منذ 21 أيار لم يعد يدخل مراقبو الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إيران باستثناء “بادرة طيبة” رمزية تتمثل بإبقاء الكاميرات لشهر واحد فقط. إيران، عملياً شطبت كل التزاماتها في السماح بالرقابة على المشروع النووي، وانظروا العجب: لم تسقط السماء. الأمريكيون لا يهددون، والوكالة الدولية للطاقة الذرية لا تدخل في حالة هستيريا، وسلاح الجو لا يتأهب لهجوم. ولذلك سبب واضح: فالكل واثق بأن الاتفاق النووي الذي ألغي في 2018 سيوقع مجدداً حتى منتصف حزيران، وسيعود المراقبون على أي حال. لن يعترف الأمريكيون بذلك، ولكن العقوبات المركزية سترفع كلياً عن إيران، تماماً كما هي المطالب الإسرائيلية المتعلقة بمنظومة إنتاج صواريخ أرض – أرض الإيرانية، ودور إيران التآمري في الشرق الأوسط لن يكون جزءاً من هذه الصفقة.
فضلاً عن ذلك، لا يقتصر الأمر على عودة إيران والولايات المتحدة إلى الاتفاق الذي ألغاه الرئيس ترامب، بل ستحقق إيران بضعة فضائل أخرى لم تكن من قبل، مثل إمكانية تفعيل أجهزة الطرد المركزي IR4 الذي حذر إجراء تجارب عليها في الماضي.
عندما يوقع الاتفاق، قد يُسمع انتقاد إسرائيلي، ولكنه بنبرات منخفضة ومؤدبة، ليست حماسية على نمط بلفور.
ففي الـ 11 يوماً من القتال في غزة، نجح الثعلب القديم الذي يجلس اليوم في البيت الأبيض، بإقناع إسرائيل بأن لديها صديقاً حقيقياً في واشنطن. سبع مكالمات هاتفية أجراها مع نتنياهو منحته داخل القيادة الأمنية الإسرائيلية لقب إنسان. فقد تحدث الجميع هناك عن السلوك السخي والمتسامح للرئيس، يا له من إحباط. ففي مثل هذا الوضع، ليس ثمة من نهاجمه في موضوع الاتفاق النووي.
كان لبايدن كل الأسباب للانقلاب علينا، فهو لم يفكر من الاقتراب من الأزمة الإسرائيلية – الفلسطينية في السنة القريبة القادمة، ولكنه فرغ جدول أعماله في الأسبوعين الأخيرين كي يعنى بالمواجهة العسكرية في غزة. وكل هذا يحصل كي يتاح لإسرائيل تنفيذ خطوات عسكرية، وبعد ذلك الوصول إلى التهدئة، قبل خروج الأزمة عن السيطرة.
قام الرئيس الأمريكي بخطوات أخرى لم يخطط لها: فقد تحدث أيضاً مع أبو مازن والرئيس المصري. إن السيسي، الذي يعد بنظر الإدارة الأمريكية كخارق لحقوق الإنسان، لم يظهر في قائمة اتصالات بايدن حتى الأزمة الحالية. وسواء كانت هناك علاقة للحديث الطيب الذي أجراه السيسي وبايدن أم لم تكن، فقد صرح الرئيس المصري بشكل غير مسبوق عن مساعدة بحجم نصف مليار دولار لترميم الخرائب في القطاع. المصريون، الذين ابتعدوا عن أي ذرة مسؤولية عن قطاع غزة ولعبوا دور الوسيط في المنطقة، باتوا اليوم في عهد بايدن مستعدين لاقتسام المسؤولية عما يجري هناك مع إسرائيل والسلطة.
أمس، وصل وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في زيارة ودية إلى البلاد. فقد توصلت الإدارة الأمريكية إلى الاستنتاج بأن على إسرائيل والولايات المتحدة أن تستثمرها في تعزيز السلطة الفلسطينية. فعندما عززت إسرائيل حماس بهدف عزل الضفة عن غزة وإثارة الشقاق بينهما، أنبتت ثماراً فجة. كانت هذه سياسة عفنة كادت تؤدي إلى صعود حماس إلى الحكم في رام الله. أما اليوم فيتغير المفهوم، بهدوء وببحث أمريكي ودون أن تنطلق من بلفور تغريدة.
الإدارة الأمريكية الحالية لا تخرج من العراق، ولا من سوريا، وتسمح لإسرائيل بمهاجمة أهداف إيرانية في سوريا وتشجع استمرار التقرب الإسرائيلي من الدول العربية. في هذا الإطار، لا تغير الإدارة عن عمد سياستها في مسألة البوليساريو كي لا تمس بتقرب المغرب من إسرائيل. وبخلاف المنشورات الهستيرية – ستساعد الولايات المتحدة إسرائيل في سد الثغرات في مجال السلاح الذي استخدم في أيام القتال في غزة. وسيتعين على إسرائيل أن تكيف نفسها مع المصالح الأمريكية العالمية، ويتعين عليها أن تتعلم كيف تثق بالرئيس بايدن. ففي الاختبار الأول أثبت، دون ضجيج وصخب، بأن لنا صديقاً في البيت الأبيض. وليس مهماً من يكون رئيس الوزراء هنا.
بقلم: أليكس فيشمان
القدس العربي