غرب أفريقيا الوجهة الجديدة للصين لعسكرة المحيط الأطلسي

غرب أفريقيا الوجهة الجديدة للصين لعسكرة المحيط الأطلسي

واشنطن – تقوم الصين حاليا بعملية استكشاف لإمكانية إنشاء قاعدة بحرية على الساحل الغربي لقارة أفريقيا، ومن ثم يمكن أن تقوم السفن الحربية الصينية في المستقبل القريب بدوريات بشكل منتظم قبالة الساحل الشرقي للولايات المتحدة.

وأول من دق ناقوس الخطر لذلك هو الجنرال ستيفن تاونسند، قائد القيادة الأميركية في أفريقيا، أثناء شهادة أدلى بها مؤخرا أمام لجنتي القوات المسلحة في مجلسي النواب والشيوخ بالكونغرس الأميركي. وقال “إنهم (الصينيون) الآن يضعون نصب أعينهم ساحل المحيط الأطلسي ويريدون الحصول على قاعدة من هذا القبيل هناك”.

وحاليا، توجد القاعدة العسكرية البحرية الوحيدة للصين خارج أراضيها في منطقة القرن الأفريقي وتحديدا في جيبوتي. وتقع القاعدة قرب بعض طرق الملاحة الأكثر ازدحاما في العالم، بما في ذلك تلك الطرق التي تمر عبر قناة السويس.

ويعتقد جوردون تشانغ، الزميل رفيع المستوى في معهد جيتستون الأميركي أن القوة البحرية الصينية تعمل الآن على مسح مواقع على الساحل الغربي لأفريقيا، انطلاقا من موريتانيا في الشمال إلى ناميبيا في الجنوب.

وأفريقيا كقارة تعتبر مهمة في حد ذاتها لأن مساحتها أكبر من الولايات المتحدة والصين والهند واليابان ومعظم أوروبا مجتمعة، ليس فقط من الناحية العسكرية، بل أيضا من الناحية الاقتصادية، فهي موطن إحدى عشرة دولة من بين الـ25 دولة ذات الاقتصاديات الأسرع نموا، كما أنها المنطقة الأكثر حيوية من الناحية الديموغرافية في العالم.

وتتضح أهمية القارة بوضوح من كلام الجنرال تاونسند الذي ذكر في بيان خاص بالكونغرس عن حالة القوات المسلحة عام 2021 إلى أن “أفريقيا، الواقعة على مفترق طرق العالم، تطل على نقاط عبور إستراتيجية مهمة بما في ذلك مضيق جبل طارق ومضيق صقلية والبحر الأحمر وباب المندب وقناة موزمبيق”.

ولا يفكر المخططون الصينيون في أفريقيا فقط، بل أنهم يضعون نصب أعينهم أيضا عدة جزر في المحيط الأطلسي، وعلى وجه التحديد تيرسيرا، إحدى جزر الأزور. وفي تلك الجزيرة، وهي جزء من البرتغال، يوجد ميناء، و حتى الأهم من ذلك، هناك قاعدة جوية ويتم تشغيل القاعدة المعروفة باسم لاجيس فيلد بشكل مشترك بين القوات الأميركية ونظيرتها البرتغالية.

ilشانغ، وهو عضو في المجلس الاستشاري لمعهد جيتستون، أنه إذا سيطرت الصين على القاعدة، فلن يكون المحيط الأطلسي آمناً. وانطلاقا من المدرج الذي يبلغ طوله قرابة 11 ألف تستطيع الطائرات الصينية القيام بدوريات في المناطق الشمالية والوسطى من المحيط الأطلسي، وبالتالي قطع الحركة الجوية والبحرية بين الولايات المتحدة وأوروبا، كما ستكون بكين قادرة أيضا على منع وصول السفن إلى البحر المتوسط القريب.

ويقوم الخبراء الذين يقومون باستقطاعات في ميزانية وزارة الدفاع (البنتاغون) بتخفيض الأنشطة في قاعدة لاجيس فيلد، مما يجعلها “قاعدة أشباح”. ونتيجة لذلك، تصبح القاعدة لقمة سائغة للصين لتستولي عليها.

وسواء استولت الصين على لاجيس أم لم يحدث ذلك، فإن خطط الصين المتعلقة بأفريقيا واضحة. وكما قال برادلي بومان، وهو أحد كبار مديري مركز القوة العسكرية والسياسية بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات لصحيفة “واشنطن تايمز” هذا الشهر، إنه “لن يمر وقت طويل قبل رؤية سفن تابعة للقوة البحرية الصينية فوق سطح الماء وتحته في المحيط الأطلسي على نحو منتظم”.

ويقول جيمس هولمز من الكلية الحربية البحرية الأميركية لمعهد جيتستون إن وجود قاعدة في المحيط الأطلسي “ستسمح للصين بإلحاق الضرر بالولايات المتحدة في نصف الكرة الأرضية الذي تقع فيه”.

وأضاف “هذه الوضع قد يؤدي إلى سحب بعض القوات الأميركية من غرب المحيط الهادئ إلى المحيط الأطلسي، مما يخفف الضغط على الصين في بحر الصين الشرقي ومضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي، كما أنه سيشتت انتباهنا وينهكنا الأمر الذي يصب في مصلحة بكين”.

وبحسب تشانغ، فإن السيناريو الأسوأ من ذلك هو أن الصين يمكن بعد ذلك أن تستهدف أراضي الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال تبعد قاعدة لجيس أقل من 2300 ميل من نيويورك، وهي أقصر من المسافة بين بيرل هاربور ولوس أنجلس.

ويمكن أن تحصل الصين على قاعدة حتى أقرب من ذلك. فعلى بعد 90 ميلا شرق بالم بيتش، في جزيرة غراند باهاما، تنفق شركة مقرها هونغ كونغ حوالي 3 مليارات دولار على منشأة حاويات في المياه العميقة، وهو ميناء فريبورت للحاويات.

وتم تصميم ذلك الميناء للاستفادة من حركة المرور من قناة بنما التي تم توسيعها مؤخرا، ولكن القلق هو أن الميناء سيصبح هامبانتوتا آخر. ففي ديسمبر 2017 استولت الصين على ميناء هامبانتوتا في سريلانكا، واستحوذت على 70 في المئة من حقوق الملكية ووقعت عقد إيجار لمدة 99 عاما بعد عجز ذلك المشروع عن سداد قروض عالية الفائدة قدمتها الصين.

وكان استيلاء الصين على الميناء أمرا حتميا لأن مشروع ميناء هامبانتوتا، ومن وجهة نظر اقتصادية، كانت فكرة خاطئة منذ البداية. والآن هناك مخاوف من أن هامبانتوتا سوف يصبح قاعدة بحرية صينية في نهاية المطاف.

ويتطلع أميرالات الصين منذ فترة طويلة إلى سريلانكا. ففي شهري سبتمبر وأكتوبر 2014، سمحت الحكومة السريلانكية لغواصة صينية وسفينة دعم لوجستي لها بالرسو في محطة كولومبو الدولية للحاويات والتي تمولها الصين. وربما تكون سريلانكا نموذجا لعسكرة الصين لجزر الباهاما. وإضافة إلى المنشأة الكبيرة للغاية في فريبورت، يوجد ميناء تموله الصين في جزيرة أباكو، وهي أيضا جزء من جزر الباهاما.

وميناء أباكو عديم الفائدة أساسا من وجهة نظر تجارية وقد يقع في أيدي بكين. ومن ثم، قد تملك الصين قاعدتين بحريتين بالقرب من ولاية فلوريدا الأميركية، ما لم تتحرك إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على وجه السرعة لمنع اختراق الصين لجزر الباهاما.

كما يشير هولمز، فإنه سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن بلدانا في أفريقيا أو في هذا النصف من الكرة الأرضية لن تؤكد على مصالحها الخاصة.

وفي الوقت الحالي، تلجأ بكين، باستخدام التجارة والاستثمار والآليات الأخرى، إلى أساليب التنمر والترويع ضد بلدان في أفريقيا وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي لكن بإمكان الولايات المتحدة أن تتصدى لذلك من خلال العمل عن كثب مع العواصم على جانبي المحيط الأطلسي.

ومع ذلك، تحتاج واشنطن إلى النظر إلى ما وراء الدول التي لديها موانئ. فالأميركيتان الجنوبية والوسطى ومنطقة البحر الكاريبي مهمة في حد ذاتها، مثلها مثل أفريقيا.

ويرى تشانغ أن واشنطن ومن دون أن تشعر تعزز، من خلال التجارة والاستثمار، مكانة الصين التي أعلنت أن الولايات المتحدة عدوة لها، مشيرا إلى أن إجمالي التجارة الأميركية الثنائية مع الصين بلغ في العام الماضي قرابة 560 مليار دولار.

ولذلك، يتعيّن على واشنطن، من خلال منح الحوافز ومنعها من إعادة توجيه مسار التجارة نحو بلدان في أفريقيا ونصف الكرة الغربي حتى تتمكن الولايات المتحدة من بناء الدعم للديمقراطية بدلاً من النظام الشمولي على الطريقة الصينية وإتاحة الفرصة أمام الدول لكي تصبح أقل اعتمادا على أموال الصين.

وأمام الولايات المتحدة طريق طويل يجب السير فيه لبناء علاقات مع حكومات أفريقيا، حيث بلغ حجم تجارة السلع الأميركية البينية مع القارة العام الماضي 45.8 مليار دولار وهو مبلغ ضئيل للغاية.

وهذا الوضع يعيد التركيز على القواعد البحرية الصينية. فبكين، كما يتضح من تصريحات قادتها تريد حكم العالم وإحدى الخطوات المؤقتة لتحقيق ذلك تتمثل في السيطرة على المحيط الأطلسي والبحر الكاريبي والمياه قبالة الساحل الشرقي للولايات المتحدة.

العرب