رفع المتظاهرون العراقيون لافتات مكتوبا عليها “من قتلني؟” خلال احتجاجاتهم الحاشدة في بغداد يوم أمس، إلى جانب صور ضحايا المظاهرات الذين سقطوا منذ أواخر عام 2019، في عودة لافتة لحركة الاحتجاج المناهضة للحكومة بعد توقف دام أكثر من عام بسبب تفشي جائحة كورونا.
وقالت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية (New York Times) في تقرير لها اليوم إن الحراك الاحتجاجي في العراق يكافح من أجل البقاء، رغم حملة الترهيب التي يتعرض لها وذهب ضحيتها المئات من القتلى من النشطاء.
وأشار التقرير إلى أن المتظاهرين يقولون علنا ما يقوله المسؤولون العراقيون في أوساط خاصة إنهم يعرفون من يقف وراء عمليات القتل التي مرت دون عقاب، ويشيرون بأصابع الاتهام إلى جماعات مرتبطة بإيران .
أكبر احتجاج
ووصف التقرير احتجاجات أمس في العاصمة العراقية بأنها الأكبر منذ مظاهرات أكتوبر/تشرين الأول عام 2019 التي اجتاحت بغداد والمدن الجنوبية وأسقطت حكومة عادل عبد المهدي، مضيفا أنه ضم آلاف الشباب الذين تجمعوا في ساحة وسط بغداد. وقال إن هذه الاحتجاجات مدفوعة بالغضب من فشل الحكومة في إجراء الإصلاحات الموعودة، وعدم محاسبة قتلة المحتجين.
ومع ذلك، وفي ظل الاغتيالات والخطف والترهيب، كانت نسبة المشاركة أمس أقل بكثير مما كان يأمل المنظمون.
وقُتل متظاهران على الأقل في اشتباكات مع شرطة مكافحة الشغب. وقال قائد أمني عراقي، طلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث في هذه القضية، إنه يعتقد أن قوات الأمن أطلقت النار عليهما، وأصابت العديد من المتظاهرين الآخرين.
وكانت المظاهرات قد بدأت بشكل سلمي، حيث انضمت حافلات مليئة بالشباب الذين قدموا من الجنوب، إلى المتظاهرين المحليين، وهم يلوحون بالملصقات والأعلام العراقية والبالونات ويرددون هتافات ويطوقون الساحة.
ومع قرب غروب الشمس، اندفع مئات من شرطة مكافحة الشغب إلى الأمام لإبعاد المتظاهرين عن جسر الجمهورية المؤدي إلى المنطقة الخضراء، مقر المباني الحكومية والسفارات الأجنبية. ورد عدد قليل من المتظاهرين برشق الحجارة بينما كانت الشرطة تطاردهم في الأزقة، وقالت قوات الأمن إن المتظاهرين أشعلوا النار في وقت لاحق في سيارات الأمن.
وقال الناشط الدكتور محمد فاضل، وهو طبيب من محافظة ديالى، للصحيفة قبل اندلاع الاشتباكات “توقعنا قدوم المزيد من الناس، لكن بعض الناس خائفون، يخافون على وظائفهم ويخافون على أنفسهم”.
وقال متظاهر آخر، هاني محمد، إنه تعرض للتهديد من قبل مجموعة من المسلحين قبل 3 أيام، مشيرا إلى إحدى أكبر الجماعات المدعومة من إيران، ولم يرغب في الكشف عنها علنا خوفا من الانتقام، وأنه فر بالفعل.
وتحدث التقرير عن فشل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى حد كبير في تنفيذ الإصلاحات التي وعد بها استجابة لاحتجاجات 2019، بما في ذلك كبح جماح الفصائل الشيعية، وأورد بعض حالات القتل.
ونقل التقرير عن الباحثة المختصة بشؤون الشرق الأوسط رندة سليم أن “هدف هذه الفصائل هو منع تشكيل قيادة لحركة الاحتجاج، لذلك تستهدف القادة الرئيسيين الذين لديهم القدرة على حشد الجماهير، وتخلق الخوف داخل البقية”.
وأضافت سليم أن القادة العراقيين لم ينفذوا أي خطوات جديدة لإصلاح النظام السياسي الذي أوصلهم إلى السلطة، أو الحد من النفوذ الإيراني، كما أن الترهيب ونقص الدعم جعل حركة الاحتجاج أضعف من أن تحدث التغيير.
وأوضحت أن حركة الاحتجاج تفتقر إلى القيادة والتنظيم والآلية السياسية والتمويل.
ونسبت الصحيفة إلى عضو المفوضية العراقية العليا لحقوق الإنسان علي البياتي القول إن المؤسسة الأمنية ليست جادة في جهودها، بدءا من التحقيقات حتى رفع القضية إلى المحكمة.
الإفلات من العقاب
وقالت مبعوثة الأمم المتحدة إلى العراق جينين هينيس بلاسخارت لمجلس الأمن الدولي في وقت سابق هذا الشهر، إن العديد من قادة الاحتجاج يتم تعقبهم مع تفشي الإفلات من العقاب قبل الانتخابات المبكرة التي طالبوا بها.
وذكر التقرير أن كتائب حزب الله العراقي أصدرت قبيل بدء الاحتجاجات ما اعتبره كثيرون تهديدا مستترا للمتظاهرين، قائلة إنه يتعين عليها وعلى القوات شبه العسكرية الأخرى حماية هؤلاء الشباب “الذين تم خداعهم”، ولن تتركهم يُستغلون من قبل الأعداء، بما في ذلك الولايات المتحدة. واتهمت المحتجين بالسعي لتأجيل الانتخابات المقررة في 10 أكتوبر/تشرين الأول.
وأشار التقرير إلى أن النشطاء كانوا يرون أن الانتخابات المقبلة فرصة لبداية جديدة بوجوه جديدة، لكنهم مقتنعون الآن أن الوجوه نفسها ستعود من جديد.
وقالت الطالبة الجامعية هديل (19 عاما)، لم ترغب في إعطاء اسمها الكامل، التي شاركت في مظاهرة ساحة النسور في بغداد “لا توجد أحزاب تتمتع بالنزاهة يمكنني التصويت لها، بعد الانتخابات لن نكون قادرين حتى على الاحتجاج لأن الحكومة ستكون أقوى من ذي قبل وستتمتع الفصائل المسلحة بسلطة أكبر”.
وتوقع التقرير أن تكون الاحتجاجات المرتقبة غد الخميس، رغم المخاطر، نذير صيف مؤلم في العراق، مشيرا إلى أن نقص الأمطار الشتوية وسوء إدارة المياه والصراعات المائية مع الجارتين تركيا وإيران ستؤدي إلى أسوأ نقص في المياه لملايين العراقيين، وهو البؤس الذي يمكن أن يؤجج الاحتجاجات الجماهيرية مجددا.
ولاحظ التقرير أنه لم يكن هناك خوف كبير بين المحتجين أمس من تفشي فيروس كورونا في العراق، حيث تم تطعيم حوالي 1% فقط من السكان، ولم يُشاهد أحد في المظاهرات يرتدي أقنعة، وكان التباعد الاجتماعي في الساحات المزدحمة مستحيلا.
ويقول أحد المحتجين “نحن نعرف خطورة كورونا، لكن العنف والظلم والاضطهاد الذي تمارسه الحكومة ضدهم أخطر من الفيروس”.
المصدر : نيويورك تايمز