تردد الأميركيون، منذ البدء، في اتخاذ موقف واضح من الأزمة في سورية، على الرغم من مناشدات أطراف من المعارضة السورية، وضغوط من دول عربية، وخصوصاً خليجية، للتدخل وتقديم الدعم للمعارضة. ترددت أميركا، لكنها قدمت معونات مالية واستخبارية، وفتحت المجال أمام كواكبها في المنطقة العربية الإسلامية، للتدخل بمختلف الوسائل، إلا من الزحف العسكري البري. وقعت في حيرة كبيرة من أمرها، فهي لا تريد بقاء بشار الأسد، لكنها لا تريد الإخوان المسلمين، أو أي تنظيم إسلامي آخر، بديلاً له. هي لا تطمئن للحركات الإسلامية بتاتا، لكنها كانت، عبر السنوات، مطمئنة لموقف النظام السوري من الصهاينة، وإنما من دون أن تثق به. لم يحارب النظام إسرائيل، لكنه دعم حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وساهم بذلك في إفشال أربع حروب إسرائيلية على غزة وجنوب لبنان. كما أن الولايات المتحدة لم تكن راضية عن موقف النظام في القمم العربية وجامعة الدول العربية، وكانت تود لو يغيب.
بما أن أميركا ليست معنية بتسليم سورية لفئات إسلامية، فإن السياسة الأميركية تجاه هذا البلد كانت تغذية الحرب، لكي يدمّر، فلا يكون بمقدوره الوقوف على أقدامه عقوداً مقبلة. وهذا ما حصل. الحرب مستعرة في سورية، والناس يقتلون والبيوت تهدم، ولا أحد يستطيع حسم الحرب. واضح أن دولا عربية وغربية ترنمت على مشاهد الدمار في سورية، وانتعشت على مأساة الشعب السوري.
كان للمعارضة وما زال من يقدمون لها مختلف أنواع الدعم، لكن النظام لم يكن بلا أصدقاء يغذونه بالمال والسلاح. لم يكن بمقدور إيران أن تقف صامتة إزاء الأزمة، لأن انهيار النظام السوري سيتركها بلا حلفاء في المنطقة، إلا من حزب الله. وكذلك بالنسبة لروسيا التي هي بأمس الحاجة لحلفاء في المنطقة، ولا يوجد بديل للنظام السوري أو رديف. حصلت الأطراف السورية المتحاربة على مختلف أنواع الدعم المالي والعسكري. ولكن، من دون الوصول إلى مستوى من القوة، بحيث يتمكن طرف من حسم الحرب والقضاء على الخصم. وهذه معادلة ألحقت بالشعب السوري كل أنواع العذاب والأحزان والآلام. لكن، لا يبدو أن الشعب السوري جزء من تفكير الأطراف المتصارعة، ومن يدعمها. نلمس في وسائل الإعلام تباكياً كثيراً وذرفاً للدموع على الشعب السوري، هذا كذب ولا يعبر عن الحقيقة.
كان للمعارضة وما زال من يقدمون لها مختلف أنواع الدعم، لكن النظام لم يكن بلا أصدقاء يغذونه بالمال والسلاح. لم يكن بمقدور إيران أن تقف صامتة إزاء الأزمة، لأن انهيار النظام السوري سيتركها بلا حلفاء في المنطقة، إلا من حزب الله. وكذلك بالنسبة لروسيا التي هي بأمس الحاجة لحلفاء في المنطقة، ولا يوجد بديل للنظام السوري أو رديف. حصلت الأطراف السورية المتحاربة على مختلف أنواع الدعم المالي والعسكري. ولكن، من دون الوصول إلى مستوى من القوة، بحيث يتمكن طرف من حسم الحرب والقضاء على الخصم. وهذه معادلة ألحقت بالشعب السوري كل أنواع العذاب والأحزان والآلام. لكن، لا يبدو أن الشعب السوري جزء من تفكير الأطراف المتصارعة، ومن يدعمها. نلمس في وسائل الإعلام تباكياً كثيراً وذرفاً للدموع على الشعب السوري، هذا كذب ولا يعبر عن الحقيقة.
نشهد، في هذه الأيام، نوعا من التحول في الصراع الدائر، حتى لو لم نلمس نتائجه على الفور. روسيا وإيران وصلتا إلى قناعة أن مستوى الدعم العسكري الذي كان قائماً عبر السنوات السابقة ليس كافيا، وأنه مطلوب منهما أن يقدما المزيد كمّاً ونوعاً. وقد طلعت علينا وسائل إعلام صهيونية تتحدث عن طيارين روس، يحلقون في الأجواء السورية، وأن إيران سترسل قوات برية لدعم الأسد. لم يتم التحقق بعد من صحة أقوال هذه الوسائل، لكن الروس لا يخفون دعمهم للنظام عسكرياً، وهم يتركون الباب مفتوحاً لتقديم مزيد من الدعم وبأسلحة أكثر تطوراً. ويشعر الأميركيون من جهتهم بالاستفزاز، ويراقبون ما يقوم به الروس في سورية، أو على الشواطئ السورية. ومهما يكن، يبدو أن الفرصة مواتية أمام الروس لحشر الأميركيين في زاويةٍ، لا يتمكنون معها من المناورة بكل حرية في الأزمة السورية، وذلك للأسباب التالية:
أولاً، أوروبا الآن تبحث عن حل سياسي للأزمة السورية، لأنها باتت تخشى داعش وتدفق اللاجئين السوريين إلى بلادها، وهي ليست معنية بتعقيد الحياة الاجتماعية الأوروبية أو تعريض أمن بلادها للخطر. ولهذا، يعمل الأوروبيون على كبح جماح الاستمرار في الحرب، على المستويين، العربي والأميركي.
ثانياً، أميركا فاشلة في حربها على داعش، وربما هي ليست جادة، وعلى مدى سنة من إعلان التحالف الدولي حربه على داعش، لم يتمكن هذا التحالف حتى من تحجيم داعش.
أولاً، أوروبا الآن تبحث عن حل سياسي للأزمة السورية، لأنها باتت تخشى داعش وتدفق اللاجئين السوريين إلى بلادها، وهي ليست معنية بتعقيد الحياة الاجتماعية الأوروبية أو تعريض أمن بلادها للخطر. ولهذا، يعمل الأوروبيون على كبح جماح الاستمرار في الحرب، على المستويين، العربي والأميركي.
ثانياً، أميركا فاشلة في حربها على داعش، وربما هي ليست جادة، وعلى مدى سنة من إعلان التحالف الدولي حربه على داعش، لم يتمكن هذا التحالف حتى من تحجيم داعش.
ثالثا، المنطق الروسي على الساحة الدولية، وتبعا لما يسمى القانون الدولي أقوى بكثير من المنطق الأميركي. يدافع الروس عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، واستمرار نظام الحكم في سورية يجب أن يخضع للإرادة الشعبية، من دون تدخل من أحد. من مبادئ الديمقراطية أن يقرر الشعب السوري لنفسه بنفسه، وإزاحة الرئيس السوري بشار الأسد يجب أن تخضع لقرار الشعب السوري. في المقابل، لم تقدم أميركا حتى الآن اقتراحات ذات منطق، يقبلها المستوى الدولي، وما زالت تتخبط في تقييمها الوضع.
رابعا، تدعم الولايات المتحدة دولاً عربية استبدادية متخلفة، تدعم المعارضة السورية لإقامة ديمقراطية أو حريات للشعب السوري. وفي هذا ما يشكل نكتة على الساحة الدولية غير مستساغة.
تعي روسيا أن منطقها يعلو على المنطق الأميركي، وتعي أن الدول الغربية ليست معنية بالتصعيد، والمجال أمامها مفتوح لتقديم ما يمكن لحسم الحرب الداخلية في سورية. وروسيا مطمئنة إلى الموقف الإيراني الذي لن يتردد في إرسال قوات برية إلى سورية، إذا لزم الأمر. المعنى أن روسيا في وسعها أن تصعد الأمر في سورية، من دون أن تخشى تصعيداً عسكرياً مع حلف الناتو، أو نشوب حرب باردة جديدة. وهي تعي أن الدول الغربية تحصد، الآن، نتائج سوء صنيعها، عندما دعمت تنظيمات غير قادرة على القيام بمسؤوليات أخلاقية.
رابعا، تدعم الولايات المتحدة دولاً عربية استبدادية متخلفة، تدعم المعارضة السورية لإقامة ديمقراطية أو حريات للشعب السوري. وفي هذا ما يشكل نكتة على الساحة الدولية غير مستساغة.
تعي روسيا أن منطقها يعلو على المنطق الأميركي، وتعي أن الدول الغربية ليست معنية بالتصعيد، والمجال أمامها مفتوح لتقديم ما يمكن لحسم الحرب الداخلية في سورية. وروسيا مطمئنة إلى الموقف الإيراني الذي لن يتردد في إرسال قوات برية إلى سورية، إذا لزم الأمر. المعنى أن روسيا في وسعها أن تصعد الأمر في سورية، من دون أن تخشى تصعيداً عسكرياً مع حلف الناتو، أو نشوب حرب باردة جديدة. وهي تعي أن الدول الغربية تحصد، الآن، نتائج سوء صنيعها، عندما دعمت تنظيمات غير قادرة على القيام بمسؤوليات أخلاقية.
عبدالستار قاسم
صحيفة العربي الجديد