صعود “البونابرتية” في إيران

صعود “البونابرتية” في إيران

ظهرت تكهنات كثيرة بأن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي وعناصر مختلفة داخل النظام يبحثون عن رجل عسكري قوي لخلافة الرئيس حسن روحاني في انتخابات 18 حزيران/يونيو. ولكن من المرجح أن تؤدي مثل هذه النتيجة إلى تعزيز قوة خامنئي أكثر من إصلاح النظام الإيراني بشكل جذري.

إذا أردنا إعادة صياغة ما ورد في “البيان الشيوعي”، يمكننا القول إن شبحاً يطارد إيران: شبح “البونابرتية”، وهي أيديولوجية تعود إلى عهد نابليون وتتمثل بالدعوة إلى دكتاتورية عسكرية مركزية يقودها رجل قوي يتحلى بالجاذبية كرئيس للحكومة. وكونها جمهورية إسلامية، تملك إيران بالفعل “مرشدها الأعلى” وهو آية الله علي خامنئي. ومع ذلك، ظهرت تكهنات كثيرة بأن خامنئي وعناصر مختلفة داخل النظام يبحثون عن رجل عسكري قوي لخلافة الرئيس حسن روحاني في انتخابات 18 حزيران/يونيو. وربما ما هو معروف بدرجة أقل هو حقيقة أن البونابرتية أصبحت أيديولوجية سياسية شعبية حتى بين الإيرانيين الذين ليس لهم علاقة تذكر بالهيئات العسكرية والأمنية في البلاد أو لا علاقة لهم بها على الإطلاق.

ما هي البونابرتية في السياق الإيراني؟

عند وصفه الرئيس المثالي، غالباً ما يشير خامنئي إلى مرشح فتي في “حكومة «حزب الله»”، ما يعني حرفياً “عضواً في «حزب الله»” وعملياً شخصاً مخلصاً تماماً للمرشد الأعلى. ومن بين أكثر مؤيدي النظام تفانياً. وعادة ما تكون هذه التسمية مخصصة للأفراد الذين لديهم نوع من الانتماء إلى جهاز المخابرات أو الجيش أو الأمن. ومع ذلك، فإن خامنئي و«الحرس الثوري الإسلامي» ليسا الوحيدَيْن الذين يحلمان برئيس في “حكومة «حزب الله»” يتمتع بخلفية عسكرية- فهذا الشعور “البونابرتي” له جذور قوية في التاريخ الإيراني، بما في ذلك ما قبل الثورة الإسلامية.

في النصف الأول من القرن العشرين، جسّد رضا شاه بهلوي أمل البونابرتيين في إنشاء دولة إيرانية حديثة بعد سنوات من عدم الكفاءة السياسية وعدم الاستقرار الاجتماعي. فقد نشأ من جذور متواضعة ووصل إلى السلطة من خلال خدمته العسكرية، وبنى قاعدة قوة اجتماعية ليس فقط بين أصدقائه المناصرين لـ”الحكم المطلق” (انظر أدناه)، بل أيضاً بين العلمانيين السابقين المؤيدين لتطبيق الدستور، والمفكرين الديمقراطيين الليبراليين، ورجال الدين التقليديين، والمواطنين العاديين. كان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه الشخص الوحيد الذي يمكنه إنهاء الفوضى الوطنية ومعالجة المشاكل المتزايدة للفقر وانعدام الأمن.

وبمجرد وصوله إلى السلطة، انتهى به الأمر إلى قيادة ديكتاتورية عنيفة، لكن الآراء بشأن سجله أصبحت أكثر إيجابية في العقود التي أعقبت إقالته على يد القوات البريطانية والسوفيتية الغازية. ففي عام 2005 على سبيل المثال، أفادت بعض التقارير بأن المرشح الرئاسي محمد باقر قليباف وصف نفسه أثناء حملته الانتخابية بأنه “رضا شاه «حزب الله»”، ولكن بدلاً من نفور الإيرانيين من هذا الوصف، رفض العديد منهم قليباف لأنهم لم يعتبروه على مستوى الدكتاتور الراحل.

وخلال حياة رضا شاه، تم استخدام مصطلحي “الاستبداد المستنير” و”الحكم المطلق” لتبني الأفكار نفسها التي تتبناها “البونابرتية”. بالنسبة للمثقفين والمسؤولين الإيرانيين العلمانيين في الدول الأجنبية القوية مثل فرنسا، كان رضا شاه يمثل الأمل الوحيد لاستمرار التحديث في إيران. وسعى القادة الأوروبيون المناصرون لـ”الحكم المطلق” إلى إصلاح البيروقراطية، وتعزيز التسامح الديني، ودفع التنمية الاقتصادية، ولكن في الوقت نفسه تجنب أي تغييرات قد تقوض سيادتهم الاستبدادية. وكان يُنظر إلى مصطفى كمال أتاتورك على أنه يقود هذا النوع من التحديث في تركيا. وفي إيران، أيد مفكرون مثل علي دشتي وسید حسن تقي زاده هيمنة رضا شاه، ساعين إلى تحقيق نفس هذه الأهداف.

من الناحية النظرية، يمكن أيضاً تبرير فكرة “الحكم المطلق الخيّر” أو “المستبد العادل” بالمبادئ الدينية الإسلامية، حيث تكون الأولوية هي أمن الشعب وازدهاره. ولسنوات، كانت “ولاية الفقيه” – العقيدة التي استولى بموجبها المرشدون على السلطة المطلقة في إيران ما بعد الثورة بصفتهم رجال دين حاكمين – مثيرة للجدل ضمن المؤسسة الدينية. ومع ذلك، لا يشكك علناً في شرعية هذه العقيدة اليوم إلا القليلين، مما يشير إلى أن العديد من علماء الدين المسلمين الشيعة قد عادوا ضمنياً إلى النظرية السياسية التقليدية لطائفتهم التي يكون فيها الحاكم المستبد مقبولاً إذا كان عادلاً ويحمي مصالح المجتمع الشيعي وحدوده الإقليمية.

إن عودة الحكم المطلق/”البونابرتية” كهدف مثالي في إيران ليس مفاجئاً نظراً للإحباط واسع النطاق الذي يشعر به الشعب تجاه النخبة السياسية الحالية، التي يلومها الكثيرون لفشلها في معالجة المشاكل الهيكلية، أو إصلاح النظام القائم، أو قيادة ثورة ناجحة أخرى. ولا يشكل وضع رجل عسكري في السلطة كرئيس قوي وكفء خطةً شبه سرية يصيغها خامنئي، بل إنه رغبة “بونابرتية” تحظى بشعبية متزايدة بين الجماهير المحبطة والفصائل السياسية التي لم تكن تتماهى من قبل مع «الحرس الثوري الإسلامي».

على سبيل المثال، أعرب بعض أعضاء الحزب التكنوقراطي “کارگزاران سازندگی” (“حزب منفذي البناء”) عن ميلهم إلى وجود رئيس عسكري استبدادي يحكم البلاد خلال السنوات العشر القادمة على الأقل. وتبنّى عضو الحزب سعيد ليلاز هذه الفكرة بشكل صريح في مقابلة أجراها في كانون الثاني/يناير، مشيراً إلى أنها الطريقة الوحيدة لإصلاح مشاكل الفساد وانعدام الكفاءة وتفكك مؤسسات الدولة. وفسّر ما يعنيه ذلك قائلاً: “نرى في الأفق السياسي لإيران هيمنة شخص شبيه ببونابرت لفترة انتقالية، وليس بشكل دائم…على غرار رضا شاه الذي تحدث عنه كل من معارضي النظام والأشخاص داخل الحكومة. ونظراً لأن «الحرس الثوري الإسلامي» هو التنظيم العسكري والسياسي الأكثر تكاملاً، فإن مستقبل إيران يجب أن يمرّ بالعسكرة، وسوف يمرّ بها، لنتمكن من حل مشكلتين على الأقل من مشاكلنا وهما، انعدام الكفاءة وانعدام النزاهة.”

وبالمثل، كثيراً ما غرّد نائب الرئيس السابق عطاء الله مهاجراني بأنه يفضل أن يكون الرئيس القادم قائداً عسكرياً. وهو أيضاً ينتمي إلى حزب “کارگزاران”، الذي لطالما تم تعريفه كحزب تكنوقراطي وبيروقراطي مع القليل من الميول الأيديولوجية المعادية للغرب – وفي الواقع، غالباً ما يتم تعريفه في الغرب على أنه فصيل “معتدل” قريب من روحاني والرئيس الراحل أكبر هاشمي رفسنجاني.

ويدافع الفصيل الشعبوي الذي يقوده الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد عن “البونابرتية” أيضاً، على الرغم من تبنيه مواقف معاكسة تماماً لتلك التي يتبناها حزب “کارگزاران” التكنوقراطي في معظم القضايا. ووفقاً لعبد الرضا دافاري، مستشاره الرئاسي السابق والمتحدث غير الرسمي الحالي، يعتقد أحمدي نجاد الآن أن “الجمهورية الإسلامية ستنهار بعد زوال خامنئي”، وأن البونابرتية هي أفضل حل للأزمات المختلفة للبلاد.

بدوره، يبدو أن خامنئي لا يثق في رجال الدين والسياسيين لتحقيق الأهداف الذي يريد أن يحققها لإيران بعد مغادرته الساحة السياسية. ففي رأيه، إن «الحرس الثوري» الإيراني هو الوحيد الذي يتمتع بالمؤهلات اللازمة لهذه المهمة. وقد يكون هذا هو تفضيل روسيا أيضاً، إذا كان بإمكان المرء تصديق الرواية التي قدمها وزير الخارجية محمد جواد ظريف في مقابلة تم تسريبها مؤخراً.

الخاتمة

أدلى هنري كيسنجر بتصريح شهير عندما قال إن الجمهورية الإسلامية يجب أن تقرر ما إذا كانت دولة أو قضية. ويؤكد سجل خامنئي هذا التشخيص، فقد أدى حكمه، الذي دام ثلاثين عاماً، إلى تفاقم الأزمات السياسية والدبلوماسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد وإعادة تدويرها. ويبدو أنه ينظر الآن إلى سيطرة «الحرس الثوري» على أنها الطريقة الوحيدة للحفاظ على الثورة، في حين يرى العديد من النخب والمواطنين الذين لا يشاركونه أيديولوجية «الحرس الثوري» أن الحكم العسكري هو الأمل الوحيد لتغيير أنماط صنع القرار المعطّلة في النظام ومعالجة الشلل المتجذر فيه.

لكن في النهاية، لا تحتاج إيران إلى انتخاب رئيس عسكري لتصبح دولة بونابرتية. إن النظام بالفعل عسكري بشكل أو بآخر، بقيادة القائد العام للقوات المسلحة (خامنئي) وتوجيهاته العسكرية. ومع ذلك، فعلى عكس ما يرغب العديد من البونابارتيين في رؤيته، من الواضح أن المرشد الأعلى ليس رجلاً قوياً ذا عقلية إصلاحية لتحديث البلاد. وهكذا، حتى لو فاز رجل عسكري بالرئاسة، فإن عملية صنع القرار في النظام لن تتغير بشكل جذري طالما بقي خامنئي في السلطة – وسيستخدم المرشد الأعلى ببساطة مثل هذا الرئيس كوكيله التنفيذي لمواصلة تنفيذ أجندته.

مهدي خلجي

معهد واشنطن