أدت الابتكارات التكنولوجية إلى ظهور أنواع جديدة من الجرائم المالية عبر رسائل البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، ومكنت المجرمين من الاحتيال على الضحايا بغض النظر عن موقعهم الجغرافي.
وبحسب موقع “وورلد فيو ستراتفور” (Worldview Stratfor) الأميركي، يستغل مبيضو الأموال تطبيقات تحويل الأموال ومنصات الاتصال المشفرة والعملات الرقمية لإخفاء الأموال غير المشروعة ونقلها.
ويستغل المجرمون هذه الأدوات الرقمية لأنها مريحة وقليلة التكلفة ومنتشرة على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، وتستفيد شبكات غسل الأموال من الدرجة العالية من السريّة التي توفرها هذه المنصات، مما يدعم أساليب الاحتيال والإنكار في حالات المساءلة القانونية.
لكن التكنولوجيات الحديثة -حسب الموقع- قد تعيق عمل المجرمين أيضا، حيث إن الاعتماد على الشركات الخاصة للاتصالات وتحويل الأموال يعني أن بإمكان المحققين الوصول إلى السجلات والبيانات من خلال أوامر قضائية. كما أن العملات المشفرة التي تعمل على تقنية “بلوك تشين” (Blockchain) مثل بتكوين (Bitcoin) خاضعة للتدقيق أيضا.
ويساعد حفظ الأنشطة والمعلومات على الأجهزة الإلكترونية الشخصية على وصول المحققين إلى الأدلة والمعلومات القيمة التي يمكن استخدامها للكشف عن عمليات الاحتيال الكبيرة بمجرد الاستيلاء على هاتف ذكي أو جهاز لوحي أو حاسوب محمول.
منصات تحويل الأموال
وتعد منصات تحويل الأموال بين الأفراد من أبرز الأدوات المستخدمة في اصطياد الضحايا وسرقة الأرصدة، وقد اكتسبت المزيد من الشعبية والانتشار خلال فترة جائحة كورونا، ومن المرجح أن يستمر الأمر بعد انتهاء الأزمة الصحية.
وتساعد هذه المنصات المجرمين على التمويه، وتعقيد جهود المحققين لأنهم يستطيعون نقل الأموال عبر حسابات متعددة والتعتيم على وجهتها النهائية.
وعلى سبيل المثال -يقول تقرير موقع وورلد فيو ستراتفور- صدرت لائحة اتهام في أبريل/نيسان 2021 ضد أحد تجار المخدرات في ديترويت لاستخدامه منصتي “زيل” (Zelle) و”فينمو” (Venmo) لتحويل أموال غير مشروعة وإخفائها.
كما يستطيع المجرمون عبر خدمات الاتصال المشفرة، التي تقدمها “واتساب” (WhatsApp) و”تلغرام” (Telegram) وغيرهما من التطبيقات، التواصل فيما بينهم وتنسيق أنشطتهم غير المشروعة.
وفق وورلد فيو ستراتفور، قامت وكالات إنفاذ القانون الأميركية في أغسطس/آب 2020 باعتراض عملية غسل أموال يشرف عليها أعضاء من تنظيم القاعدة، وقد استخدموا تطبيق واتساب وطلبوا تبرعات على شكل عمليات شراء بتكوين بهدف دعم مجموعات مسلحة في سوريا.
وفي مارس/آذار 2021، وافقت هيئة محلفين اتحادية على لائحة اتهام ضد الرئيس التنفيذي لشركة “سكاي غلوبال” (Sky Global) ومقرها في كندا، حيث يتهم المحققون الشركة بتوفير أجهزة إلكترونية مشفرة مصممة خصيصا لعمليات الاحتيال المالي والإفلات من القانون.
وتزعم لائحة الاتهام أن سكاي غلوبال سهلت لشبكات إجرامية توزيع المخدرات في عدد من دول العالم وعمليات غسل أموال. ويُزعم أن الشركة قدمت خدمات من بينها تقنية الحذف عن بعد للاتصالات أو الملفات التي يمكن استخدامها دليلا على الأنشطة غير القانونية.
من المرجح أن يعمل المجرمون على المزج بين الأساليب الحديثة والقديمة لتعزيز أنشطتهم والإفلات من السلطات (غيتي)
عملة بتكوين
وحسب الموقع، تساعد العملات المشفرة مثل بتكوين في إخفاء هوية الأصول المالية، وتجعلها قابلة للتحويل بسهولة في جميع أنحاء العالم، وهو ما زاد من حجم الأموال المغسولة عالميا عبر الاتجار بالبتكوين من حوالي مليار دولار في عام 2018 إلى 2.8 مليار دولار في عام 2019، وفقا لمؤسسة “تشين أناليسيس” (Chainanalysis).
وتعتبر العملات المشفرة من أبرز الوسائل التي يستخدمها المجرمون في تحويل الأموال وعمليات التمويه، لكنها تتضمن ثغرات تساعد في الكشف عن تلك الجرائم.
وتؤكد تشين أناليسيس في تقرير لها أن 55% من النشاط الإجرامي في مجال العملات المشفرة يتركز ضمن مجموعة صغيرة من 270 عنوانا من عناوين بلوك تشين، مما يعني أن بإمكان المحققين تعطيل معظم العمليات غير القانونية من خلال التركيز على مجموعة صغيرة فقط من الحسابات.
وفي ظل اعتماد شبكات ترويج المخدرات وغيرها من المنتجات غير المشروعة بشكل متزايد على العملات المشفرة، تستمر سلطات إنفاذ القانون في تضييق الخناق على هذه الشبكات والتدقيق في عمليات التبادل للكشف عن الأنشطة غير القانونية.
ففي يناير/كانون الثاني 2021 -وفق ما يقول تقرير وورلد فيو ستراتفور- اعترف رجل من كاليفورنيا بمبادلة ما يعادل 13 مليون دولار من عملة بتكوين دون تسجيل أنشطته المالية. وقد تم القبض عليه بعد موافقته على تسهيل بيع عملات بتكوين بما يعادل أكثر من 80 ألف دولار نقدا لضابط ادعى أنه عضو في شبكة دولية لتهريب المخدرات.
وفي ظل المخاطر المرتبطة بالعمليات المالية غير المشروعة عبر الإنترنت، من المؤكد -وفقا للموقع- أن المجرمين لن يتخلوا في المستقبل القريب عن الطرق التقليدية في غسل الأموال، بل من المرجح أن يعملوا على المزج بين الأساليب الحديثة والقديمة لتعزيز أنشطتهم والإفلات من سلطات إنفاذ القانون.
وقد يتم ذلك عبر تقليل تكاليف إنشاء “شركات الواجهة” من خلال تحويلها إلى العالم الافتراضي، واستخدام تطبيقات تحويل الأموال لتعزيز عمليات غسل الأموال القائمة على المبادلات التجارية، أو زيادة التعتيم والتمويه في عمليات شراء العملات المشفرة.
تهديدات ومخاطر للمشاريع التجارية
نظرا لأن الإجراءات الصارمة في القطاع المالي تزيد من صعوبة غسل الأموال عبر المؤسسات المصرفية التقليدية، يلجأ المجرمون لاستهداف الشركات في القطاعات الأخرى.
ووفقا لشركة “فينيرغو” (Fenergo)، فرضت السلطات الأميركية غرامات على الشركات بمبالغ بلغت 10.4 مليارات دولار في عام 2020 بسبب مخالفات متنوعة، بعد أن كانت في حدود 8.14 مليارات دولار عام 2019.
ومن شأن فهم آليات غسل الأموال ومختلف الأساليب المستخدمة في هذه الأنشطة، أن يساعد الشركات والمؤسسات التي تعمل بشكل مشروع على تجنب المخاطر المرتبطة بهذه العمليات غير القانونية.
ويعتمد المجرمون باستمرار على الاقتصاد الرسمي لتلقي القروض الحكومية عن طريق الاحتيال، أو انتحال صفة الشركات الشرعية، أو بيع المنتجات التي تم شراؤها بأموال غير مشروعة في منافذ بيع قانونية.
وأشار تقييم حديث لتهديدات الجريمة المنظمة في دول الاتحاد الأوروبي إلى أن 80% من الشبكات الإجرامية في دول الاتحاد تستخدم غطاء تجاريا قانونيا للقيام بأنشطتها غير المشروعة، بما في ذلك غسل الأموال.
ويمكن أن يؤدي غسل الأموال القائم على الأنشطة التجارية -وتحديدا عمليات غسل الأموال غير المشروعة من خلال شراء السلع المشروعة- إلى اختلاط الأموال وتعريض الكثير من أصحاب المشاريع والشركات للمساءلة القانونية.
المصدر : مواقع إلكترونية