أحيا انخفاض أسعار البتكوين في الفترة الأخيرة الشكوك حول قدرة أسواق العملات الرقمية على اجتذاب المستثمرين التقليديين والمؤسسات الكبرى، وهو ما يثير النقاش مجددا حول ضرورة وضع قواعد وقوانين لتنظيم هذا القطاع.
وفي تقرير لها، تقول مجلة “ذي إيكونوميست” (The Economist) البريطانية إن الأسبوع الماضي كان صعبا على المستثمرين في العملات الرقمية، خاصة أن تراجع قيمة البتكوين أدى إلى انخفاض معظم العملات المشفرة الأخرى.
في 13 مايو/أيار، أعلن المشرفون على عملة “تيثر” (Tether) -وهي من العملات الرقمية الثابتة، التي تستخدم على نطاق واسع لتسهيل تداول البتكوين- أن 2.9% فقط من وحداتها تحظى بغطاء نقدي؛ مما عزز الشكوك حول إمكانية ربطها بالدولار.
العملات الرقمية تلقت ضربة قوية بعد أن أعلن المدير التنفيذي لشركة تسلا، إيلون ماسك، أنه لن يقبل الدفع بعملة البتكوين (غيتي)
ضربة قوية
كما تلقت العملات الرقمية ضربة قوية بعد أن أعلن المدير التنفيذي لشركة “تسلا” (Tesla)، إيلون ماسك، أنه لن يقبل الدفع بعملة البتكوين، وألمح إلى أن الشركة قد تبيع بعضا من مخزوناتها من العملات المشفرة. وفي 18 مايو/أيار الجاري، حظرت الصين على المؤسسات المالية وشركات الدفع تقديم الخدمات المتعلقة بمعاملات العملات الرقمية. وقد انخفض سعر البتكوين بعد هذه التطورات إلى 30 ألف دولار، وهو نصف السعر الأقصى الذي سجله في شهر أبريل/نيسان، قبل أن يستقر عند حوالي 38 ألف دولار.
وقد عانت العديد من بورصات العملات المشفرة، بما في ذلك منصة “كوينباس” (Coinbase)، من انقطاع خدماتها بشكل متكرر، وأدى ذلك إلى حرمان المستثمرين من بيع أصولهم، بينما تراجعت أعداد الراغبين في شراء هذه العملات في ظل المخاوف من انهيار أسعارها.
البنوك تقتحم قطاع العملات المشفرة
وقد غامر عدد من البنوك الأميركية الكبرى في الفترة الماضية بدخول عالم العملات المشفرة. في مارس/آذار، أصبح بنك “مورغان ستانلي” (Morgan Stanley) أول مؤسسة مصرفية تقدم لعملائها الأثرياء إمكانية الوصول إلى البتكوين. وخلال الشهر الجاري، أعاد “غولدمان ساكس” (Goldman Sachs) تشغيل مكتبه الخاص بتداول العملات المشفرة، والذي كان قد توقف عن العمل في 2017.
وأكدت شركة سيتي غروب أنها قد تفتح المجال للتداول بالعملات المشفرة، بينما يتنافس بنك “نيويورك ميلون” (New York Mellon) و”ستيت ستريت” (State Street) على إدارة “صناديق المؤشرات المتداولة في البتكوين”، والتي تخضع حاليا للمراجعة التنظيمية في الولايات المتحدة. من جانبه، ألمح بنك “جيه بي مورغان تشيس” (JPMorgan Chase) -الذي كان يصرّ سابقا على عدم دخول هذا القطاع قبل تنظيمه- إلى أنه قد يبدأ عمليات التداول إذا توسّع السوق.
كيف تجرأت البنوك؟
هنا يُطرح السؤال التالي، كيف تجرأت البنوك الأميركية الكبرى على دخول عالم العملات المشفرة، الذي ما زال يفتقر إلى لوائح تنظيمية وأُطر قانونية تحدد معالمه؟.
تقول المجلة -في هذا السياق- إنه من المفيد أن تقوم هيئات المراقبة في الولايات المتحدة بتحديد الخدمات، التي يمكن أن تقدمها البنوك في مجال العملات الرقمية.
وفي العام الماضي، قال مكتب المراقب المالي للعملات إنه على استعداد لاحتضان قطاع الأصول الرقمية. من جانبها، تعتبر لجنة تداول السلع الآجلة عملة البتكوين والعملات الرقمية الأخرى سِلعا قابلة للتداول، وهو ما يسمح للبنوك بتداول العقود الاشتقاقية المرتبطة بها.
ووفق المجلة، فإن السبب الرئيس لاندفاع البنوك نحو هذا القطاع، هو تزايد اهتمام العملاء بهذه العملات في الآونة الأخيرة. يقول إيتاي توكمان، رئيس قسم الصرف الأجنبي في “سيتي غروب”، إنه كان نادرا ما يتلقى طلبات من شركات ترغب في تداول العملات المشفرة قبل عام من الآن؛ لكنه يتلقى حاليا عدة طلبات أسبوعيا.
ويرى رومان ريغيلمان، الرئيس التنفيذي لخدمة الأصول ورئيس الخدمات الرقمية في بنك نيويورك ميلون، أن هذا الاندفاع “فرصة، وضرورة أيضا”.
تقلب أسعار العملات المشفرة في الفترة الأخيرة قد يثير مخاوف المستثمرين الجدد، ويدفع نحو حملة واسعة لتنظيم القطاع (غيتي)
خدمات ومخاوف
وفي الوقت الراهن، تبدو الخدمة الأسهل والأكثر أمانا، التي يمكن للبنوك تقديمها، هي تداول العقود الاشتقاقية، على غرار ما يقوم به بنك “غولدمان ساكس”، مما يوفر للعملاء فرصة الاطلاع على هذه الأصول بدون الحاجة إلى شرائها.
ثم تأتي مهمة الحفظ أو الحضانة، وتعني تخزين العملات المشفرة، ومسك الدفاتر ذات الصلة نيابة عن كبار المستثمرين، وهو ما يتطلب الاستثمار في هذه التكنولوجيا. كما تبيع بعض البنوك عقود الحفظ الفرعية للمتخصصين.
أما المستوى التالي من الخدمات، التي يمكن للبنوك تقديمها، فهو الاحتفاظ بأصول رقمية في ميزانياتها العمومية، إما كضمان أو عن طريق التداول في الأسواق الفورية؛ لكن هذه الخطوة ما زالت محفوفة بالمخاطر في الوقت الحالي، وفقا لإيكونومسيت.
ويعتقد كريس زولكه، الرئيس العالمي في “كمبرلاند”، وهي شركة أميركية ساعدت غولدمان ساكس في تنفيذ أول صفقة كبيرة له من العقود الآجلة للعملات المشفرة في السادس من مايو/أيار الجاري، أن البنوك تستطيع أن تؤدي دور الوسيط بين العملاء والتجار الكبار، حتى إن كانت لا تريد حاليا أن تتداول بشكل مباشر في العملات الرقمية.
وخلصت المجلة إلى أن تقلب أسعار العملات المشفرة في الفترة الأخيرة، قد يثير مخاوف المستثمرين الجدد، ويدفع نحو حملة واسعة لتنظيم القطاع، وهو المجال الذي تؤدي فيه “وول ستريت” (Wall Street) دورا بالغ الأهمية من خلال قدرتها على جلب السيولة والمساهمة في انتشار هذا النوع من الأصول. كما أنه سيكون من المناسب لأي شخص يرغب في الاستثمار بهذه العملات أن يراقب الخطوات التي ستتخذها البنوك في الفترة القادمة.
المصدر : إيكونوميست