وسط وعود حكومية جديدة يترقب العراقيون إجراءات سريعة لإنهاء ملف “تشابه الأسماء”، الذي تسبّب بزجّ آلاف المواطنين في السجون طيلة السنوات السابقة، بسبب تشابه أسمائهم مع آخرين مطلوبين بتهم وقضايا إرهابية أو جنائية. ويُعد ملف “تشابه الأسماء” من الملفات الشائكة في العراق، لأن القوات العراقية و”الحشد الشعبي” يعتمدان في عمليات الاعتقال على الاسم الثلاثي للعراقيين، وإلى أن يثبت السجين أنه ليس الشخص المطلوب، يقضي سنوات عدة في السجن، بسبب الإهمال والتعقيد القضائي وتراكم الملفات، في ظلّ أجندات سياسية متحكمة بهذا الملف.
شهدت السنوات السابقة صدور مذكرات اعتقال كثيرة في العراق
وشهدت السنوات السابقة صدور مذكرات اعتقال كثيرة في العراق، بتهم الإرهاب، أكد مراقبون أنّ أغلبها لم يُبن على أسس مهنية وقانونية، بل استُغلّت لأغراض سياسية. وبعد انتقادات كثيرة للقضاء العراقي وللحكومة بشأن ذلك، كشفت لجنة الأمن والدفاع البرلمانية عن وضع آلية جديدة لإنهاء الملف. في السياق، ذكر مقرر اللجنة النائب، بدر الزيادي، أن “متابعة من القوات الأمنية بدأت لهذا الملف وعلى وجه الخصوص في المحافظات التي سيطر عليها داعش سابقاً، أما في محافظات الجنوب فإن قضية تشابه الأسماء تكون فيها قليلة”، مشيراً في إيجاز قدّمه للصحافيين، أول من أمس الإثنين، إلى “وجود تنسيق عالٍ وتوجّه حكومي لإنهاء هذه المشكلة لدى الكثير من المواطنين. كما أن لجنة الأمن والدفاع لديها دور ومتابعة لهذا الملف، من خلال التواصل مع جهاز الأمن الوطني، للإسراع في إنهاء هذا الملف”. وأعلن التوجه لاعتماد اسم الأم وتفاصيل أخرى بعيداً عن الاسم الثلاثي، وفي حال تم التدقيق ولم يتم تسجيل أي مؤشرات أمنية يتم إخلاء سبيل الشخص.
من جهته، يفيد ضابط في وزارة الداخلية “العربي الجديد”، بأن محافظتي نينوى وصلاح الدين، من أكثر المناطق العراقية التي تعاني من هذه المشكلة، بسبب التكرار الكبير في الأسماء، المرتبط بموروث اجتماعي وقبلي حول التسميات بين الابن والأب والجد. وأضاف أنه تمّ اعتقال نحو ألفي شخص منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بسبب تشابه الأسماء، قبل إطلاق سراح بعضهم، فيما ينتظر آخرون إجراءات قانونية قبل الإفراج عنهم. ويكشف أن قسما من الموقوفين “تعرض للتحقيق ومحاولة انتزاع معلومات منهم”، في إشارة إلى تعرضهم للتعذيب.
الحديث عن الإجراءات الجديدة لحسم الملف قد يتطلب وقتاً وجدية من الجهات المسؤولة، لا سيما أن الآلاف من ذوي الأسماء المتشابهة زجّوا في السجون. وتمّ استغلال الملف لتحقيق مكاسب سياسية وحتى دعائية من قبل نواب وسياسيين، ومكاسب مالية أيضاً بفعل الفساد المستشري في البلاد، إذ إنّ ذوي الأسماء المتشابهة أُجبروا على دفع مبالغ كبيرة للتخلص من التبعات القانونية والإجراءات القضائية غير مضمونة النتائج.
وحول مسار الملف، يعتبر عضو لجنة الأمن في البرلمان السابق، حامد المطلك، وهو أحد سياسيي الأنبار، غربي العراق، أن “الملف متعلق بجدية الحكومة وإرادتها الحقيقية بحسمه، وألا تكتفي بالوعود فقط”. ويشير في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إلى أن “الحكومة تمثل الجهة التنفيذية في البلد، وتستطيع أن تفرض على القضاء واللجان الأمنية إجراءات حسم الملف، إذا أرادت أن تنفذ الموضوع بجدية وبشكل صحيح”. ويضيف أنه “من الممكن أن يتم تشكيل لجان خاصة تشترك بها كل الجهات الأمنية: الاستخبارات والأمن واستخبارات الداخلية والأطراف الأخرى لمتابعة وحسم الملف، لكن الموضوع يتعلق بجدية الحكومة”.
ويشدّد المطلك على أنه “لا يمكن الاستمرار بعدم حسم الملف والاكتفاء بالوعود فقط، لا سيما أن الملف ألحق أضراراً بأعداد كبيرة من المواطنين”، لافتاً إلى أنه “من حق الضحايا المتضررين من هذا الملف أن يطالبوا بتعويض مادي ومعنوي، إذ إن الضرر لحقهم من الجهة المسؤولة عن أمن المواطن (الحكومة)”. ويدعو البرلمان والجهات المعنية إلى “دعم حصول الضحايا على تعويضات”، متسائلاً: “هل القانون بوضعه الحالي قادر على إحقاق الحق وإنصاف المواطنين؟”. يبدي شكوكه حول ذلك “لأن هناك جوانب كثيرة من حقوق المواطن من المهجرين والمغيبين والمعتقلين وغيرهم لم يستطع البرلمان العراقي أن يضمن حقوقهم، وأن القضاء والحكومة مقصران بحقوق المواطنين، خصوصاً ممن ما زالوا داخل السجون بسبب تشابه الأسماء. ويجب على حقوق المواطن أن تصان”.
ذوو الأسماء المتشابهة أُجبروا على دفع مبالغ كبيرة للتخلص من التبعات القانونية
من جهته، يقلّل عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي النائب يحيى المحمدي، من إمكانية حسم الملف، بسبب ما يصفه بـ”تشابك الجهات المسؤولة المرتبطة بالملف”. ويقول في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إنه “حتى الآن لا توجد وحدة معلومات مشتركة أو جهة واحدة تسيطر على الملف، فهناك تعدد للجهات التي تعتقل وتنفذ مذكرات القبض وهناك أيضاً تشتت في المعلومات”. ويلفت إلى أن “ذلك يتسبب بمشاكل كبيرة مع المواطنين، خصوصاً في المناطق المحررة من تنظيم داعش، كون الأسماء المتشابهة كثيرة، وهناك آلاف الأسماء الثلاثية متشابهة، وإلى أن يثبت المواطن هويته يلحقه ضرر من التوقيف والإجراءات الأخرى لإثبات بياناته الشخصية، وللأسف الحكومة لم تستطع حسمه حتى الآن”. ويعتبر أن “المواطن هو ضحية عدم حسم هذا الملف، ولا أعتقد أن هناك أي توجه للحكومة لتعويض المتضررين نتيجة هذا الملف، بل ستبقى تلك الأضرار مدرجة ضمن انتهاكات حقوق الإنسان في العراق، التي يتعرّض لها المواطن بشكل مباشر وغير مباشر”. ويؤكد أنه “ما زالت هناك حالات داخل السجون نتيجة تشابه الأسماء، وعلى الحكومة والقضاء والأجهزة الأمنية تحمّل المسؤولية”.
بدوره، يرى عضو “مركز الرافدين للدراسات” في بغداد، أكرم العبيدي، أن إنهاء ملف تشابه الأسماء يجب أن يسبقه توحيد قاعدة البيانات بين وزارتي الداخلية والعدل والقضاء والأجهزة التنفيذية، لأن العراق ما زال يفتقد لقاعدة معلومات موحدة في كل أجهزته ومؤسساته. ويضيف في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أنه “يمكن أن تجد نفس الشخص يملك عدة سجلات في مختلف الدوائر، سواء باللقب واسم العائلة وحتى العمر وتفاصيل السكن وغيرها، وهو ما كان سبباً في إفلات مجرمين من العدالة وأيضاً وقوع ضحايا بسبب تشابه أسمائهم الثلاثية مع أسماء إرهابيين ومطلوبين بتهم مختلفة، خصوصاً إذا ما علمنا أن هناك ما لا يقل عن 70 ألف مذكرة قبض واستدعاء تنتظر تنفيذها في العراق بحق أشخاص منذ سنوات”.
ويقول إن الملف تحوّل أيضاً لمادة جذب سياسية، إذ حوّل النواب والسياسيون والمسؤولون مكاتبهم ومنازلهم إلى استقبال المتضررين من أجل التوسط والاتصال بالمعنيين لتزكية الضحية، أو التأكيد أنه ليس الشخص المطلوب، وبطبيعة الحال هو مصدر أموال وتربّح أيضاً لضباط وعناصر أمن.
أكثم سيف الدين
العربي الجديد