل فريق والانخراط في مراجعة شاملة للسياسة تشير الأيام الـ100 الأولى للإدارة الأميركية إلى أنه سيتم تبني نهج طويل الأمد يعتمد على مزيج من ضبط النفس والواقعية.ولكن بدلاً من تبني رؤية كبرى للشرق الأوسط تركز الإدارة على ثلاثة أهداف رئيسية وهي إعادة ضبط العلاقات مع المملكة العربية السعودية وإنهاء الحرب في اليمن وإعادة الاتفاق النووي الإيراني إلى مساره الصحيح.
وفي أول خطاب له عن السياسة الخارجية وصف بايدن حرب اليمن بأنها “كارثة إنسانية وإستراتيجية” وأعلن تعليق “الدعم الأميركي للعمليات الهجومية في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة”، إلى جانب بذل جهود دبلوماسية لإحياء محادثات السلام.
واتسمت العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية بالتعقيد نظرا لأن واشنطن، على الرغم من أنها لم تعد تعتمد على النفط السعودي، لا تزال تعتمد بشكل كبير على الرياض لتسهيل عمليات مكافحة الإرهاب وتحقيق التوازن ضد إيران.
وعلى الرغم من وقف مبيعات الأسلحة الهجومية للسعودية، أكد بايدن أن الولايات المتحدة ستستمر في تزويد المملكة بالدعم الدفاعي لمواجهة الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار المدعومة من إيران.
ويأمل فريق بايدن في أن يؤدي الحفاظ على العلاقات الأميركية – السعودية وثيقة نسبيًا إلى عدم سعي الرياض إلى إقامة شراكات دفاعية أقوى مع روسيا والصين.
ورأت جولي نورمان في تقرير المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني أن عملية إعادة ضبط العلاقات مع السعودية قد تصبح أكثر تعقيدا مع تكثيف الولايات المتحدة للجهود الدبلوماسية بشأن الاتفاق النووي الإيراني.
وتعهد بايدن خلال حملته الانتخابية بإعادة الانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني) التي تم إبرامها خلال فترة توليه منصب نائب الرئيس في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، لكن حلت محلها سياسة “الضغوط القصوى” التي انتهجها ترامب والقائمة على العقوبات.
وعلى الرغم من أن العقوبات شلت الاقتصاد الإيراني، إلا أن قدرات إيران النووية استمرت في التطور واتسعت شبكة الميليشيات التي تعمل بالنيابة عنها في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ولا يزال الاتفاق النووي أيضا مثيرا للجدل سياسيا في واشنطن ويضع الولايات المتحدة على خلاف مع حلفاء مثل المملكة العربية السعودية ودول الخليج وإسرائيل.
وفي حين أنه لا توجد رغبة في المنطقة أو لدى واشنطن في الاحتفاظ بوجود أميركي كبير، فإن الأزمات قصيرة الأجل والمصالح طويلة الأجل تجعل من غير المعقول ولا المرغوب فيه أن تنسحب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط بالكامل.
نفوذ في تصاعد
نفوذ في تصاعد
وقد انخرط بايدن وفريقه في الشرق الأوسط لفترة طويلة بما يكفي لفهم كيف أنه آخذ في التغير الآن، وكيف تغيرت المصالح الأميركية أيضًا. فقد تراجعت الأولويات القديمة المتمثلة في حماية نفط الخليج وضمان بقاء إسرائيل، حيث تمكنت الولايات المتحدة من تأمين الطاقة بشكل أكبر وأصبحت إسرائيل تمتلك القوة العسكرية وحققت استقرارا اقتصاديا، إلا أنه من السابق لأوانه الإيحاء بأن المصالح الأميركية باتت محدودة.
وعلى الرغم من أنه لا يخلو من التحديات، فإن التنسيق الاستخباراتي والعسكري بين الولايات المتحدة وحلفاء الشرق الأوسط لا يزال حاسما في احتواء تنظيمي الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة والجماعات المسلحة الأخرى.
ولا يزال الشرق الأوسط منطقة مهمة للمصالح الجيوستراتيجية للولايات المتحدة، لأنه إذا أراد بايدن أن ينجح في أجندته الخارجية الأوسع التي تركز على الصين وروسيا، فلن يرغب في فقدان نفوذه في الشرق الأوسط.
صحيفة العرب