أطلق الرئيس العراقي برهم صالح أول مبادرة سياسية جدية لاستعادة أموال الفساد ومحاسبة المفسدين وتقديمهم إلى العدالة بأن أحرج السياسيين العراقيين والبرلمان بقبول مشروع قانون لمحاربة الفساد.
وقال صالح في كلمة ألقاها بشأن ملفات الفساد الإداري والمالي في العراق إن مشروع “استرداد عائدات الفساد” يتضمن خطوات لاحقة لاستعادة أموال الفساد، بدعم المؤسسات المالية والرقابية وتفعيل أدواتها.
ويأتي مشروع القانون المقترح من الرئيس العراقي بشأن استرداد أموال الفساد بمثابة مشروع سياسي يدعم مبادرة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في محاربة الفساد التي من الواضح أنها ستكون عنوان الحملات الانتخابية البرلمانية القادمة وتزيد من حظوظ الرئيس صالح نفسه في البقاء في منصبه لدورة ثانية.
وفي الوقت الذي تتنافس فيه الأحزاب السياسية التي سادت المشهد في عراق ما بعد 2003 على السيطرة على البرلمان، فإن كلا من الرئيس برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لم يتقدما بمشروع سياسي منفصل، ويراهنان على أن البرلمان القادم سيعمد إلى اختيار شخصيات قيادية معروفة بمواقفها الشخصية النزيهة كي تسعى للخروج بالبلاد من محاصصة حزبية وحكومية ومالية أنتجت واحدا من أسوأ مشاريع الفساد سمعة في العالم.
وقال سياسي عراقي مطّلع على ملف العلاقة بين الرئيس ورئيس الوزراء “من الواضح أن الرجلين يتقاسمان مهمة الخروج بالعراق من دوامة السيطرة المطلقة للأحزاب على مقدرات البلاد. إنهما يحرجان البرلمان بإجباره على تبني قرار لا يمكن أن يظهر أي برلماني أو حزب بأنه يقف ضده”.
وقال برهم “العراق خسر بسبب الفساد أموالاً طائلة، حيث بلغت قيمة خسارته 150 مليار دولار هرّبت من صفقات الفساد إلى الخارج منذ 2003″، داعيا إلى “تشكيل تحالف دولي لمكافحة الفساد”.
واعتبر الرئيس العراقي الفساد ظاهرة عابرة للحدود، خسر العراق بسببها أموالاً طائلة تُقدر بالمليارات، وتُخمّن إحصاءات وبيانات حكومية ودولية أن مجموع واردات العراق المتأتية من النفط منذ 2003 يقارب ألف مليار دولار، وهناك معطيات ومؤشرات تُخمّن أن ما لا يقل عن 150 مليار دولار من صفقات الفساد تم تهريبها إلى الخارج.
ويمثل ملف الفساد الأعقد والأضخم في العراق منذ عام 2003، وعجزت كل الحكومات عن منع تفاقمه.
ويجمع العراقيون على تهكمهم من إدانة المسؤولين للفساد المستشري في مفاصل الدولة.
وقال مراقب سياسي عراقي “يبدو أن الفساد هو من فعْل كائنات فضائية أو أن الشعب هو الذي أثقل بفساده على النظام السياسي”.
واعتبر صباح المختار رئيس جمعية المحامين العرب في بريطانيا، أنه ليس غريبا “أن يعد العراق أفسد دول العالم منذ الاحتلال الأميركي عام 2003. لكن الأغرب أن كافة المسؤولين العراقيين الفاسدين في السلطة التشريعية والتنفيذية وحتى القضائية يتبارون في الحديث عن الفساد وكأنهم صحافيون ينقلون خبرا عن غيرهم”.وذكّر المختار في تصريح لـ”العرب” بالاعترافات المعلنة للسياسيين العراقيين عن الفساد من بينها كلام النائب مشعان الجبوري الذي أقسم أنه استلم رشوة، واتهام وزير الدفاع الأسبق خالد العبيدي لرئيس البرلمان حضوريا بأنه طلب منه رشوة، واليوم يتحدث الرئيس برهم صالح عن إهدار 150 مليار دولار في صفقات الفساد.
وأشار المختار إلى قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1996 الذي يتضمن في الباب السادس منه فصلا كاملا يتضمن 24 مادة (317 – 341) مخصصة لجريمة الرشوة واسترداد عائداتها. والدستور يلزم الرئيس شخصيا بضمان تنفيذ أحكام قانون العقوبات.
وعبّر الباحث السياسي العراقي كفاح محمود عن اعتقاده بأن الرئيس برهم صالح يحاول جديا ترك بصمة له ربما تدفعه إلى قصر الرئاسة ثانية.
وقال محمود في تصريح لـ”العرب”، “يواجه صالح عثرات معقدة تبدو في غاية الصعوبة بسبب التفكك في معظم التحالفات السياسية عراقيا وكردستانيا، خاصة وأن حصوله على المنصب كان خارج التوافق الكردي وبدعم من كتل شيعية أرادت فرضه رغم اعتراض الحزب الديمقراطي الكردستاني على آلية ترشحه باعتبار أن المنصب حصريّ للأكراد وليس لحزب معين”.
وأضاف “لو صدقت المساعي التي أعلنها الرئيس صالح فإنها تعد نُقلة نوعية في إدارة الدولة والخروج من دائرة الفساد إلى دائرة معاداة الفساد وإعلان الحرب عليه”.
وأعرب عن تخوفه من نتائج مثل هذه المشاريع لأن “واقع الحال سيحيل هكذا مشاريع إلى أمنيات صعبة التحقيق يتم استثمارها انتخابيا كدعايات وشعارات لا وجود لها فعليا على الأرض”.
وعزا ذلك إلى “اللادولة” وأذرعها الميليشياوية التي تهيمن على معظم موارد البلاد ومفاصلها ومعابرها الحدودية والتجارة السوداء في كل أشكالها بالتعاون مع قوى إقليمية مهمة وذات خبرة تلتقي أيديولوجيا معها في أيّ مشروع يبيح الاستحواذ على الأموال بأي شكل من الأشكال لخدمة مشروعها العقائدي.
صحيفة العرب