لم تتّضح بعد ملامح سياسات الرئيس الأميركي جو بايدن وطاقمه بشأن مجريات الأحداث في سوريا عامة، وفي منطقة النفوذ الأميركي شرق نهر الفرات ومثلث التنف على وجه التحديد، إلا أنها مؤكدا ستفترق عن سياسة سلفه ترامب الذي كان يريد الانسحاب الكامل من سوريا بعد أن أوقف الدعم الذي كان يقدمه لحلفائه الكرد في مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) وجناحها العسكري من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وقد كانا يد واشنطن الطولى على الأرض والعامل الرئيس في إنهاء تنظيم داعش وإعلان الانتصار عليه بعد تدميره في آخر معاقله بمدينة الباغوز.
إلا أن وفدا أميركيا رفيع المستوى قام مؤخرا بزيارة ميدانية إلى شرق الفرات ضم مساعد وزير الخارجية بالإنابة جوي هود ورافقته نائبة مساعد وزير الخارجية والممثلة الخاصة لسوريا بالإنابة آيمي كوترونا، ونائب المبعوث الخاص لسوريا ديفيد براونشتاين، ومديرة مجلس الأمن القومي للبيت الأبيض للعراق وسوريا زهرة بيل. فما الجديد الذي يحمله هذا الوفد من المخارج العادلة للعقدة السياسية والأمنية التي تمر بها سوريا بما يعمل على تحقيق الانتقال السياسي المنشود ضمن قرار الأمم المتحدة 2254؟
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية رسميا عن الزيارة في بيان لها تحدثت فيه عن اجتماعات عقدها أعضاء الوفد مع كبار المسؤولين في قوات سوريا الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطية، وزعماء عشائر الرقة، وجهات فاعلة في المجال الإنساني.
سينم محمد: وفد الخارجية الأميركية أكد على استمرار دعمه للإدارة الذاتية من خلال إيصال مبالغ المساعدات التي كانت قد توقفت في عهد ترامب
وأكد مساعد وزير الخارجية بالإنابة إثر الزيارة على “التزام الولايات المتحدة بالتعاون والتنسيق مع التحالف الدولي لهزيمة داعش وتمكين الاستقرار في شمال شرق سوريا، إضافة إلى ضمان إيصال المساعدات التي تساعد على إرساء أسس الاستقرار في المناطق المحررة لضمان الهزيمة الدائمة لداعش”.
كما شدّد هود في البيان “على التزام الولايات المتحدة بدعم كافة الجهود الرامية للتوصل إلى حل سياسي للصراع السوري”، وأضاف أن «الولايات المتحدة ملتزمة بريادتها في مجال الاستجابة الإنسانية وتأمين مرور المساعدات عبر الحدود إلى سوريا».
وفي هذه المناسبة توجّه فريق مكتب صحيفة “العرب” إلى ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية في واشنطن سينم محمد، وسألها عن تقييمها لهذه الزيارة رفيعة التمثيل فقالت “أعتقد أن زيارة بهذا المستوى الدبلوماسي الرفيع لها دلالات قوية لجهة دعم المنطقة وتثبيت استقرارها وأمنها لاسيما إثر هزيمة داعش وبقاء بعض من الفلول الإرهابية على شكل خلايا نائمة”.
وحين سألناها عن احتمال انسحاب القوات الأميركية من أماكن تواجدها وقواعدها في سوريا أفادت بالقول “أعتقد أن زيارة الجنرال كينيث ماكينزي مباشرة إثر زيارة الوفد الدبلوماسي لهي مؤشر واضح على حرص إدارة بايدن على بقاء القوات الأميركية مع قوات التحالف في المنطقة. وقد أكد ماكينزي أن قواته مع التحالف موجودة لاستكمال القضاء على الخلايا الإرهابية وتمكين حالة الأمن والاستقرار من خلال إيجاد الحلول لمخيم الهول الذي يشكل تحديا أمنيا كبيرا”. وأشارت إلى أن “وفد الخارجية أكد على استمرار دعمه للإدارة الذاتية من خلال إيصال مبالغ المساعدات التي كانت قد توقفت في عهد الرئيس السابق ترامب”.
ومن الجدير بالذكر أن واشنطن ترفض رفضا باتا المناورة الانتخابية التي يقوم بها النظام السوري لشرعنة استمرار الأسد على رأس نظامه، والتي توازت مع رفض الإدارة الذاتية في شرق الفرات لمجرياتها ومنعت في مناطقها ظهور أي إجراءات انتخابية.
كما أن قانونا متقدما عن قانون قيصر سيصدر قريبا عن وزارة الخزانة الأميركية من شأنه أن يرفع من شدة العقوبات الموجهة إلى أفراد النظام وكل الهيئات والأشخاص السوريين أو الأجانب الذين يتعاملون معه ويمدونه بحبل النجاة من غرق محقق ما لم يبدأ بتحقيق الانتقال السياسي ضمن القرارات الأممية المرعية وفي مقدمتها القرار 2254.
وكانت إدارة بايدن قد قررت في خطوة رمزية لكنها واضحة في أهدافها المستقبلية أن تمنع شركة نفط أميركية تدعى “Delta Crescent Energy” من متابعة عملها الذي كان مرخصا لها في عهد سلفه ترامب في شرق الفرات، وذلك من خلال إعفاء خاص من العقوبات الأميركية الجارية على النظام السوري أصدرته الإدارة الأميركية السابقة لها. ومنحت إدارة بايدن شركة النفط تلك التي انتهى إعفاؤها من العقوبات في 30 أبريل مدة 30 يوما تكفي لإنهاء أنشطتها في شمال شرق سوريا.
وبالرغم من العدد المحدود للقوات الأميركية المتواجدة حاليا على الأرض السورية وهم عبارة عن 900 جندي من القوات الخاصة، إلا أن المسؤولين عن الملف السوري في إدارة بايدن يعتبرون بقاء هذه القوة ضروريا “من أجل الإنسان” وليس “من أجل النفط”.
وسألت “العرب” محمد عن انعكاسات القرار الأخير لإدارة بايدن في ما يتعلق بوقف تعامل الشركات الأميركية بالنفط في شرق الفرت فقالت “قرار إدارة بايدن هذا شأن أميركي داخلي بين الشركة والإدارة الأميركية، وهو لن يؤثر على علاقتنا مع أطراف الإدارة، ونحن في مجلس سوريا الديمقراطية على تواصل دائم معها في واشنطن”.
وأفادت أخيرا بقولها “عانت مناطق الإدارة الذاتية من حروب قاسية ضد داعش دمّرت بنيتها التحتية، وهي بالتالي تحتاج إلى مشاريع تنموية لتطوير المنطقة وإلى دعم 5 ملايين نسمة يعيشون في شمال وشرق سوريا. الوضع الاقتصادي اليوم صعب نظرا إلى أن المنطقة تعتمد على الزراعة وهذه السنة عانت من شح الأمطار، إضافة إلى قطع مياه الفرات من الطرف التركي وعدم وجود معابر لإيصال ما يلزم للسكان، لذلك فإن أي مشاريع استثمارية ستكون جيدة وستساعد في دعم المنطقة وأهلها وتمكين استقرارها”.
صحيفة العرب