رئيس وكالة الطاقة الذرية في فيينا رفائيل غروسي، رجل شجاع. قال أمس عن إيران، في مقابلة صحافية، ما لم يتجرأ أحد سبقه في المنصب أن قاله: دولة تخصب اليورانيوم لدرجة 60 في المئة إنما هي دولة تسعى للوصول إلى قنبلة وبسرعة. أقواله تلغي الحاجة إلى مسدس مدخن. قرار غروسي الأرجنتيني عن النوايا الإيرانية صادح ومصداق أكثر بأضعاف من تلك الفتوى التي أصدرها، زعماً، الزعيم الروحي علي خامنئي، بأن إيران لا تتجه إلى سلاح نووي.
كانت بقعة النور الوحيدة في أقوال رئيس الوكالة أن الوضع لا يزال قابلاً للتراجع، وأنه يمكن إرجاع إيران إلى الوراء إلى قيود التخصيب المتدني التي تقررت في الاتفاق النووي في 2015، وذلك إلى جانب استئناف تفعيل نظام رقابة متشدد ووثيق.
وبالفعل، فإن إعادة إيران إلى الوراء في مجال التخصيب واستئناف الرقابة هما جزء لا يتجرأ من المواضيع التي تبحث الآن في الجولة الجديدة لمحادثات النووي بين إيران والقوى العظمى، التي جرت هذا الأسبوع في فيينا. لا تزال هناك فوارق، ولكن الطرفين يعربان عن التفاؤل ويقدران بأن اتفاقاً قريباً سيتحقق. وكبادرة طيبة، وافق الإيرانيون على تمديد الاتفاق المؤقت للرقابة على مواقع النووي لديهم “حتى ما بعد انتخابات الرئاسة في الشهر القادم”.
إن موافقة إيران على تمديد الرقابة إلى ما بعد الانتخابات ليست صدفة، وتشير إلى تطلع الزعيم الروحي علي خامنئي “لجر الأرجل” وعدم المسارعة في التوقيع على اتفاق جديد مع القوى العظمى قبل الانتخابات، والتي ستجرى في 18 حزيران. والسبب هو أن خامنئي معني بألا يعدّ الاتفاق النووي الجديد، الذي سيُرفع في إطاره قسم من العقوبات الجسيمة المفروضة على إيران، إنجازاً للرئيس الحالي حسن روحاني، رجل المعسكر المعتدل والإصلاحي، بل معنى أن تسجل كلها في صالح الرئيس التالي، رجل ثقته ومن كبار رجالات المعسكر المحافظ، إبراهيم رئيسي.
يفعل خامنئي كل ما في وسعه كي يضمن انتخاب “رئيسي”، وذلك من خلال حرصه على استبعاد مسبق لمعظم المرشحين الذين ينتمون للجناح المعتدل. إذا أنتخب رئيسي، الذي يشغل الآن منصب رئيس جهاز القضاء في إيران، فستتعزز أيضاً مكانة كل المعسكر المحافظ في إيران. وإن رفع العقوبات في وردية رئيسي، كما يقدر، سيبدد أيضاً خطر الانتفاضة الشعبية من ملايين الإيرانيين ممن علقوا دون خط الفقر بسبب العقوبات والفساد في القمة السلطوية.
أما إسرائيل، بطبيعة الأحوال، فترى الأمور بشكل مختلف، وهكذا أيضاً أوضحت لوزير الخارجية الأمريكي الذي زار البلاد هذا الأسبوع. فالجناح المحافظ المتطرف في إيران يسيطر على البرلمان، وعلى جهاز القضاء، وبالطبع على الحرس الثوري والجيش. وانتخاب رئيس من الجناح المتطرف، الذي يلوح كخليفة مستقبلي لخامينئي، سيضمن لهذا المعسكر السيطرة التامة في إيران ويسد طريق التيارات الليبرالية والمعتدلة أكثر.
إن إيران وهي تحت سيطرة المعسكر المتطرف، ستكون ملتزمة أكثر بتعميق المساعدة لحزب الله، وحماس ومنظمات الإرهاب في غزة. ولن تتوقف عن السعي إلى القنبلة، حتى في ظل نظام رقابة متشدد. والدليل هو أنه حتى رئيس وكالة الطاقة الذرية في فيينا يعترف بأنه “لا يمكن أن نأخذ” من الإيرانيين المعرفة التكنولوجية التي جمعوها في السنتين الأخيرتين. هو أيضاً يشكك في إمكانية “إعادة الجنّي إلى القمقم”.
بقلم: عوديد غرانوت
القدس العربي