العالم يواجه مفارقة مزدوجة: الجوع والسمنة المفرطة

العالم يواجه مفارقة مزدوجة: الجوع والسمنة المفرطة

تطرح الاختلافات في سياسات الغذاء حول العالم تحديات كثيرة على الحكومات وهي متعلقة بالأمن الصحي والغذائي والاستدامة البيئية مما يفرض عليها إعادة التفكير في أنظمتها الغذائية، لاسيما في ظل ضغوط المناخ والوباء على البيئة في وقت تطالب فيه منظمات دولية بضرورة توجيه أولويات الزراعة نحو الإنتاج الغذائي والزراعي.

بولاوايو(زيمبابوي) – مع ازدياد نسبة الجوع والسمنة المفرطة في العالم، يقترح تقرير جديد إعادة ضبط جذري للغذاء والتغذية لضمان المحافظة على سبل العيش والبيئة على المدى الطويل في ظل مواجهة العالم لمفارقة الثراء مقابل ضعف النمو السكاني والجوع مقابل الكثافة السكنية مما يحتم إعادة النظر في سياسات الغذاء.

ووفقا لتقرير جديد لمركز باريلا للغذاء والتغذية، فإن 690 مليون شخص على مستوى العالم يفتقرون إلى الغذاء الكافي. وأدى فايروس كوفيد – 19 إلى تفاقم هذه الظروف، كما أنه من المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى ما بين 83 و132 مليون شخص سيعانون من نقص في التغذية بسبب انقطاع سبل العيش جراء الوباء.

لقد أصدرت مؤسسة مركز باريلا للغذاء والتغذية تقريرا بتاريخ الأربعاء 14 أبريل 2021، بعنوان “طريقة صحية واحدة للغذاء -الهرم المزدوج
الذي يربط بين ثقافة الغذاء والصحة والمناخ”.

ويثير هذا التقرير مخاوف من أن استهلاك مصادر غنية بالبروتين والفيتامينات والمعادن (مثل البيض) في بعض البلدان الأفريقية لا يزال منخفضا.

ويجمع الهرم المزدوج بين هرم الصحة والمناخ الذي “يعمل كمبدإ توجيهي للاختيارات الغذائية اليومية. والذي يعمل على تعزيز وعي الناس وإثراء معرفتهم حول تأثيرات خياراتهم الغذائية وتشجيع الأنماط الغذائية الصحية للبشر والأكثر استدامة للكوكب”.

تحدّ بيئي
وفقا لوكالات الإغاثة، سيتوافق هذا النموذج مع احتياجات البلدان التي تعاني من ضغوط غذائية في جنوب الكرة الأرضية، حيث أثر تغير المناخ والأمن الغذائي على سبل عيش الملايين الذين لا يتناولون سوى وجبة واحدة في اليوم.

يقول التقرير “يحاول الهرم الأفريقي المزدوج توضيح أنه من الممكن احترام العادات والتقاليد المحلية مع التوصية بالمواظبة على تناول الأطعمة لتحسين الصحة والبيئة”.

غطى الهرم الأفريقي المزدوج التجريبي خمس دول هي نيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب أفريقيا وتنزانيا وإثيوبيا. ولاحظ الباحثون أنه في حين أن القارة الأفريقية كانت متنوعة، “بشكل عام، يمكن العثور على بعض السمات المشتركة أيضا، مثل الوجبة المكونة من طبق واحد على أساس مكون نشوي”.

ولكن كما قالت مارتا أنتونيلي، رئيسة قسم الأبحاث في مؤسسة باريلا، لوكالة إنتر بريس سيرفس، فإن السياسة الغذائية أصبحت مسألة أزمات مختلفة لأناس مختلفين.

وأوضحت “لكل منطقة مختلفة من العالم أولويات مختلفة للنظر فيها. ويمكن تطبيق مبادئ النظام الغذائي المستدام والصحي في جميع السياقات وتوجيه منهج جديد تجاه الغذاء”.

وأضافت أنتونيلي “اليوم، تفشل الأنظمة الغذائية في توفير غذاء كاف ومنصف للجميع، وتشكل عبئا غير مستدام على البيئة. وتجب مراعاة الصحة والبيئة معا عند التعامل مع الأنظمة الغذائية، والتي تعد وسيلة قوية للغاية لتحسين كليهما”.

كلفة عالية لغذاء صحي

يقول تقرير منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) إن أكثر من 3 مليارات شخص في جميع أنحاء العالم لا يستطيعون تحمل تكاليف نظام غذائي صحي. وهذه مفارقة عالجتها مؤسسة باريلا في تقاريرها السابقة حيث أظهرت تزايد سوء التغذية بجميع أشكاله: نقص التغذية ونقص المغذيات الدقيقة وزيادة الوزن/السمنة.

وأظهر تقرير التغذية العالمي الصادر عن المنظمة أن 88 في المئة من البلدان تواجه عبئا خطيرا يتمثل في نوعين أو ثلاثة أنواع من سوء التغذية، أي نقص التغذية أو نقص المغذيات الدقيقة أو زيادة الوزن أو السمنة.

وتشمل النتائج الحديثة أن السمنة لدى الأطفال والبالغين قد زادت في جميع البلدان تقريبا، مما يثقل كاهل أنظمة الرعاية الصحية العالمية.

ومع ذلك، فإن بعض البلدان الأفريقية تواجه تحديات لمواجهة نموذج الهرم المزدوج.

690 مليون شخص على مستوى العالم يفتقرون إلى الغذاء الكافي والوباء يفاقم هذه الأزمة

في بيان صحافي بتاريخ 29 مارس، قالت مديرة برنامج الغذاء العالمي في زيمبابوي فرانشيسكا إيدلمان إن أكثر من 2.4 مليون شخص في المناطق الحضرية يكافحون من أجل تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية.

وأضافت إيدلمان “أدى انخفاض الوصول إلى الأطعمة المغذية إلى آثار سلبية بالنسبة للكثيرين. سوف تجد العائلات صعوبة في وضع الطعام على المائدة. يمكن للمحظوظين توفير بعض وجبات الطعام بينما سيضطر آخرون إلى النوم ومعدتهم فارغة”، وتابعت أنه “بالنسبة للأشخاص الأكثر ضعفا، سيكون للجوع تأثير دائم على حياتهم”.

ويشير تقرير باريلا إلى أن القدرة على تحمل تكاليف الأنظمة الغذائية الصحية “تتعرض للخطر خاصة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل”. بينما يدعو إلى خفض تكلفة الأطعمة المغذية. كما يدعو إلى إعادة توجيه الأولويات الزراعية نحو الإنتاج الغذائي والزراعي المغذي.

قد يكون هذا صعبا بالنسبة للبلدان الأفريقية، بما في ذلك زيمبابوي، حيث لا تزال الزراعة تعاني من نقص التمويل. ولطالما كافحت الحكومة لإقناع أصحاب الأراضي الصغيرة بزراعة أصناف محاصيل مغذية ومقاومة للجفاف.قالت فانيانا جميلة مالكة صغيرة في بولاوايوو والتي تعتبر ثاني أكبر مدينة في زيمبابوي، “أطفالنا لا يحبون الطعام المحضر من الحبوب الصغيرة. فهم متعودون على وجبة الذرة. ولهذا فإننا نواصل زراعتها”.

لكن كاتارزينا ديمبسكا وهي واحدة من الباحثين الرئيسيين في باريلا، تقول إن “الحكومات يجب أن تعيد التفكير في سياسات الغذاء إذا أريد تحقيق الأنظمة الغذائية الصحية بنجا

وأضافت ديمبسكا “إن خفض تكلفة الأطعمة المغذية وزيادة القدرة على تحمل التكاليف يبدآن بإعادة توجيه أولويات الزراعة نحو الإنتاج الغذائي والزراعي. ويُظهر هرم الصحة المزدوج والمناخ أنه من خلال نظام غذائي متنوع ومتوازن، يمكننا تعزيز صحتنا وطول العمر والرفاهية مع تقليل بصمتنا الكربونية”.

يقول ناثان هايز كبير المحللين المتخصصين في شؤون أفريقيا في وحدة المعلومات الاقتصادية، إنه يتعين بذل المزيد من الجهود إذا أرادت بلدان، مثل زيمبابوي، تلبية توصيات الوكالات الدولية في ما يتعلق بالغذاء والتغذية.

وتابع هايز “على المدى الطويل، يجب على زيمبابوي زيادة حجم الإنتاج الغذائي المحلي وتحسين توزيع الغذاء لتحسين توافر الغذاء والسماح للزيمبابويين بتلبية احتياجاتهم الغذائية. وحتى مع حصاد جيد هذا العام، سيظل انعدام الأمن الغذائي كبيرا في زيمبابوي، ولا يزال البلد بعيدا عن تحقيق الاكتفاء الذاتي الزراعي”.

من بين التوصيات السياسية الأخرى لتعزيز نجاح الهرم المزدوج، يقول تقرير باريلا إن هناك حاجة إلى “تعزيز برامج التدريب والتعليم لدعم المزارعين أصحاب الأراضي الصغيرة للنمو بشكل مستدام والوصول إلى أسواق
الأطعمة المغذية”، وهو ما يعتبر نقصا في العديد من البلدان التي شملتها الدراسة.

قالت ديمبسكا “يمكن القول إن التركيز على نظام المحاصيل كثيفة المداخيل قد قلل من مرونة الأنظمة الغذائية في جنوب الكوكب. وبالتالي، ينبغي التأكيد على استخدام الموارد الغذائية الأصلية التقليدية لتحقيق الأمن الغذائي والتغذية”.

كشفت إحصاءات التعداد السكاني لعام 2020، عن تسجيل أدنى معدل للنموّ السكاني في الولايات المتحدة منذ عقد ما بعد فترة الكساد، مما أدى إلى تحريك مجموعة من المتنبئين الاقتصادين الذين يرغبون في قلب هذا الاتجاه.

ونقلت وكالة بلومبرغ للأنباء عن المتنبئين قولهم، إنه “من أجل دعم النمو الاقتصادي، نحتاج إلى رفع معدلات الخصوبة.. وتجنب التحول إلى مجتمع ثري آخر يعاني من الشيخوخة والركود”، وربما “نحتاج حتى إلى مضاعفة عدد سكاننا بنحو ثلاثة أضعاف، ليصل إلى مليار مواطن أميركي”.

ولكن بينما تقدم إحصاءات التعداد السكاني الأخيرة حجة قوية من أجل الهجرة، لا تعترف قضية زيادة معدلات المواليد، بالصعوبة المتزايدة بشأن تغذية عالم لديه كثافة سكانية أكبر.

ل المطالبة بإطعام المزيد من الأفواه، يتعين علينا التعرف على الحقائق الأليمة المتعلقة بحجم الجوع في العالم حاليا، والتنبؤات المقلقة للغاية بشأن حدوث مجاعة، وسوء التغذية في العقود المقبلة. ويجب علينا وضع خطة لضمان المضي قدما في استقرار المناخ وزيادة الأمن الغذائي.

وحتى ذلك الحين، لن يؤدي تباطؤ النمو السكاني إلى تخفيف الضغوط على كوكب الأرض المرهق بالفعل فحسب، ولكنه سيجعل من الممكن إطعام المزيد من الناس بطريقة أكثر ذكاء واستدامة، وبأغذية ذات قدر أعلى من الجودة. فلنثبت أولا أن اتجاهات تراجع أعداد السكان تحدث بصورة تتجاوز حدود الولايات المتحدة بكثير.

ومن جانبهم، ذكر الباحثون في “معهد المقاييس والتقييمات الصحية” التابع لجامعة واشنطن، أنه بداية من عام 2017، انخفضت معدلات الخصوبة العالمية بنحو النصف تقريبا منذ عام 1950، لتصل إلى 2.4 مولود لكل امرأة، بدلا من 4.6 ويتوقع الباحثون أن يصل عدد سكان العالم إلى 9.7 مليار نسمة بحلول عام 2060 تقريبا، قبل أن ينخفض العدد إلى 8.8 مليار بحلول عام 2100.

وذكرت وكالة بلومبرغ أنه من المتوقع أن تشهد 23 دولة -من بينها إيطاليا وكوريا الجنوبية واليابان- انخفاضا في عدد سكانها بأكثر من النصف خلال ذلك الإطار الزمني الذي بدأ في عام 2017 وسينتهي في عام 2100. وفي الوقت الحالي، يبدو أن إطعام 9 مليارات نسمة بحلول منتصف القرن، كاحتمال غير مناسب.

استهلاك مصادر غنية بالبروتين والفيتامينات والمعادن مثل البيض يثير المخاوف إذ لا يزال منخفضا في بعض البلدان الأفريقية

ويحدث انخفاض معدلات المواليد جنبا إلى جنب مع اتجاه متزامن، وهو الجوع. فبعد تراجع انعدام الأمن الغذائي العالمي لعقود، عاد ذلك الاتجاه ليرتفع من جديد، مدفوعا بظواهر الطقس القاسية، والصراعات السياسية، والتباطؤ الاقتصادي الذي احتدم بسبب تفشي جائحة فايروس كورونا.

ويعاني ما يقرب من 700 مليون شخص في العالم من سوء التغذية، وذلك بزيادة قدرها 60 مليون شخص خلال خمسة أعوام، وما يقرب من 10 في المئة من سكان العالم، بحسب تقرير جديد صدر عن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.

وبينما قد يخشى الشخص العادي بصورة أكبر بشأن كمية السعرات الحرارية في الوجبات الغذائية، فإن الجوع يصيب عددا متزايدا من الأميركيين. فقد تضاعف انعدام الأمن الغذائي بشكل عام في الولايات المتحدة، كما زاد بنحو ثلاثة أضعاف لدى الأسر التي لديها أطفال، بسبب التأثيرات الناتجة عن فايروس كورونا المسبب لمرض كوفيد – 19، وعدم الاستقرار الاقتصادي.

وذكرت وكالة بلومبرغ أن بنوك الطعام تواجه ضغوطا شديدة. فبينما يزداد سكان كوكب الأرض بواقع ملياري شخص على مدار الثلاثين عاما المقبلة، من المتوقع أن تنخفض إنتاجية المحاصيل العالمية. وتُظهر النماذج المناخية انخفاضا في إنتاجية المحاصيل العالمية كل عقد من الزمان، وذلك بينما تشتد ضغوط الاحتباس الحراري التي تؤدي إلى معاقبة منتجي الأغذية من خلال موجات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة وحدوث الفيضانات وهبوب العواصف القوية وغزو الحشرات وتبدل الفصول وظهور الآفات البكتيرية.

وفي الولايات المتحدة وحدها، تسببت العواصف القوية في تدمير 10 ملايين فدان من حقول الذرة في ولاية آيوا في الصيف الماضي. وفي العام السابق، أتت الأمطار الغزيرة على محاصيل من الذرة وفول الصويا يقدر ثمنها بالمليارات من الدولارات، عندما كانت الحقول رطبة جدا بدرجة لا تسمح بتشغيل الآلات. وقد تسببت حرائق الغابات في إلحاق أضرار بمنتجي النبيذ ومربّي الماشية في شمال كاليفورنيا، وقضت الآفات والأعاصير على محاصيل الحمضيات والجوز في جنوب شرق الولايات المتحدة.

وحذرت اللجنة الدولية لتغير المناخ من أنه بحلول منتصف القرن، قد يصل العالم إلى عتبة الاحتباس الحراري “التي لن تعد الممارسات الزراعية الحالية قادرة بعد تجاوزها، على دعم الحضارات البشرية الكبيرة”.

ومن جانبه، قال جيري هاتفيلد العالم في وزارة الزراعة الأميركية “إن أكبر تهديد منفرد لتغير المناخ، هو انهيار النظم الغذائية”.

العرب