وفد أمريكي وتهدئة بلا حلول

وفد أمريكي وتهدئة بلا حلول

وصل الثلاثاء 25 أيار/ مايو 2021 وفد أمريكي بقيادة وزير الخارجية الأمريكي لكل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية من أجل تثبيت وقف إطلاق النار ولضمان عدم انفجار الأوضاع مرة ثانية. وبنفس الوقت يعلن وزير الخارجية الأمريكي بأن الولايات المتحدة ملتزمة بمساعدة إسرائيل في الدفاع عن نفسها، بل يعلن ذلك بينما تستمر إسرائيل في عزل حي الشيخ جراح كما وفي اقتحاماتها لباحات المسجد الأقصى.
المشهد يحمل في طياته جملة من التناقضات التي لا يمكن أن تؤدي لتهدئة مستدامة، ففي أحسن الاحوال ستنجح الهدنة حول غزة لفترة من الوقت. ومهما كان شكل الهدنة فهي لن تشمل الاعتداءات الإسرائيلية الدائمة على الشعب الفلسطيني في كل مكان كما لن تشمل روح المقاومة في صفوف الشعب الفلسطيني.
والواضح من التحرك الأمريكي السعي لإجهاض ما قامت به المقاومة في غزة وما قامت به المقاومة في كل فلسطين. لقد بدأت الهجمة المضادة لتفريغ المحتوى من خلال سعي الولايات المتحدة للتحكم ضمنا بإعادة البناء وذلك لصالح حليفتها إسرائيل. لهذا ففي هذه المرحلة من المناورة السياسية لا بد من الحذر من كل محاولات السيطرة على سياق المقاومة وروح التصدي. كما أن اعادة البناء تتطلب شروطا واضحة للمقاومة من قبل حماس وكتائب القسام في غزة.
إسرائيل ليست في هدنة بل في حالة حرب لأن ذات الاعتداءات مستمرة، كما أن الاعتقالات مستمرة في فلسطين على كل المستويات. ويعزز الاعتداءات الإسرائيلية أن إسرائيل تمتلك من المتطرفين المدعومين من الدولة الصهيونية ما يتجاوز كل متطرفي العالم العربي. فالمتطرفون في إسرائيل يحركون الدولة ويؤثرون على سياساتها، فهم في الحكومة، وهم في الكنيست، وهم من يعتدون على القدس والضفة الغربية. كيف يمكن لسلام أن ينشأ في ظل أجواء كهذه، فهذه أجواء قتال و اقتلاع.
وفي الغرب وبين المسؤولين الغربيين بالتحديد من يساوي بين حماس وإسرائيل أو بين صواريخ حماس ومدافع وطيران وجيش الاحتلال او حتى بين حجارة الفلسطينيين وبنادق الاحتلال.

هذه المرحلة الجديدة تتميز بأنها أعادت للقضية الفلسطينية وهجها التاريخي، كما أنها تعيد تثقيف جيل فلسطيني جديد بأبجديات القضية الفلسطينية، بل والأهم أنها فتحت الباب لولادة جيل مقدام مستعد لقيادة المقاومة

لا تجوز المساواة بين الجلاد والضحية وبين سارق الأرض وبين صاحب الأرض، وبين صانع الظلم وبين من يقاومه، وبين الاستعمار والشعوب المستعمرة. كيف يتساوى الظالم مع كلمات المظلوم ودعواته وحجارته وأسلحته القليلة؟
وهل في التاريخ تساوت الشعوب المستعمرة مع الدول المستعمرة، او الجزائر المحتل ومقاومته مع فرنسا الاستعمارية، او حتى هل تساوت شمال إيرلندا المقاومة وبريطانيا المحتلة لتلك البلاد؟
لقد أدان التاريخ العبودية بكل أشكالها وأدان الاستعمار في كل مكان إلا في فلسطين المحتلة بسبب نفوذ الحركة الصهيونية في الغرب وفي الولايات المتحدة والتي تسعى لجعل العبودية تحررا والاستيطان نشرا لحضارة اليهود والاحتلال رحمة.
لقد فتحت هبة الشعب الفلسطيني في القدس الباب لمرحلة جديدة من النضال، سيكون الوجه الغالب لهذا النضال هو العصيان المدني والمواجهات الشعبية، وتحدي الموانع والحواجز التي يضعها جيش الإحتلال. هذه المرحلة الجديدة تتميز بأنها أعادت للقضية الفلسطينية وهجها التاريخي، كما أنها تعيد تثقيف جيل فلسطيني جديد بأبجديات القضية الفلسطينية، بل والأهم أنها فتحت الباب لولادة جيل مقدام مستعد لقيادة المقاومة ومواجهة التحديات التي تفرضها الصهيونية في فلسطين.
يجب أن لا نتوقع حلولا قريبة وانتصارات سريعة. فالدخول في مرحلة جديدة يعني البداية النشطة لطريق جديد طويل مع نمط من الاستعمار الاستيطاني الهادف لطرد السكان.
في المدى القادم تستمر المواجهة بين صاحب المكان وبين الذين جاؤوا لفلسطين محملين بأساطير يصعب الحفاظ عليها عبر الزمن وعبر العقود. أزمة الصهيونية الأهم ستكون في إكتشاف العالم لحقيقتها ووسائلها. مؤخرا اعتذرت الغارديان عن دعمها لوعد بلفور، وقامت مظاهرات في طول العالم وعرضه احتجاجا على الظلم في فلسطين. بالطبع يوجد ضوء في آخر النفق، لكن هذا الضوء لن يشتعل الا بسواعد المناضلين في فلسطين وعبر بناء حالة وطنية شاملة تلتزم فكرا تحرريا أساسه الالتزام بقيم العدالة وتعظيم دور الشعب وتطلعاته.

د.  شفيق ناظم الغبرا

القدس العربي