قضى العالم الإسلامي عيد الفطر بمشاعر من الحزن جراء الهجمات التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على المسجد الأقصى المبارك، وقطاع غزة في فلسطين. تلك الهجمات التي لا تزال مستمرة حتى اليوم، أسفرت عن استشهاد عدد كبير من المدنيين، معظمهم من الأطفال والنساء. ورغم ذلك، قوبلت ممارسات إسرائيل الاستفزازية بانتقادات خافتة من قادة الدول العربية والإسلامية، باستثناء عدد قليل منهم، مثل زعماء تركيا وقطر.
وفي الوقت الذي تتبنى منظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية موقفهما اليائس المعتاد حيال الأحداث، يقود الرئيس أردوغان حملة دبلوماسية مكثفة مع زعماء البلدان الأخرى، بدءا من الأردن وحتى الكويت وروسيا وماليزيا وغيرها. لم تستثن قوات الاحتلال في غاراتها الجوية مباني تضم مؤسسات إغاثية مثل الهلال الأحمر القطري، وأخرى إعلامية مثل قناة «الجزيرة» وهي تعلم جيدا أن هذه الأمر محظور بموجب القانون الدولي.
ثمة إجماع لدى جميع شرائح المجتمع في تركيا، على ضرورة اتخاذ خطوات جادة وملموسة ضد الهجمات الوحشية التي باتت روتينية بالنسبة إلى قوات الاحتلال الإسرائيلي، ويطرح البعض فكرة إرسال قوات دولية إلى الأراضي الفلسطينية تحت إشراف الأمم الأمم المتحدة، أو منظمة التعاون الإسلامي. ووصف الرئيس أردوغان، وجميع الأحزاب السياسية في تركيا هجمات إسرائيل القائمة على «الفصل العنصري» على أنها «إرهاب دولة». وساهمت موجة الدعم الواسعة لفلسطين، خاصة من قبل الشعوب الغربية، في تحريك المجتمعات المسلمة في جميع أنحاء العالم، وندّدت الشعوب بالدعم الذي تقدمه دول غربية كثيرة لإسرائيل، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية. أصبحت شعوب العالم بأسره تتطلع إلى اتخاذ خطوة ملموسة ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، وطرح عدد كبير من الشخصيات السياسية والفكرية، وجهات نظر مختلفة في هذا الإطار، كان أكثرها إثارة للاهتمام في تركيا مقترح قدمه اللواء البحري السابق جهاد يايجي، صاحب نظرية «الوطن الأزرق» الهادفة إلى حماية حقوق بلاده في البحر الأبيض المتوسط، وتمثّل في توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع فلسطين، على غرار ليبيا. وقال يايجي: «تركيا وفلسطين جارتان من البحري. يمكن توقيع اتفاقية لترسيم حدود مناطق الصلاحية البحرية مع فلسطين أيضا، بحيث تكتسب فلسطين في مثل هذه الحالة منطقة صلاحية بحرية مساحتها 10.200 كيلومتر مربع» وأضاف: «هذه الاتفاقية ستؤدي إلى زيادة الاعتراف الدولي بفلسطين، وبالتالي تنامي الدعم لها من حيث الواقعية السياسية». وطرح يايجي خريطة تؤكد على إمكانية أن تكون فلسطين جارة لتركيا من البحر، وقال في هذا الصدد: «اتفاقية ترسيم الجرف القاري التي وقّعناها مع جمهورية شمال قبرص التركية عام 2011 هي بمثابة مثال. فهذه الاتفاقية سارية على الرغم من أن جمهورية شمال قبرص التركية، ليست من أعضاء الأمم المتحدة. وبالطريقة نفسها، يمكن توقيع اتفاقية مشابهة لهذه مع فلسطين أيضا». يايجي، وهو رئيس مركز الاستراتيجيات البحرية والعالمية في جامعة بهجة شهير التركية، أدلى بهذه التصريحات لصحيفة «يني شفق» في معرض حديثه عن الجهود الدولية لوقف هجمات إسرائيل.
ثمة إجماع لدى جميع شرائح المجتمع في تركيا، على ضرورة اتخاذ خطوات جادة وملموسة ضد هجمات إسرائيل الوحشية
وأكّد في السياق ذاته، أن هناك مهمة كبيرة تقع على عاتق منظمة التعاون الإسلامي، قائلًا: «يجب على المنظمة أن تضغط على الأمم المتحدة ومجلس الأمن، من خلال فرض بعض العقوبات، فمعظم الدول الأعضاء فيها تمتلك النفط والموارد الطبيعية. متى سيتم استخدام هذا الواقع كورقة رابحة، إن لم يستخدم في مثل هذه الأيام؟ يجب أيضا فرض قيود وحظر على الواردات والصادرات». حذّر يايجي من الانقسام القائم في فلسطين، وبالتالي يتعين على حركتي حماس وفتح التحرك معا، داعيا فلسطين إلى تعيين تركيا، الداعم الأقوى لقضيتها، وسيطاً في النزاع. وتابع: «في الوقت الذي كنا نتحدث فيه بأننا مجاورون لإسرائيل (بحرا) فإننا في الوقت ذاته، كنا نقول إننا جيران مع فلسطين أيضا. يجب الاستفادة من الميزات التي يوفرها هذا الأمر. هل يمكن توقيع اتفاقية مع فلسطين؟ نعم يمكن. فالمكان الذي سيكون موضوع اتفاق الترسيم مع تركيا هو قطاع غزة، وبالتالي فإن تعدد الرؤوس في فلسطين، لا يسري هنا». وحول المكاسب التي ستظهر من الاتفاقية المحتملة بين البلدين، قال يايجي: «يمكن أيضًا إنشاء موقع لتركيا، على غرار ما حدث في ليبيا، والعامل الإسرائيلي ليس عائقًا أيضًا أمام الاتفاق. وإذا كان بإمكان فلسطين الانضمام إلى منتدى غاز شرق المتوسط (East-Med) فإن بإمكانها أيضا التوقيع على اتفاقية معنا، لأن العضوية في هذا المنتدى تؤكد أن فلسطين هي وحدة دولية في حد ذاتها، لها ساحل في شرق البحر الأبيض المتوسط. ومثل هذه الاتفاقية يمكن أن تقلب المؤامرة التي تحاك ضد تركيا عبر East-Med لصالحنا. لا شك في أنها ستكون خطوة شطرنج استراتيجية بالنسبة لنا».
خلاصة الكلام، يبدو أن هذا الموضوع ومواضيع أخرى كثيرة ستطرح للنقاش في الأيام المقبلة، فالعالم الإسلامي مصمم هذه المرة على اتخاذ خطوة ملموسة حقيقية في القضية الفلسطينية. والرأي العام العالمي أصبح يدعم هذا الأمر بشكل جدّي، لذلك فإن هناك مهام كثيرة تقع على عاتق العديد من الزعماء المسلمين. ويمكن لتركيا وقطر ومصر، أن تأخذ زمام المبادرة في هذا الصدد. وأعتقد أن البلدان الإسلامية، بدءا من باكستان وحتى ماليزيا، ستدعم الخطوات الملموسة التي ستتخذها هذه الدول الثلاث. إذن، انتهى وقت الكلام وحان وقت العمل من أجل فلسطين.
توران قشلاقجي
القدس العربي