صواريخ حماس الرخيصة التحدي الأكبر أمام إسرائيل في غزة

صواريخ حماس الرخيصة التحدي الأكبر أمام إسرائيل في غزة

يرى محللون عسكريون ومسؤولون غربيون أن الحرب التي دارت بين إسرائيل وحماس مؤخرا أثبتت قدرة الحركة الفلسطينية المدرجة على قائمة الولايات المتحدة للإرهاب على بناء ترسانة من الصواريخ محلية الصنع باستخدام مواد مدنية رخيصة ولكن أيضا بفضل خبرات إيرانية إلى حد كبير. وهذا إنجاز من المرجح أن تتمكن الحركة من تكراره إذا لم تنجح الجهود الإقليمية والدولية في مراقبة أنشطة الحركة على نحو أكثر صرامة.

القدس – يخلق رخص ثمن الأسلحة التي بحوزة حركة حماس وخاصة الصواريخ محلية الصنع وضرورة إعادة إعمار غزة معضلة لإسرائيل والمجتمع الدولي تتمثل في كيفية تلبية الاحتياجات الأساسية لسكان القطاع المحاصر، وفي الوقت نفسه منع توجيه سلع عادية مثل الأنابيب والسكر والخرسانة إلى استخدامات عسكرية.

ولا يجد مسؤولون حاليون وسابقون، ولا حتى المتابعون عن كثب للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، إجابات سهلة عن ذلك إذ يقولون إن من شبه المستحيل تطويق مساحة صغيرة نسبيا مثل غزة والحيلولة دون تحول السلع المخصصة لإعادة الإعمار إلى صواريخ محلية الصنع.

صواريخ زهيدة وفعّالة
عملت حركتا حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتان، اللتان تعتبرهما الولايات المتحدة من التنظيمات الإرهابية، على تعزيز صواريخهما كمًّا وكيفا منذ حرب غزة السابقة مع إسرائيل في عام 2014.

وقال مسؤول أوروبي كبير لرويترز مشترطا الحفاظ على سرية هويته “اندهشنا أشد الدهشة لقدرات حماس هذه المرة. فقد امتلكوا صواريخ طويلة المدى لم تكن لديهم من قبل. وكل هذا يرجع إلى إيران”.

وتقول إسرائيل إن حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما من الجماعات المسلحة أطلقت 4360 صاروخا من غزة خلال الحرب سقط منها 680 صاروخا داخل أراضي غزة نفسها. وقال الجيش إن منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية، التي تعمل عندما تهدد الصواريخ المراكز السكانية، نجحت في إسقاط حوالي 90 في المئة منها.

وتشير وزارة الدفاع الإسرائيلية إلى أن ما بين 60 و70 صاروخا أصابت مراكز سكنية بما يشير إلى أن معدل الدقة يبلغ نحو 15 في المئة. وسقطت صواريخ أخرى في مناطق مفتوحة لكنها أثارت الذعر ودفعت الإسرائيليين للتوجه على وجه السرعة إلى المخابئ.

وأقر يتسحاك بريك، وهو جنرال إسرائيلي سابق، في تصريحات لإذاعة الجيش الأحد بأن الطيران الحربي الإسرائيلي فشل في وقف إطلاق صواريخ حركة حماس، وقال إن “النظرية القائلة إنه يمكن الانتصار في الحروب فقط من خلال الطيران قد انهارت تماما”.

وحذر بريك، الذي سبق أن شارك كقائد سرية في حرب أكتوبر 1973، من سيناريو كارثي يمكن أن يواجه إسرائيل وقال “إذا كنا فشلنا على مدى 11 يوما في وقف نيران الصواريخ (من غزة)، فكيف سنفعل ذلك في مواجهة حرب متعددة الجبهات ينضم إليها حزب الله؟”.

حماس والجهاد الإسلامي وبقية الجماعات المسلحة أطلقت 4360 صاروخا من غزة خلال الحرب سقط منها 680 صاروخا داخل أراضي غزة نفسها

ولدى أغلب المحللين العسكريين والمتابعين لمجريات ما حصل في غضون أحد عشر يوما من المواجهة بين الحركات الفلسطينية المسلحة وإسرائيل تأكيدات على أن غالبية الصواريخ كانت قصيرة المدى وبسيطة ومحلية الصنع.

ويقول دانييل بنجامين المنسق السابق لمكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية الأميركية إن تصنيع تلك الصواريخ في غاية البساطة فكل ما تحتاجه هو استخدام أنابيب معدنية وفي الكثير من الأحيان تستخدم بقايا صواريخ إسرائيلية. وأضاف الرئيس الحالي للأكاديمية الأميركية في برلين قائلا إنه “من المستحيل فعليا أن تجعل مكانا ما محكم الغلق بالكامل”.

وكان من أسباب الاشتباكات الأخيرة التي بدأت بين إسرائيل وحماس في العاشر من شهر مايو الحالي مداهمات الشرطة الإسرائيلية للحرم القدسي ومصادمات مع الفلسطينيين خلال شهر رمضان.

وأكد سامي أبوزهري، أحد مسؤولي حماس، لرويترز هاتفيا من موريتانيا التي كان في زيارة لها أن الحركة طورت خبراتها الخاصة في إنتاج الصواريخ ولا تحتاج إلى المساعدة. وقال “بالتالي فإن أي محاولة لتشديد الحصار على غزة لتقييد قدرات المقاومة لا قيمة لها”.

مصانع بإشراف إيراني

تستخدم الجماعات الفلسطينية الصواريخ منذ سنوات. وقبل انسحاب إسرائيل من طرف واحد من غزة في 2005 كثيرا ما كانت مستوطناتها أهدافا لنيران قذائف مورتر وصواريخ قصيرة المدى من مدن فلسطينية قريبة منها.

ولم تصبح الصواريخ السلاح المفضل لدى حماس إلا بعد ظهور الحاجز العسكري الذي بدأت إسرائيل إقامته حول الضفة الغربية وعبرها في 2003 مما زاد من صعوبة عبور المفجرين الانتحاريين والمسلحين إلى إسرائيل وتنفيذ هجماتهم.

وهرّبت حماس والجهاد الإسلامي الصواريخ المتطورة عن طريق شبه جزيرة سيناء المصرية حتى الإطاحة عام 2013 بالرئيس الراحل محمد مرسي وبعد تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد الحكم عملت القاهرة إلى حد كبير على إغلاق هذا المسار من خلال تدمير الأنفاق المؤدية إلى غزة.

وأثارت حملة التضييق المصرية ما وصفه مسؤول إسرائيلي بأنه تحول إستراتيجي من جانب حماس لتطوير قدرات محلية من أجل تصنيع الصواريخ بمساعدة إيرانية من خلال سفر إيرانيين إلى غزة وسفر أفراد من غزة إلى الخارج.

لم تصبح الصواريخ السلاح المفضل لدى حماس إلا بعد ظهور الحاجز العسكري

والآن تقول مصادر إسرائيلية وفلسطينية إن النشطاء يستخدمون تمويلا وإرشادات من إيران في تصنيع صواريخ داخل غزة يصل مداها إلى 200 كيلومتر أو أكثر وبعضها مزود برؤوس حربية تحمل 200 كيلوغرام أو أكثر من مادة تي.أن.تي المتفجرة والشظايا. وقال مسؤول أمني إيراني إن حماس لديها الآن ثلاثة مصانع على الأقل تحت الأرض لإنتاج الصواريخ في غزة.

وفي الأيام الأخيرة من جولة الصراع الأخيرة تباهى زياد النخالة زعيم حركة الجهاد الإسلامي بقدرة الحركة على ابتكار أسلحة من مواد عادية تستخدم في الحياة اليومية. وقال الأربعاء الماضي إن “على العالم أن يدرك أن الأسلحة التي يواجه بها الفلسطينيون ترسانة الأسلحة المتقدمة الأميركية الصنع هي أنابيب المياه التي حولها المقاومون إلى صواريخ”.

حقائب من المال
لا يشكل المال مشكلة من أوجه عديدة، فقد قدمت قطر، بموافقة إسرائيلية، تمويلا كبيرا لحركة حماس في السنوات الأخيرة بلغ وفقا لبعض التقديرات ملايين الدولارات شهريا لغرض أساسي هو سداد رواتب العاملين الإداريين. ومن الممكن بعد ذلك أن يتم تحويل جانب منها إلى أغراض أخرى.

ويعتقد المسؤول الأوروبي الكبير أن الأمر ليس في غاية الصعوبة إذ يأتي شخص من قطر كل شهر بحقائب المال مصحوبا بجنود إسرائيليين لدفع رواتب العاملين الإداريين في حماس. ثم يختفي.

وأوضح دبلوماسي إيراني في المنطقة أن ملايين الدولارات تسلم لممثلين عن حماس كل شهر تقريبا وذلك بنقلها إما إلى غزة أو إلى دول مجاورة. وقال المسؤول مشترطا إخفاء هويته “هذا لا يعني أن المال يأتي دائما من داخل إيران. فلنا (في المنطقة) أعمالنا التي تمول حماس وهذا ليس سرا”.

ويؤكد دبلوماسيون غربيون يتابعون أنشطة حماس عن كثب أن الحركة قادرة على الاستفادة من محافظ استثمارية قيمتها مئات الملايين من الدولارات في شركات بمختلف أنحاء الشرق الأوسط.

وفي حين يؤكد هؤلاء أنها تسيطر على 40 شركة في تركيا والسودان والجزائر ودول أخرى في الشرق الأوسط تعمل أساسا في مجال العقارات والبنية التحتية، يعتقد آخرون أن حماس قادرة كذلك على الحصول على موارد من جمعيات خيرية متعاطفة مع قضيتها في مختلف أنحاء أوروبا.

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد قال الخميس الماضي إنه سيتم إرسال مساعدات على وجه السرعة إلى غزة، لكن ذلك سيتم بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية التي يدعمها الغرب في الضفة الغربية “بطريقة لا تسمح لحماس بأن تعيد ببساطة بناء ترسانتها العسكرية”.

لكن القول أسهل من التنفيذ. فهذا سيتطلب على الأرجح عمليات مراقبة على الأرض وليس من الواضح ما إذا كانت حماس ستسمح بذلك ومن هو الطرف الذي سيتولى المراقبة. ويردد مسؤولون أميركيون إسرائيليون قائلين إن التحدي الأبرز اليوم هو أن يجد أحد وسيلة أفضل لمراقبة ما يدخل القطاع وكيفية الإشراف عليه وما يستخدم فيه.

ويرى دينيس روس المسؤول الأميركي السابق الذي قاد مساعي السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين أن طرفا ما، ربما يكون المصريين وغيرهم، سيتعين أن يكون له وجود فعلي في غزة لتفقد السلع المستوردة ومراقبة استخدامها. وقال إنه “إذا قالت حماس لا عندئذ تسلط الأضواء عليها إذ من الممكن الضغط على المسلحين بالقول نود أن نزود غزة بمواد لكن حماس لا تسمح لنا”.

العرب