الباحثة شذى خليل *
تسعى أطراف إقليمية ودولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، إلى التعامل مع طهران من خلال العقوبات الاقتصادية، بسبب التدخلات واثارة الفتن في شؤون دول المنطقة وإجراءاتها المتهورة المناوئة لشعوب المنطقة وحكوماتها.
الولايات المتحدة الأميركية تسعى إلى فرض عقوبات متتالية على إيران لإرغامها على الجلوس حول طاولة المفاوضات، في زمن حكم ترمب أدت العقوبات المفروضة على الاقتصاد الإيراني إلى انخفاض رصيد الصندوق السيادي إلى مستوى أقل من 100 مليار دولار. كما انخفض تصدير نفطها إلى أقل من 300 ألف برميل يومياً. فإذا استمرت الأوضاع بهذا الشكل لن تكون إيران قادرة على دفع النفقات الحكومية حتى لسنة أخرى، اما بالنسبة إلى أوباما، فمن الواضح أنه كان متحيزاً تماماً لطهران تحت تأثير كبير للوبي الإيراني في واشنطن، حيث كان معظم مستشاريه يعملون على تطبيع العلاقات مع النظام الإيراني. وقد عقدت إدارته نحو 40 اجتماعاً مع جماعات اللوبي الإيراني في واشنطن.
الان وفي ظل حكم بايدن وضمن سياسة المفاوضات ابدى كلا البلدين اهتمامًا بالعودة إلى طاولة المفاوضات، لكن لا الولايات المتحدة ولا إيران تريدان الرضوخ للآخر.
مؤشرات توضح كيف يعاني الاقتصاد الإيراني
اذ واجهت إيران، على مدار أكثر من ثلاثة عقود، تحدٍ للعقوبات الاقتصادية، إلا أنه منذ عام 2006، زادت حدة العقوبات الاقتصادية، وجعلت من الاقتصاد الإيراني اقتصاداً مغلقاً، وبلا شك أن تحدي مواجهة العقوبات الاقتصادية غيّر من خريطة العرض والطلب، على مستوى الاستهلاك الكلي داخل إيران، وكذلك ضغط العديد من برامج التنمية المتعلقة بالبنية الأساسية، أو تطوير الموارد والإمكانيات الاقتصادية المتاحة.
انكماش الاقتصاد بنحو 4.99٪ في عام 2020 ، وانكمش باطراد منذ عام 2017 ، وبالمقارنة، تمتعت ايران بنمو اقتصادي حاد بنسبة 12.5٪ في عام 2016 بعد توقيع الاتفاق النووي. ومع ذلك، فإن هذا النمو لم يدم طويلاً.
قال أبرامز، الممثل الأمريكي الخاص السابق لإيران خلال إدارة ترامب، وهو الآن زميل أول لدراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية (CFR): “من المستحيل معرفة الأرقام بدقة لو لم تكن هناك عقوبات”.
ومن الواضح تمامًا أن العقوبات كان لها تأثير على الاقتصاد الإيراني وعلى ميزانية الحكومة، يتوقع صندوق النقد الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي لإيران بنسبة 3٪ في عام 2021.
تضرر إنتاج النفط وصادراته
وقال أبرامز إن العقوبات قللت من قدرة إيران على بيع النفط ومنعتها من الحصول على الأموال من مبيعات الطاقة، وان “هناك مليارات الدولارات في بنوك في العراق والصين وكوريا الجنوبية… لا تستطيع إيران الوصول اليها بسبب العقوبات”. وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن تستمر صادرات النفط الإيرانية في الانخفاض في عام 2021.
استيراد إيران للغاز
على الرغم من ان إيران تعد من أكبر منتجي ومصدري الغاز في العالم لكنها تستورده من تركمانستان بموجب اتفاقية 1997، وذلك لإمداد المناطق الشمالية بالغاز، خاصة في فصل الشتاء، وتبين الإحصاءات أن إيران لديها 34 تريليون متر مكعب من احتياطيات الغاز، وبما يمثل 17.2% من إجمالي احتياطيات العالم، كما أن إنتاجها السنوي 199 مليار متر مكعب، وبما يمثل 5.7% من الإنتاج العالمي.
التجارة العالمية مع إيران تتراجع
حيث تراجعت الصادرات والواردات بشكل حاد بعد إعادة فرض العقوبات، إلى جانب النفط، تم فرض عقوبات أيضًا على المعادن الصناعية الإيرانية، وهي مصدر كبير لإيرادات صادرات البلاد.
تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن إيران سقطت في عجز تجاري بقيمة 3.45 مليار دولار في عام 2020. وكان لديها فائض تجاري قدره 6.11 مليار دولار في عام 2019، وفقًا لصندوق النقد الدولي.
ارتفاع التضخم: إن العملة الإيرانية تشهد تراجعاً كبيراً، بسبب ارتفاع قيمة الدولار في السوق العالمي بشكل عام، وانهيار العديد من عملات الدول النامية أمامه، حيث انخفضت بشكل مطرد منذ أوائل عام 2018، فإن قيمتها في السوق غير الرسمية تقف عند أكثر من 250 ألف ريال للدولار، وهذا بعيد عن السعر الرسمي للبنك المركزي البالغ 42 ألف ريال للدولار الذي يستخدم لمعظم السلع المستوردة.
إن ضعف العملة يجعل الواردات أكثر تكلفة بالنسبة للإيرانيين، ويعني ارتفاع التضخم أن تكلفة المعيشة آخذة في الارتفاع في وقت يعاني فيه الناس من ضعف الاقتصاد وسوق العمل وهذا يعني انهيار العملة الإيرانية أكثر مما هي عليه، ويحمل ذلك في طياته مزيدا من الأعباء على المواطن الإيراني، ومعايشة إيران ما يسمى بالتضخم المستورد.
ارتفاع نسبة البطالة :
من المقرر أن تزداد معدلات البطالة المرتفعة بشكل أكبر في ضوء الصعوبات الاقتصادية في إيران.
تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أنه من المتوقع أن يكون 12.4٪ من السكان عاطلين عن العمل في عام 2021.
اتساع عجز الميزانية العامة
الحكومة الإيرانية تنفق أكثر من إمكانياتها حيث تشهد عجزاً مالياً متزايداً. في حين أن هذا ليس دائمًا أمرًا سيئًا، إلا أنه قد يحد من قدرة البلاد على تحسين النشاط الاقتصادي والتعافي من جائحة فيروس كورونا.
وقال أبرامز “الميزانية الوطنية تحظى ببعض الاهتمام من قبل المرشد الايراني علي خامنئي لأنه يريد أموالًا للحرس الثوري ، وحزب الله، والميليشيات الشيعية في العراق، ونفقات أخرى مختلفة لديهم”.
لكنه أشار إلى أن الاهتمامات المعتادة لحكومة مدنية – مثل الدخل القومي ، ومتوسط دخل الأسرة ، ومعدل التضخم ، أو معدل البطالة – قد لا تكون مهمة للزعماء الايرانيين.
اقتصاد غير مؤثر عالمياً
لا يزال الاقتصاد الإيراني من حيث الحجم غير مؤثر بشكل كبير في المحيط الإقليمي أو العالمي، فقيمة الناتج المحلي الإجمالي لا تتجاوز 450 مليار دولار، وتعتمد إيران بشكل كبير على صادرات النفط في إيراداتها العامة، وكذلك ناتجها المحلي، ومع ذلك تبنت إيران نهجًا توسعيًا في إطار عسكري حربي في المنطقة، ما كبدها تكاليف اقتصادية عالية. ونظرًا لكون الاقتصاد الإيراني مغلقًا وتغيب عنه الشفافية في ما يتعلق ببياناته الاقتصادية، لا يعلن عن حقيقة التكاليف الاقتصادية لدخول إيران معترك الحرب في سورية واليمن والعراق ولبنان.
صفقة مشتركة بين أمريكا وايران
يتعين على إيران أن تدرك أنه إذا لم تتخذ “خطوات جوهرية” ، فلن تتمكن إدارة بايدن من تعليق العقوبات بالكامل.
من ناحية أخرى، قال أبرامز إن هناك “مشكلة كبيرة للغاية” في سياسة إدارة بايدن تجاه إيران ، وهي إحياء الاتفاق النووي قبل التفاوض على اتفاقية أوسع تشمل برنامج إيران الصاروخي ودعمها للميليشيات في المنطقة.
و أن طهران أصرت على رفع العقوبات قبل بدء المحادثات.“يبدو أن إيران قد تعتقد أنها تستطيع تحمل الضغوط الاقتصادية التي تتراكم مع اتخاذ موقف أكثر تشددًا ضد إدارة بايدن”.
ختاما إن إيران كان أمامها طريق اخر بالتعامل مع دول المنطقة ترك التدخلات الداخلية ونشر الفتن والتسليح والقتل على الهوية؛ الا وهو طريق تنموي اقتصادي، من خلال تعاونها مع دول المنطقة العربية، وكانت نتائجه ستكون أكثر إيجابية على إيران وعلى المنطقة ككل، بينما نهج إيران الحالي يدفع بها إلى مزيد من التبعية للاقتصاد الرأسمالي، وإن كانت القيادات الإيرانية ما زالت تتبنى خطابًا سياسيًا معاديًا للغرب وأميركا، بينما واقعها يخالف ذلك بالتوسع في وارداتها من تلك الدول.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية