حملة التطعيم ضد كورونا في العراق تشهد تعثرا منذ أسابيع بعد أن وقفت اللامبالاة والخوف والشائعات حاجزا أمام الكثير من المواطنين لتلقي اللقاحات رغم الارتفاع الخطير في الإصابات بالفايروس ودعوات الحكومة المتكررة للمواطنين للتسجيل في القوائم المخصصة لذلك، ما يؤكد فشل استراتيجية الدولة في ظل قطاع صحي متهالك تجاوزته الأحداث بفعل تراكمات سنوات طويلة من الفشل في إدارة شؤون الدولة.
بغداد – يصارع العراق الذي يواجه، بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الهشّة، صعوبات في تنفيذ حملة التطعيمات، التي أطلقتها الحكومة للحدّ من تفشي كورونا بسبب عدم تعاون المواطنين جراء الشكوك حول اللقاحات، والتي تتزامن مع موجة ثانية حادة من الجائحة مما تسبب في ارتفاع عدد حالات الإصابة بالفايروس بشكل قياسي.
وكان الدافع وراء هذه الزيادة الهائلة إلى حد كبير هو اللامبالاة العامة تجاه الفايروس، حيث ينتهك الكثير من العراقيين بشكل روتيني القيود المتعلقة بالجائحة، ويرفضون ارتداء أقنعة الوجه ويستمرون في عقد التجمعات العامة الكبيرة. وليست لديهم ثقة في اللقاحات بسبب الخوف من عواقب التطعيم والشائعات حولها رغم ما بذلته الحكومة من جهود.
ومن أجل إقناع العراقيين بجدوى اللقاحات تطلب الأمر أن يظهر رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ليعلن تأييده العلني للتطعيمات والتقطت صور له وهو يحصل على الجرعة الأسبوع الماضي. وبعد ذلك توجه المئات من أتباعه إلى العيادات ليحذوا حذوه، مما يؤكد قوة الولاءات الطائفية وانعدام الثقة العميق في الدولة.
ما يؤكد فشل جهود حكومة مصطفى الكاظمي في مواجهة الوباء حتى الآن، ما أشارت إليه البيانات الرسمية من أنه تم تطعيم أقل من 380 ألف شخص بشكل كامل في الدولة التي يبلغ عدد سكانها 40 مليون نسمة. وحتى الآن أصيب أكثر من 1.098 مليون شخص، بينما توفي بالمرض نحو 15.6 ألف شخص.
وتلقى العراق 336 ألف جرعة جديدة من لقاح أسترازينيكا في أواخر مارس، وأصبح العراقيون فوق سن 18 مؤهلين للحصول على اللقاح. وفي الشهر الماضي، وصلت الشحنة الأولى من جرعات فايزر إلى البلاد، بواقع 49 ألف جرعة. وهذه الجرعات هي من أصل 17.5 مليون جرعة طلبتها الحكومة.
وحاولت وزارة الصحة العراقية مرارا طمأنة العراقيين بأن اللقاحات ليست ضارة، لكن هذا لم يقنع الكثيرين ممن لديهم عدم ثقة طويل الأمد في نظام الرعاية الصحية. وتراجع النظام الصحي، الذي لم يتغير إلى حد كبير منذ سبعينات القرن الماضي، بسبب عقود من الحرب والعقوبات والاضطرابات المطولة منذ الغزو الأميركي عام 2003. ولم تستثمر الحكومات المتعاقبة سوى القليل في هذا القطاع.
وتؤكد ربى حسن المسؤولة بوزارة الصحة أن كل اللقاحات التي وصلت العراق آمنة وفعالة. لكن حتى هذه اللحظة هناك بعض المواطنين يخشون أخذ اللقاح نتيجة إشاعات كيدية.
ويتجنب الكثيرون الذهاب إلى المستشفيات العامة ولديهم ما يبرر ذلك، فعلى سبيل المثال اندلع حريق هائل في جناح العزل في أحد مستشفيات بغداد الشهر الماضي، مما أسفر عن مقتل أكثر من 80 شخصا وإصابة العشرات، وبناء عليه تم إيقاف وزير الصحة حسن التميمي عن العمل بسبب الإهمال المزعوم، واستقال الثلاثاء الماضي بسبب الحادث.
وقال فارس اللامي الأستاذ المساعد في طب المجتمع في جامعة بغداد في تصريحات لوكالة أسوشيتد برس إن “الحكومة يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها فاسدة وأن أفعالها منذ بداية الوباء لم تؤد إلا إلى تعميق انعدام ثقة العراقيين”.
واستشهد ببعض الممارسات المبكرة التي قد تكون سببا في صرف المواطنين نظرهم عن موضوع التطعيم، مثل إجبار قوات الأمن المرضى على الخروج من منازلهم وكأنهم مجرمون، وإيقاف دفن المتوفين بالفايروس لعدة أسابيع.
كما أشار اللامي إلى ما قال إنها سياسات إشكالية حالية. على سبيل المثال، قال إن هؤلاء المعرضين لخطر الإصابة، مثل أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة أو أمراض نقص المناعة، يتعين عليهم الانتظار داخل المستشفيات للحصول على جرعتهم، مما يعرضهم لخطر الإصابة بالعدوى. وفي الوقت نفسه، يمكن للأشخاص الذين لديهم علاقات شخصية الحصول عليها بسهولة.
في الأسبوع الماضي، ومع استمرار جهود التطعيم البطيئة، انتشرت صور الصدر، وهو يرتدي قناع الوجه ويأخذ جرعة التطعيم في ذراعه على وسائل التواصل الاجتماعي. وبعد فترة وجيزة، أطلق أتباعه حملة تطعيم، ودعوا أنصاره للانضمام إليهم ونشروا صورا لأنفسهم وهم يحملون لافتاته أثناء جلوسه في مركز طبي وهو يتلقى اللقاح.
ويقول منهيل الشبلي (30 عاما) من مدينة النجف المقدسة حيث تلقى هو والعديد من الموالين للصدر جرعة التطعيم “كنت ضد فكرة التطعيم. كنت خائفا، ولم أؤمن بها. لكن كل هذا تغير الآن، فقد حفّزني الصدر عندما رأيته وهو يحصل على اللقاح”، وشبّه الأمر بالجنود الذين يتم تشجيعهم عندما يرون قائدهم يقف على خط المواجهة.
ولا يبدو أن ثمة مؤشرات تدل على تطويق المشكلة، فقد ارتفعت أعداد الحالات الجديدة إلى أكثر من 8 آلاف حالة يوميا الشهر الماضي، وهي أعلى نسبة على الإطلاق منذ تفشي المرض بالبلاد، ولكن المعدلات اليومية انخفضت في الأسبوع الماضي، وتم تسجيل 5 آلاف حالة إصابة جديدة الاثنين الماضي.
وقد استفادت وزارة الصحة من الحملة، ونشرت على صفحتها على فيسبوك صورة للصدر وهو يتلقى جرعة اللقاح، قائلة إن “تطعيمه كان يهدف إلى تشجيع جميع المواطنين على فعل الشيء نفسه”.
واعتبر اللامي أن ما حصل تطور إيجابي عندما يشجع تطعيم شخصية سياسية أو دينية الناس على أخذ جرعة اللقاح. وأضاف “لكن الأيديولوجيا التي تقوم على المتابعة العمياء لقرار أي شخص هي كارثة في حد ذاتها”.
وأدخلت وزارة الصحة إجراءات لدفع العراقيين لتلقي اللقاح، وشملت فرض قيود السفر لأولئك الذين لا يبرزون بطاقة التطعيم وفصل الموظفين من المتاجر ومراكز التسوق والمطاعم. وفي حين أن الإجراءات دفعت المزيد من المواطنين إلى البحث لتلقي التطعيم، إلا أنها أربكت وأغضبت كثيرا من العراقيين الذين لا يزالون متحفظين إلى حد كبير.
ويؤكد أصحاب المطاعم أنهم فوجئوا بهذه الإجراءات، ولم يكونوا متأكدين مما إذا كانت تعني أنهم سيواجهون الإغلاق إذا رفضوا. ويقول رامي أمير الذي يملك مطعما للوجبات السريعة في بغداد “لا يوجد قانون واضح يجب اتباعه. لا أريد تلقيح جميع العاملين لديَّ لأنهم قد يعانون من آثار جانبية خطيرة أو مضاعفات”، مرددا شكوكا واسعة النطاق.
في المقابل، اعتبر عمر محمد، صاحب مطعم آخر، أن المتقدمين للحصول على وظيفة جديدة في مطعمه قد ذهبوا عندما قيل لهم إن بطاقات التطعيم كانت شرطا أساسيا ضروريا للتوظيف.
وتم إعطاء الأولوية للعاملين بالمجال الصحي لتلقي اللقاح وتمكنوا من التسجيل المسبق في يناير الماضي، عندما تلقى العراق أول شحنة من 50 ألف جرعة لقاح من سينوفارم الصيني.
وعندما ذهب محمد السوداني حديث التخرج من كلية الطب، 24 عاما، لتلقي التطعيم هذا الشهر، ظهر في المركز الطبي وقال إنه لم يسجل مسبقا لتلقي لقاح أسترازينيكا. كما قال إنه بالكاد رأى أناسا آخرين في المركز الطبي. وفي الأسبوع التالي أحضر اثنتين من خالاته إلى نفس المركز. لم يكن هناك سوى شخصين آخرين في غرفة الانتظار.
وأضاف “جاءت الممرضة وطلبت منهم الاتصال بأقاربهم وأصدقائهم للحضور لرفع الرقم إلى ما لا يقل عن 10 أشخاص لأن التطعيمات داخل مجموعة اللقاح كانت صالحة لمدة 6 ساعات فقط”.
لكن المشهد كان مختلفا في المستشفيات التي تمتلك لقاحات فايزر. وتوجهت تبارك رشاد (27 عاما) الأسبوع الماضي إلى مستشفى الكندي ببغداد. وكانت غرفة الانتظار مزدحمة بالعشرات، مما أثار مخاوف من الإصابة. وقالت “ذهبت لحماية نفسي من هذا الفايروس، وليس لتلقي العدوى في هذه الغرفة. هذه كانت فوضى”.