“القدس”… ترمومتر القضية الفلسطينية

“القدس”… ترمومتر القضية الفلسطينية

بعد سيطرة إسرائيل على القدس الشرقية بقوة السلاح عام 1967، باتت تشكّل المدينة مركزاً للصراع والاشتباك بين الفلسطينيين من جانب والشرطة الإسرائيلية والمستوطنين من جهة أخرى، وعبر السنين انطلقت هبات ومواجهات عدة بين الطرفين، لم ينحصر بعضها في القدس، بل امتد إلى الضفة الغربية وقطاع غزة.

وشملت الهبات والمواجهات بين المقدسيين والإسرائيليين جميع أنماط المقاومة الشعبية المشروعة دولياً، وفي بعضها لجأ الفلسطينيون إلى أساليب العنف الثوري والعمليات الفردية، التي كانت بعيدة في جميع الأوقات من الفصائل المسلحة، ومن أبرزها:

مذبحة الأقصى الأولى

هبة مصلى قبة الصخرة عام 1982 كانت البداية عندما حاولت مجموعات سرية يهودية تفجير مصلى قبة الصخرة، وحينها اكتشف المصلون المتفجرات، وثاروا ضد جنود الجيش الإسرائيلي الذين حاولوا مهاجمة مسجد قبة الصخرة، وعلى إثرها انطلقت شرارة المواجهة الشعبية الأولى للمقدسيين ضد الإسرائيليين، وقارع فيها الشبان الجنود بالحجارة أياماً عدة، إلى أن احتوى الجيش الموقف، وأعاد الأوضاع الميدانية إلى طبيعتها.

مذبحة الأقصى الأولى عام 1990، التي كانت شرارتها عندما حاولت جماعة من “أمناء جبل الهيكل” وضع رخامة وزنها خمسة أطنان كحجر أساس للهيكل المزعوم في باحات المسجد الأقصى، وعلى إثرها خرج المصلون للتصدي للمستوطنين، ودارت بينهم مقارعة طويلة، تدخلت فيها قوات الجيش وفتحت النار على الفلسطينيين خلال الصلاة بالأقصى، وقتلت 22 منهم، وأصابت 150، واعتقلت 270. وحينها رفضت السماح لسيارات الإسعاف بالوصول لانتشال الجثث وإنقاذ الجرحى.

النفق وانتفاضة الأقصى

في عام 1996 افتتحت السلطات الإسرائيلية بوابة نفق بطول 450 متراً يمر من أسفل المسجد الأقصى، عملت على مدى سنتين على حفره، فانطلق المقدسيون في مسيرات، وحاول المتظاهرون التصدي للقوات الإسرائيلية التي استخدمت السلاح، ودار بينهم مواجهات عنيفة استمرت ثلاثة أيام، امتدت رقعتها إلى مدن الضفة الغربية وقطاع غزّة، وراح ضحية الهبة 63 فلسطينياً، وأصيب 1600 منهم، نصفهم من قطاع غزّة.

وفي عام 2000 اندلعت انتفاضة الأقصى، بعدما زار رئيس وزراء إسرائيل آنذاك أرئيل شارون المسجد بحماية من الشرطة المدججة بالسلاح، فانطلقت شرارة المواجهات بين المقدسيين والإسرائيليين، وشملت جميع الأراضي الفلسطينية واستخدم خلالها السلاح، وأسفرت هذه الانتفاضة عن مقتل 4412 فلسطينياً وإصابة 48 ألف آخرين، وقتل حينها 334 جندياً إسرائيلياً وأكثر من 700 مستوطن.

السكاكين

وبعد احتواء الموقف، عمّ الهدوء مدينة القدس حتى عام 2015، إذ انطلقت شرارة هبة السكاكين التي استمرت حتى 2016، وبدأت بعدما أحرق مستوطن ليلاً عائلة الدوابشة، وعلى إثرها بدأ المقدسيون إلى جانب فلسطينيين بالقيام بعمليات طعن متكررة لعساكر ومستوطنين قتلوا خلالها أكثر من 29 إسرائيلياً، ونفذوا 20 عملية دهس و88 عملية طعن، فرد الجيش بإعدامات ميدانية بذريعة محاولات تنفيذ عمليات طعن. وتزامنت هذه الهبة مع شن الجيش ضربات جوية على غزّة بعدما انطلق منها عدة قذائف صاروخية صوب التجمعات السكانية المحاذية للقطاع.
هبة باب الأسباط عام 2017 انطلقت عندما ركّبت الشرطة الإسرائيلية بوابات إلكترونية وعلقت كاميرات مراقبة داخل الحرم القدسي، عبر باب الأسباط، بعدما نفذ ثلاثة شبان عملية إطلاق نار على جنود إسرائيليين، وفيها تصاعد الغضب في القدس، وحاولت الشرطة قمع الشبان الثائرين باستخدام قنابل الغاز والهراوات، وخلالها توقف الأذان تماماً، ولم يرفع في المسجد الأقصى، وبعد ثلاثة أيّام احتشد المقدسيون بأعداد كبيرة، ودخلوا باحات المصلى بعيداً من البوابات الإلكترونية، وأجبروا السلطات الإسرائيلية على إزالتها.

وفي محاولة من الفصائل الفلسطينية الالتفاف على الهبة في القدس حاولوا تبني عمليات الشبان الثائرين، لكن من دون جدوى، إذ رفض المقدسيون تدخلهم، واعتبروا غضبهم دفاعاً عن القدس وبعيداً من السياسة، وعلى الرغم من عدم تدخل غزّة بتصريحات من قيادات القوى السياسية، إلا أن الطائرات الحربية شنت غارات على أرجاء متفرقة من القطاع، من دون أن تتدهور الأوضاع الأمنية لتصعيد عسكري.

بابا الرحمة والعامود

جاءت هبة الرحمة عام 2019 بعد تركيب الشرطة الإسرائيلية قفلاً على البوابة المؤدية إلى المصلى في القدس، فخرج الشبان هناك بشكل عفوي وخلعوا الأقفال، الأمر الذي أغضب الشرطة، واشتبكت في الميدان مع الموجودين وحراس المسجد واعتقلتهم، واستمرت الاشتباكات بين الطرفين خمسة أيام، عندها توجه المقدسيون إلى منطقة الباب، وأدوا صلاة الجمعة وبقي المكان مفتوحاً.

أما هبة باب العامود عام 2021، فاستفزت الشرطة الإسرائيلية المصلين حينما نصبت حواجز حديدية في باب العامود، تبعها اقتحام المستوطنين الحرم القدسي من المكان نفسه، وهجموا على المقدسيين الموجودين هناك، ثم نظموا مسيرة للاحتفال بيوم توحيد القدس بشقيها، عاصمة لإسرائيل، الأمر الذي سبب اندلاع مواجهات واسعة، رفضاً للحواجز واعتداءات المستوطنين، وخلالها حاصر الجنود المصلين في الأقصى، واعتلى القناصة الإسرائيليون المسجد، ووصلت المواجهات إلى الضفة الغربية وقطاع غزّة التي أطلقت فيها الفصائل المسلحة وابلاً من القذائف الصاروخية على مدينة القدس والتجمعات السكانية الإسرائيلية القريبة من القطاع.

عز الدين أبو عيشه

اندبندت عربي