دور الضحية يناسب خطط أحمدي نجاد للانقلاب على النظام في إيران

دور الضحية يناسب خطط أحمدي نجاد للانقلاب على النظام في إيران

طهران – عندما نتذكر محمود أحمدي نجاد، فإننا نتذكره كرئيس إيراني حكم البلاد من عام 2005 إلى 2013، بحماسته الأيديولوجية، وسياسته الخارجية العدوانية، وخطبه الغاضبة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل.

مع ذلك نجح نجاد منذ أن ترك منصب الرئاسة في التحريض ضد النظام المتشدد في بلده باستخدامه خطابا شعبويا مستفيدا من خبراته ومهارته لتوجيه انتقادات لاذعة لأعلى هرم في السلطة والغاية من وراء ذلك مما لا شك فيه تحقيق مكاسب انتخابية، وهي غاية لم ينلها مع اقتراب السباق الرئاسي.

وكما هو متوقع، استبعد مجلس صيانة الدستور في إيران نجاد إضافة إلى علي لاريجاني من خوض الانتخابات الرئاسية المرتقبة.

ويلفت المتابعون والمحللون أن هذا الاستبعاد سيخدم مصلحة نجاد وسيزيد من شعبيته التي تهاوت في السنوات الأخيرة، وستقدمه إلى الشارع الإيراني بصورة أخرى بعيدة عن إرثه السابق.

وفي تقدير حميد رضا عزيزي، الأستاذ المساعد في الدراسات الإقليمية في جامعة شاهد بهشتي وعضو المجلس العلمي في معهد الدراسات أوراسيا وإيران في طهران، فإن “نجاد لا يريد الفوز بالرئاسة هذا العام فخطته تحديدًا تقتضي أن يتم منعه من الفوز، ومن الأفضل له التظاهر بأنه ضحية نظام غير عادل بهدف الانقلاب عليه وتقديم نفسه كشخصية معارضة بوسعها تحقيق التغيير المنشود والتخلص من عبء نظام بالغ في القمع والإقصاء”.

وشرح عزيزي في تقريره على مجلة فورين بوليسي كيف توصل نجاد إلى نتيجة مفادها أنه لن يجد طريقًا للعودة إلى السلطة من خلال النظام، وهو ما يدفعه للتحول إلى معارض قوي.

وكان نجاد قد هدّد في انتخابات هذا العام في وزارة الداخلية على الفور بمقاطعة الانتخابات إذا قرر مجلس صيانة الدستور – الهيئة التي يقودها المحافظون والمسؤولة عن فرز المرشحين – استبعاده، كما أوضح أنه لن يؤيد أي مرشح آخر.

وسارعت الشخصيات المحافظة في الرد، وانتقدت نجاد لتحديه نفس النظام الانتخابي الذي استغله في وقت سابق مرتين ليصبح رئيسًا. لكنّ الرئيس السابق لم تكن لديه رغبة في التوقف عن إثارة غضب حلفائه السابقين. وفي مقابلة صحافية سابقة، أطلق على نفسه اسم “الديمقراطي الليبرالي”، وهو مصطلح يستخدمه غالبًا المتشددون في إيران لتشويه سمعة خصومهم.

وتابع نجاد قائلًا “أنا لست أحمدي نجاد الذي تفكرون به”. هذه الرسالة كان مفادها أنه لم يعد الشخص الذي كنا نعرفه.

وبدأ نجاد تحوله قبل عقد من الزمن، خلال فترة ولايته الثانية كرئيس. كان ابتعاده عن المعسكر المحافظ للحكومة الإيرانية، بما في ذلك المرشد الأعلى، بدافع الدعم المطلق لآية الله علي خامنئي له في أعقاب انتخابات 2009 المزورة. فسّر نجاد هذا الدعم على أنه ضوء أخضر ليفعل ما يشاء في منصبه. وكانت النتيجة حدوث خلاف شديد بين إدارته وجميع مراكز القوة الأخرى تقريبًا في إيران، بما في ذلك القضاء والبرلمان والحرس الثوري الإيراني وحتى خامنئي نفسه.

على سبيل المثال، اتهم نجاد الحرس الثوري الإيراني بـ”التهريب” والقضاء بانتهاك الدستور. كما تحدى أمر خامنئي بعدم إقالة وزير المخابرات حيدر مصلحي – لكنه امتثل له في النهاية.

وما لم يفكر فيه نجاد على الأرجح هو أنّ نفس المعسكر المحافظ الذي قمع الحركة الخضراء لصالحه سيفعل الشيء نفسه مع أي مثير للشغب أو معارضين آخرين محتملين. وعند نهاية ولايته الثانية في عام 2013، قرر نجاد الحفاظ على قبضته على السلطة من خلال تسليم الرئاسة إلى أحد أعضاء دائرته المقربة.

ودعم آنذاك بقوة مستشاره المقرب إسفنديار رحيم مشائي للترشح للرئاسة، حتى أنه رافق مشائي إلى وزارة الداخلية للتسجيل كمرشح.

لكن مشائي، الذي كان يمقته المحافظون بسبب مواقفه المثيرة للجدل حول الإسلام ورجال الدين، فشل في تجاوز حاجز مجلس صيانة الدستور، وانتهى به الأمر في السجن بعد أربع سنوات بتهم مثل “العمل ضد الأمن القومي” و”الدعاية ضد النظام”. وقد لقي حميد بغائي، وهو مساعد آخر مقرب من أحمدي نجاد، مصيرا مماثلا بعد فترة وجيزة من منعه من الترشح في الانتخابات الرئاسية لعام 2017.

كانت تلك نفس الانتخابات التي استبعد فيها مجلس صيانة الدستور نجاد بعد أن تجاهل نصيحة خامنئي بعدم الترشح. وبحلول ذلك الوقت، أصبح من الواضح بالفعل أنه لن يكون له ولا أي شخص مقرب منه أي فرصة لتولي المناصب التنفيذية العليا في البلاد.

وعندما توصل نجاد إلى نتيجة مفادها أنه لن يجد طريقًا للعودة إلى السلطة من خلال النظام، قرر الالتفاف ضده. وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، تجاوز نجاد العديد من الخطوط الحمراء للنظام السياسي الإيراني، من دعم احتجاجات سنتي 2018 و2019 إلى التحدث عن “الفساد المنهجي” في إيران وانتقاد تدخل البلاد في سوريا ضد إرادة الشعب السوري.

وذهب إلى حد الادعاء بأنه لا علاقة له بقمع متظاهري الحركة الخضراء، مشيرًا بدلًا من ذلك إلى أنها “عصابة منظمة” داخل النظام الأمني ​​لجأت إلى العنف ضد الشارع. وفي الوقت نفسه، تواجد نجاد بقوة على وسائل التواصل الاجتماعي لتصوير نفسه على أنه سياسي حديث يستخدم التقنيات الجديدة لإيصال رسائل “السلام والحرية والعدالة” إلى العالم.

ويعد استبعاد نجاد من الترشح لمنصب الرئاسة هو المرحلة الأخيرة من حملة التغيير طويلة الأمد التي تحدث في البلاد. وقد فهم نجاد أنه من غير المرجح أن يؤهله مجلس صيانة الدستور للترشح لهذا العام. لكن الرفض كان بالضبط ما يريده هو، حيث يمكن أن يساعده على إبراز صورة شخصية معارضة تسعى بلا كلل لإحداث التغيير ولا تخشى مواجهة المؤسسة الإيرانية بشكل مباشر.

لا شك أن نجاد يدرك أنه من غير المرجح أن يصبح رئيسًا مرة أخرى – لكن طموحاته تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك المنصب. حيث يبدو أنه ينتظر فراغ السلطة الذي من المرجح أن ينشأ بعد وفاة خامنئي البالغ من العمر 82 عامًا. وفي وضع لا توجد فيه معارضة سياسية منظمة داخل البلاد وتكون جماعات المعارضة الموجودة في الخارج إما مجزأة أو تفتقر إلى الدعم الشعبي، فهو يريد أن يتولى دور زعيم وطني معارض للنظام القائم.

ووفقًا لعبدالرضا دافاري، مستشار نجاد السابق والذي يعد الآن أحد منتقديه الأقوياء، يعتقد الرئيس السابق أن الجمهورية الإسلامية ستنهار بموت خامنئي. لكن على عكس ادعاءاته بأنه ديمقراطي ليبرالي، فإن بديله المثالي للنظام السياسي الحالي سيكون نوعًا آخر من حكومة إسلامية دون ولاية الفقيه أو القيادة العليا في قمتها.

ولكي ينجح، سيحتاج نجاد إلى توسيع قاعدته السياسية. وفي الوقت الحالي، يبدو أن الطبقة الوسطى المتعلمة – القاعدة الاجتماعية التقليدية للمعسكر الإصلاحي – فقدت الأمل في العمل من خلال النظام السياسي بعد أن شهدت سجل الرئيس حسن روحاني المخيّب للآمال والسلطة المتزايدة التي يمارسها المتشددون والأجهزة الأمنية.

ويبدو أن هدف نجاد هو كسب ولاء هذه الطبقات بشكل تدريجي، وبشكل مثالي، وهو جيل الشباب الذي لا يتذكر حقًا فترة رئاسته والحركة الخضراء من خلال تقديم وعود بلاغية مستمرة بالعدالة والحرية ومحاربة الفساد. وإذا كان التاريخ مثالًا على ذلك، فقد ينتهي به الأمر إلى إعادة تسمية نفسه “بطل التغيير”.

وربما يكون نجاد اليوم على حق، فهو ليس الشخص الذي عرفه العالم منذ سنوات، ويريد اليوم التخلص من إرثه السياسي السابق حين كان رئيسًا متعصبًا أيديولوجيًا وعديم الخبرة وسياسيًا مكيافيليًا يعرف كيف يلعب لعبة طويلة، وستثبت مستجدات المشهد الإيراني فقط ما إذا كان نجاد سينجح في استعادة جمهوره وقاعدته الانتخابية أو لكي يحظى بفرصة صعوده إلى القمة مرة أخرى.

العرب