عمالقة التكنولوجيا يجنون أرباح موسم كورونا

عمالقة التكنولوجيا يجنون أرباح موسم كورونا

بينما تواجه دول فقيرة مخاطر ثورات اجتماعية بسبب الركود الذي لحق باقتصادياتها نتيجة وباء كورونا تجاوزت عائدات خمس شركات أميركية تنشط في مجال تكنولوجيا المعلومات خلال العام الماضي مستوى التريليون دولار. ويقف العالم حائرا في اتخاذ قرارات تحد من هذه الفجوة خشية الانتهاء بقوانين تعاقب الناجحين على نجاحهم.

على مدار عام ونصف تقريبا ألحقت جائحة كورونا أضرارا فادحة بالفئات الفقيرة، وأسقطت الملايين من الناس في براثن الفقر. فبعد عقود من التقدم المطرد في الحد من أعداد الفقراء الذين يعيشون على أقل من 1.90 دولار للفرد في اليوم، كان العام الماضي إيذاناً بأول انتكاسة لجهود مكافحة الفقر.

الجائحة أفضت إلى سقوط 88 مليون شخص آخر في براثن الفقر المدقع خلال عام 2020، والرقم قد يرتفع إلى 115 مليوناً. ووفقاً لأحدث نسخة من تقرير الفقر والرخاء المشترك الصادر عن مجموعة البنك الدولي، فإن “كثيراً من الفقراء الجدد يشتغلون في قطاعات الخدمات والإنشاءات، والصناعات التحويلية”.

وقالت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية إن عائدات خمس شركات خمس، هي فيسبوك وأمازون ومايكروسوفت وأبل وغوغل، نمت في 2020 بنحو الخمس، مقارنة بعام 2019.

ويأتي نمو عائدات الشركات وأرباحها على الرغم من أزمة كورونا، التي ساهمت في تحفيز تجارة الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات. ووفقا لنفس الصحيفة زادت مبيعات أبل من الكمبيوترات المحمولة والأجهزة اللوحية بعد تحول العديد من الشركات للعمل عن بعد.

كما أن مايكروسوفت حققت أرباحا إضافية من مبيعات أجهزة الكمبيوتر وخدمات مكالمات الفيديو والتخزين السحابي، بينما حققت التجارة عبر الإنترنت إيرادات إضافية لشركتي غوغل وأمازون.

وارتفعت إيرادات شركة فيسبوك، التي تتكون بالكامل تقريبًا من مبيعات الإعلانات، في الربع الرابع من عام 2020 بنسبة 33 في المئة. وحقق آب ستور إيرادات بقيمة 64 مليار دولار العام الماضي، لتتفوق على النسبة المقدرة وهي 50 مليار دولار التي حققها في عام 2019.

وأرجع موقع “ذا فيرج” المعني بأخبار التكنولوجيا الزيادة الكبيرة في المبيعات إلى جائحة كورونا التي شجعت الناس على شراء العديد من الألعاب وتطبيقات الألعاب البدنية، بالتزامن مع طول فترة بقائهم في المنزل وخضوعهم للحجر الصحي.

وكانت أمازون أكبر المستفيدين من تزايد المبيعات غبر الإنترنت وحققت إيرادات قياسية، معلنة زيادة الإيرادات بنحو 44 في المئة في الربع الأخير من 2020.

وسجلت مايكروسوفت زيادة بنسبة 40 في المئة في إيرادات قطاع جهاز ألعاب إكس بوكس الذي شهد طرح إصدار جديد من الجهاز خلال الربع الثاني من العام الحالي.

هذا على مستوى الشركات، أما على المستوى الشخصي فقد حقق قادمون جدد أيضا استطاعوا تحقيق أرباح خيالية مستفيدين من العدد المتزايد للأشخاص الذين يعملون من المنزل أثناء الوباء، من بينهم إريك يوان مؤسس شركة “زوم” الذي انتقل من الصين إلى الولايات المتحدة عندما كان يبلغ من العمر 27 عاماً. وأطلق عام 2019 منصته الخاصة لاتصالات الفيديو. ومع انفجار أزمة كورونا انفجرت أيضا أسهم زوم، وتقدر ثروة يوان الشخصية حاليا بحوالي 19 مليار دولار. وهو رقم عجزت عن تحقيقه بعض الدول.

ولعبت إجراءات التباعد الاجتماعي وإغلاق نوادي الرياضة دوراً مهماً لصالح جون فولي. إذ مع توجه الملايين من الناس إلى ممارسة الرياضة في المنازل عوضاً عن الذهاب إلى مراكز اللياقة البدنية تضاعفت أسهم شركته “بيلتون” للأجهزة الرياضية ثلاث مرات خلال الوباء، مما أدى بشكل مفاجئ إلى تحويله إلى ملياردير.

قصة نجاح أخرى بطلها ألماني هاجر إلى كندا في عام 2002، هو توبياس لوتكه الذي طوّر منصة تتيح إنشاء متاجر إلكترونية خاصة. بدأ لوتكه العمل من مرآب سيارات مثل العديد من سكان أميركا الشمالية. وقد تضاعفت قيمة أسهم شركته “شوبيفاي” في كندا، وتصاعدت الأرباح منذ مارس 2020. وتبلغ ثروة لوتكه، البالغ من العمر 39 عاماً، حوالي 9 مليارات دولار. بحسب مجلة فوربس.

حان وقت المحاسبة
في وقت مبكر من شهر يناير عام 2020 بدأ أوغور شاهين وهو ألماني من أصول تركية في تطوير أبحاثه في العمل على لقاح ضد فايروس كورونا وأضحت شركة التكنولوجيا الحيوية الألمانية بيونتيك، التي أسسها شاهين، وشريكتها الأميركية فايزر من الشركات الرائدة في تطوير لقاح ضد فايروس كورونا خلال فترة قياسية. ودفع اللقاح شاهين إلى أضواء الشهرة وبات من الأثرياء. وتقدر قيمة الأسهم التي يمتلكها بـ2.4 مليار دولار.

اللهم لا حسد.. هذا ما سنقوله في العلن، وإن أضمرنا غير ذلك في السر. ولكن، لمفوضة شؤون المنافسة في الاتحاد الأوروبي، مارغريت فيستاغر، رأي آخر. خاصة أن هذه العائدات بنيت على آلام الناس وإفقارهم. فهي ترى أن وقت محاسبة كبريات شركات التقنية في العالم قد حان.

ما قالته فيستاغر كرّره آخرون خلال مؤتمر “ريبابليكا” الرقمي في برلين مؤخرا. ورأى المشاركون أن عمالقة التكنولوجيا، مثل غوغل وفيسبوك وأمازون حققوا أرباحا قياسية خلال جائحة كورونا وعليهم أن يتحملوا مسؤولياتهم خاصة حيال الخصوصية والضرائب وهو ما كان محور النقاش خلال المؤتمر.

من جهتها قالت الكاتبة والناشطة في مجال حرية التعبير جيليان يورك إن العالم “في حاجة إلى إنهاء الممارسات الاحتكارية من جهة، وفي حاجة إلى التنظيم بطريقة ما”. فمنذ أزمة كورونا، أي قبل عام ونصف، اقتصر التواصل بين البشر عبر الإنترنت، خاصة في العمل، وهو الأمر الذي جعل الكثيرين يعتمدون بشكل متزايد على الخدمات الرقمية التي تقدمها كبرى شركات التكنولوجيا في العالم.

لقد نجحت هذه الشركات في توظيف حاجة الناس وتحقيق أرباح قياسية في وقت عانت فيه باقي اقتصاديات العالم، خاصة الدول الفقيرة، من ركود كبير.

ومع الحديث عن اقتراب رفع حالة الإغلاق في دول عديدة، تشير الأرقام إلى استمرار النجاح الذي تحققه شركات التكنولوجيا في حصد المزيد من الأرباح. واستمرت إيرادات كبرى الشركات الأميركية مثل أمازون وأبل وفيسبوك ومايكروسوفت وألفابيت، المالكة لمحرك البحث غوغل، خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام الجاري، في الارتفاع بنسبة 41 في المئة إضافية لتصل إلى 322 مليار دولار.

تحقيق الربح هدف مشروع بالنسبة إلى أي شركة، إلا أن المنتقدين يقولون إن هذه الشركات لم تعامل منافسيها بشكل منصف بل لم يتم تسديد الضرائب بشكل عادل.

ووفقا لتقديرات جديدة نشرتها منظمة “أكشن إيد” الحقوقية فإن خمس شركات أميركية تهربت من دفع الضرائب بما يصل إلى 32 مليار دولار من عائدات الضرائب في جميع دول مجموعة العشرين خلال العام الماضي. ويقول منتقدون إن العديد من الشركات لا تقوم بما يكفي لتجنب سوء استخدام منصاتها ولحماية خصوصية مستخدميها.

وفي ذلك يقول ماركوس بيكدال المؤسس المشارك للمؤتمر “إن هذا يمثل السبب وراء التساؤل حيال كيف يمكن التعامل مع عمالقة التكنولوجيا وهو الأمر الذي سيكون محور النقاش في السنوات المقبلة”. وأضاف أن “الأمر يتعلق بكيفية حدّ القوة السوقية للشركات الكبرى وكذلك تنظيم المحتوى المقدم على منصاتها”.

وكانت حكومات أستراليا والهند والولايات المتحدة قد أعلنت عن عزمها سن تشريعات لكبح عمالقة التكنولوجيا. أما في أوروبا فإن هذا الأمر يأخذ ملمحا آخر جراء الانتقادات ضد هذه الشركات بسبب هيمنتها المتنامية.

وفي هذا السياق يعمل الاتحاد الأوروبي على سن ثلاثة تشريعات، يتعلق التشريع الأول بإطار عمل للحد من القوة السوقية لهذه الشركات، والتشريع الثاني سيكون بشأن قواعد تحمل هذه الشركات المسؤولية حيال المحتوى الذي يعرض على منصّاتها.

أما التشريع الثالث فهو بمثابة قواعد مخصصة لتنظيم الكيفية التي يمكن من خلالها لهذه الشركات وغيرها الاستفادة من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

تحقيق الربح هدف مشروع بالنسبة إلى أي شركة، إلا أن المنتقدين يقولون إن هذه الشركات لم تعامل منافسيها بشكل منصف بل لم يتم تسديد الضرائب بشكل عادل

وكانت المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي قد أصدرت حكما برفض دعوى رفعتها المفوضية الأوروبية لدفع أمازون إلى سداد ضرائب بقيمة 250 مليون يورو إلى اللوكسمبورغ.

وفي الصيف الماضي ألغى قضاة أوروبيون قراراً للمفوضية الأوروبية يطالب أبل بتسديد 13 مليار يورو من المكاسب الضريبية.

المواجهة لن تكون سهلة ونجاحها إن تحقق سيستغرق أعواما طويلة حتى لا تنتهي بمعاقبة الناجحين على نجاحهم وفي نفس الوقت ضمان ألاّ يكون نجاحهم على حساب الشرائح الاجتماعية الأضعف.

العرب