لا تتبدى المشكلة، رغم نتائجها القاسية، في إحصاء ضحايا العونية السياسية (تيار أسسه رئيس الجمهورية الحالية ميشال عون) في لبنان، بل في ما ستنتجه من أعداء في المستقبل، إذ إننا حيال آلة لطحن الضحايا وتلبيسهم صفات الشر، بشكل متواصل، ومن دون توقف.
وكثافة الأعداء لدى العونية، مرتبط، على الأرجح بتشكلها، فهي بقايا يمينية مسيحية كلاسيكية، ووفاء للعسكرة والجيش، ومغالاة في تقديس الزعيم. وعناصر هذا التشكل تصعد وتهبط تبعاً للمصالح السياسية، التي باتت مرتبطة بالوزير السابق جبران باسيل، وطموحاته الشرهة للسلطة. بمعنى أن التشكل العوني سائل ومرن جداً، ويمكن أن يستوعب مقاومة إسرائيل واليمين المسيحي في الوقت نفسه. وعليه، فإن السياسة بما تعنيه في لبنان، من تسويات وصفقات، تطوع عناصر التشكل العوني، وتجعلها أدوات لتعبئة الناس، تمهيداً لتمرير تحول ما، أو صفقة، في خدمة مشروع السلطة. والتعبئة، بطبيعة الحال، تستلزم اختراع أعداء وضحايا، بحيث يجري التصويب أحياناً على اللاجئ السوري، وأحياناً أخرى على الفلسطيني، وإن اقتضت الحاجة السياسية، يُستهدف السنة أو الدروز من أبناء الوطن الواحد.
من هنا، فإن اختراع العونية للأعداء واستثمار ذلك في مصالح السياسة الضيقة، يجري، من خلال عناصر تشكلها، من يمين وعسكرة وزعامة، وانفتاح هذا التشكل على الانتهازية السياسية. فيتحول الخصم السياسي، إلى عدو وجودي، وتجري استعادة صور وتنميطات حياله، وكذلك وقائع وأحداث من الحرب الأهلية، لإقناع الجمهور العوني بخطر هذا العدو، بما يسمح بالاستثمار في السياسة خدمة لطموحات باسيل.
الكراهية فاضت عن حاجتها، وبات ضبطها أمراً مستحيلاً، في ظل مشروع سلطة، معني أساسا بتثبيت الصهر
بديهي أن العونية ليست وحدها من يمارس هذا الربط بين تشكلها وإنتاج أعدائها، معظم الأحزاب اللبنانية تلجأ لذلك، لاسيما في موسم الانتخابات، لكن خطورة سلوك العونية، يتبدى في توسع تشكلها، ما يرتب توسعا تلقائيا في الأعداء. فلو أخذنا اليميني المسيحي الكلاسيكي مثلا، فإن أعداءه محددون، تبعاً لعقيدته الصلبة في النظر للبنان وموقعه، لكن العونية أعداؤها غير محددين، ويتوسعون بسبب تعدد تشكلها، وربما تناقضه، وبسبب طموحات باسيل السياسية، التي لا تتوقف. والسلوك هذا يتصاعد خطره، حين يصعب ضبطه من داخل العونية نفسها، فيخرج عن الاستثمار السياسي، وهو ما يفسر الكلام المسيء، الذي وجهه وزير الخارجية اللبنانية شربل وهبي، ذو الميول العونية، ضد الخليج، وما تلاه من غضب وتداعيات، إذ إن تصريح وهبي، لم يأت لغرض سياسي أو تعبوي، على ما تشير الوقائع السياسية حالياً في لبنان، وردود الفعل الاستيعابية من قبل العونييين أنفسهم. لقد أتى التصريح باعتبار الكراهية وصناعة الأعداء، سلوك وروتين عند العونيين، أي أن الكراهية فاضت عن حاجتها، وبات ضبطها أمراً مستحيلاً، في ظل مشروع سلطة، معني أساس بتثبيت الصهر، مهما رافق ذلك من تكاره وحقد.
القدس العربي
إيلي عبدو