شكّل اغتيال إيهاب جواد الوزني الناشط البارز في الحراك الاحتجاجي في العراق عملية استفزاز مقصودة من قبل الميليشيات الشيعية التي تفضّل استئناف المواجهة مع المحتجّين في الشارع على إجراء انتخابات مبكّرة غير مضمونة النتائج لها وللأحزاب المرتبطة بها.
وعُرف الوزني رئيس تنسيقية الاحتجاجات في كربلاء، جنوب بغداد، بأنه من أبرز الأصوات المناهضة للفساد وسوء إدارة الدولة والمنادية بالحد من نفوذ إيران والجماعات المسلحة في المدينة الشيعية المقدسة.
وكشف اغتيال الوزني أن القوى التي تجهض الانتفاضة العراقية لا تلجأ إلى التخويف المفيد بالنسبة إليها مع المحتجين في الشوارع والميادين، بل تستهدف قادة الحراك لتجهض كل تخطيط شعبي في هذه المرحلة.وبعد اغتيال المئات من الناشطين في الانتفاضة العراقية من بينهم صفاء السراي في بغداد والطبيبة سعاد العلي وريهام يعقوب ورسام الكاريكاتير حسين عادل وزوجته سارة طالب في البصرة، والناشط أمجد الدهامات في ميسان والناشط فاهم الطائي في كربلاء والمحلل السياسي هشام الهاشمي في بغداد، اغتيل الوزني فجر الأحد في كربلاء.
ويمثل اغتيال قادة انتفاضة تشرين في المدن العراقية فرصة الميليشيات الولائية لإخلاء الساحات من قادة الحراك، كما هي فرصة السياسيين العراقيين للتملص من محاورة قادة الانتفاضة، بالتذرع بعدم وجود مثل هؤلاء القادة مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في أكتوبر المقبل.
إلا أن نشطاء الانتفاضة لا يتفقون مع هذه القراءة التي تطمح إليها الميليشيات الولائية، مؤكدين أن الاغتيالات تحفز الكثير من النشطاء الذين كانوا يفضلون العمل بهدوء على المواجهة، وهذا يعني أن اغتيال قادة الحراك لن يقضي عليه بل يعيد تجذيره في المجتمع بوصفه الحل الوحيد لأزمة البلاد السياسية.
وقال السياسي والناشط في انتفاضة تشرين جبار المشهداني “لا يمكن إجهاض انتفاضة تشرين لأنها حركة مجتمعية وليست قائمة انتخابية، وما يجري من استهداف لرموزها هو رد فعل على تدهور وضع الجهة التي تستهدفهم وشعورها بالوهن واقتراب مرحلة بداية النهاية”.
ودفع اغتيال الوزني كثيرين إلى إدانة الأحزاب الشيعية، وهو تطور جديد ومهم في سياق الحراك، فكلما ورد مصطلح “الأحزاب الشيعية” كانت إيران حاضرة.
ويرى سياسي عراقي أن فهم حدود مصطلح الأحزاب الشيعية يتطلب إبعاد الصدريين من جهة والقوى الليبرالية أو المعتدلة أو الوسطية، مثل مصطفى الكاظمي وبعض القوى الشيعية غير المرتبطة بإيران، من جهة أخرى، الأمر الذي يجعل معركة الحراك القادمة مع الأحزاب الشيعية التي ترتبط بإيران حصرا.
وعبر السياسي العراقي الذي فضل عدم ذكر اسمه في تصريح لـ”العرب” عن خشيته ألا يتمكن الكاظمي من تحييد نفسه عن هذه الأحزاب بحكم موقعه في رئاسة الوزراء.
وقال “يمكننا الآن أن نرصد نبرة النقد اللاذع للأحزاب الشيعية المرتبطة بإيران لدى نشطاء وصحافيين ومدونين في الداخل. ويطال النقد ’السلطة الشيعية‘، وهي سلطة العقيدة الولائية التي تخيف جميع مؤسسات الدولة وترتهنها”.
Thumbnail
وقال السياسي العراقي المستقل جبار المشهداني “إن رقعة الشطرنج العراقية واضحة المعالم واللاعبين وشروط اللعب،” موضحا أن “انتفاضة تشرين وأبطالها هي المتغير الذي غير اللعبة وشروطها وأرعب اللاعبين محليين وإقليميين”.
وأضاف المشهداني في تصريح لـ”العرب” “لأن انتفاضة تشرين تعلمت الدرس جيدا مما سبقها فلم تفصح عن قادتها ومنظميها فأجهدت القوى المتضررة من الحراك الشعبي في البحث والتنقيب والمتابعة”.
وأكد على أن من لا يريد الاستفادة من دروس التاريخ فذلك شأنه، ولكن استهداف قادة الحراك هو عملية تسريع في إنهاء العملية السياسية المتهالكة ودماء الشهداء التشرينيين هي طاقة إيجابية وقوة دفع كبيرة للحراك الذي يمثل الولادة المتجددة.
شاهو القره داغي: لا أهمية للحديث عن بيئة مناسبة للانتخابات في ظل استمرار تصفية النشطاء
شاهو القره داغي: لا أهمية للحديث عن بيئة مناسبة للانتخابات في ظل استمرار تصفية النشطاء
وشدد المشهداني على أن العملية السياسية بشكلها الحالي تلفظ أنفاسها الأخيرة ولم تعد صالحة للبقاء وهذا الملف مطروح على منضدة التفاوض بين اللاعب الإقليمي واللاعب الدولي الكبير، وما تخشاه جميع الأطراف الحاكمة ومن يدعمها أن يكون البديل تشرينيا يرفع شعارا واضحا.
وقال شاهو القره داغي مستشار مركز العراق الجديد للبحوث والدراسات الإستراتيجية إن منظومة الأحزاب الفاسدة “لا تستطيع التخلي عن العقلية الأمنية والأسلوب الميليشياوي في التعامل مع خصومها مهما رفعت من شعارات ديمقراطية وأكدت احترامها لحقوق الإنسان والتنافس العادل في الانتخابات”.
وأضاف القره داغي في تصريح لـ”العرب” “من الواضح أن هناك حملة ممنهجة لتصفية الساحات من الأصوات المؤثرة والحرة إما عن طريق اغتيالها أو دفعها إلى الهروب أو تهديدها أو شراء ذممها كما حصل مع البعض، وجميع هذه الممارسات تهدف إلى إضعاف وتحييد الحراك الذي تشكل بعد تشرين وشكل تهديدا حقيقيا للنظام السياسي”.
وقلل من أهمية الحديث عن توفير بيئة مناسبة للانتخابات في ظل استحواذ طرف على المال والسلاح وقدرته على تصفية وقتل الطرف الآخر الذي يتسلح فقط بفكره وصوته الحر.
وشهد العراق منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في أكتوبر 2019 حملة واسعة من الاغتيالات والخطف والتهديدات التي طالت منظمي الاحتجاجات.
وسبق أن نجا الوزني من محاولة اغتيال سابقة في ديسمبر 2019 عندما قُتل أمام عينيه فاهم الطائي، الذي كان في الثالثة والخمسين من عمره، في هجوم نفذه مسلحون يستقلون دراجة نارية، بأسلحة مزودة بكاتم للصوت.
وعاد القتلة في منتصف الأحد لقتله أمام منزله، أمام كاميرات المراقبة، كما يحدث في الكثير من الأحيان.
وعلى إثر ذلك خرجت تظاهرات في كربلاء ومدن أخرى بينها الناصرية والديوانية، في جنوب العراق، احتجاجا على عملية الاغتيال.
ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم مثلما حدث مع هجمات سابقة اختفى بعدها الفاعلون تحت جنح الليل، في بلد تفرض فيه فصائل مسلحة سيطرتها على المشهد السياسي والاقتصادي.
وأكد ناشط مقرب من الوزني متحدثا في الطبابة العدلية في كربلاء “إنها ميليشيات إيران، اغتالوا إيهاب وسيقتلوننا جميعاً، يهددوننا والحكومة صامتة”.
وكما هي الحال في كل مرة، تكتفي الجهات المسؤولة بالإعلان عن عدم قدرتها على التعرف على مرتكبي هذه الاغتيالات التي تقف وراءها دوافع سياسية في بلد شهد حربا أهلية بلغت ذروتها بين 2006 و2009.
وقرر محافظ كربلاء نصيف الخطابي وضع جميع القوات الأمنية في المحافظة في حالة استنفار في مسعى لاعتقال الجناة، وفقا لبيان صدر عن مكتبه.
وفي محافظة ذي قار أغلق المئات من المتظاهرين عددا من الطرق الرئيسية وسط مدينة الناصرية احتجاجًا على قتل الوزني.
صحيفة العرب