المشهد الفلسطيني المقاوم المنطلق من حي الشيخ جراح والمسجد الأقصى في القدس المحتلة أدخل الوضع الفلسطيني برمته في مرحلة جديدة.
لقد فتحت الحركة المقدسية الباب لثورة الشعب الفلسطيني التي تواصلت مع ثورات وانتفاضات سابقة. هكذا انضم لهذه الثورة الانتفاضة فلسطينيو 1948 في قلب الكيان من حيفا لعكا واللد والرملة وأم الفحم للحراك، كما انضمت غزة من خلال قدرات القسام العسكرية للمقاومة، ثم انضمت الضفة الغربية عبر كافة نقاط الإشتباك مع جيش الاحتلال.
كل شيء تغير، فقد عملت إسرائيل منذ الانتفاضة الثانية 2000 ـ 2004 لتقسيم الشعب الفلسطيني جغرافيا وسياسيا ومعنويا ولجعل كل منطقة لا علاقة لها بالأخرى. لقد سقطت أدوات السيطرة الاستعمارية بسرعة فائقة.
لقد اعتمدت الدولة الصهيونية في سياساتها على غرور القوة، وسطوة الجيش والمستوطنين وقوة السلاح المرتبط بدعم أمريكي غير مشروط. واعتادت الدولة على أخذ الأرض، وقتل المقاوم، ومحاصرة صاحب الأرض. وقد أضعفت سلطة الإحتلال السلطة الفلسطينية بأن جعلتها معتمدة عليها اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، كما وحاصرت إسرائيل غزة من البر والبحر الجو.
لقد أسقط الحراك الشعبي الاعتقاد بأن السلطة الفلسطينية ستكبح جماح الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وذلك في ظل التنسيق الأمني. لقد تبين أن السياسات الإسرائيلية أدت بكل وضوح لاضعاف السلطة وتقوية حماس التي أخذت المبادرة القتالية. إن مبادرة حماس بنصرة القدس أكدت أن غزة جزء لا يتجزأ من البنيان الفلسطيني وأنه لا حل أيضا للقضية الفلسطينية بلا غزة.
يميز هذه المرحلة إنكشاف التطرف الصهيوني بجنونه ومغالاته وأساطيره أمام الرأي العام العالمي وأمام قطاع ليس صغيرا من الشبان اليهود في الولايات المتحدة
لكن المفاجأة الأكبر للكيان الإسرائيلي أن سياسات الأسرلة بين الفلسطينيين في الداخل قد فشلت. إن محاولة جعل العرب في المناطق المحتلة عام 1948 يقبلون بوضعهم كمواطنين من الدرجة العاشرة في دولة يهودية تنوي التخلص منهم هو الذي إهتز في قلب الحدث. لهذا كان مفاجئا مدى استعداد فلسطينيي 1948 للانتفاض ولإعتبار أن وضعهم مشابه لأوضاع الفلسطينيين في كل مكان. فمنذ قانون القومية أكدت لهم إسرائيل أنها لا تتسع إلا لليهود، بل تشعرهم إسرائيل كل يوم بغرور سياساتها وبسعيها للتهويد ولتهميشهم في كل مناطق تجمعهم.
ووصلت إسرائيل لمرحلة أنها إعتقدت أنه بالإمكان بناء السلام مع العرب من المحيط للخليج مع الاستمرار في سياسات الحصار والاستيطان واستباحة القدس، بل إعتقدت أن السلام ممكن مع العرب في ظل سرقة المنازل وأخذ الأراضي والسيطرة على الأقصى. هذا الاعتقاد الذي شجعه الرئيس ترامب ومستشاروه اهتز من جذوره بسبب حراك قام به عدد من النشطاء من أبناء وبنات القدس المحتلة وانضم لهذا الحراك بقية الشعب الفلسطيني.
لقد كشفت الأحداث كم انحرفت إسرائيل نحو التيارات الدينية اليهودية. فما تقوم به في الأقصى والشيخ جراح فيه من التعصب الديني والداعشي اليهودي ما يوضح طبيعة الكيان. هذا الكيان لم يعد مكونا من طرف واحد، بل من يمين ويمين أشد منه يمينية، ومن متطرفين مغالين يريدون إقامة مملكة خيالية فوق المسجد الأقصى، وهذا هو حال الكيان الإسرائيلي التي يتنافس على التطرف في اضطهاد العرب.
ويميز هذه المرحلة إنكشاف التطرف الصهيوني بجنونه ومغالاته وأساطيره أمام الرأي العام العالمي وأمام قطاع ليس صغيرا من الشبان اليهود في الولايات المتحدة. حالة الانكشاف لحجم التطرف الصهيوني تفتح الباب للوعي وللتضامن مع غزة والشيخ جراح والأقصى والقدس وغزة وفلسطين. وهذا يعني أن الكثير من الأساطير الصهيونية بدأت تهتز، فلا هم ابتاعوا أرضا، ولا الفلسطينيون هجروا أنفسهم بأنفسهم، ولا السلام مع العرب له عمق أو استمرارية بلا الفلسطينيين، ولا الصهيونية عاقلة بينما الفلسطينيون متطرفون. سقطت الخرافات أمام العالم على وقع استهداف قتل المدنيين والأطفال في غزة وفي كل فلسطين.
د. شفيق ناظم الغبرا
القدس العربي